استؤنفت المحادثات الرامية إلى إنقاذ الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني في 15 نيسان/ إبريل 2021 بالعاصمة النمساوية فيينا، برعاية الاتحاد الأوروبي الذي يسعى للوصول إلى نقطة تفاهم ترضي جميع الأطراف، وخاصة بعد السياسات الترامبية المتهوِّرة التي أدخلت المفاوضات بشأن ذلك الملف في نفق مسدود في عام 2018، وغرزت سكين العقوبات بعمق في الاقتصاد الإيراني.
وشهدت المباحثات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن اجتماعاً آخر في فيينا بواسطة أطراف الاتفاق النووي، وذلك يوم السبت الماضي 1 مايو، وسط الحديث عن تفاهم أولي يقضي برفع الحظر عن صادرات النفط والغاز والتعاملات البنكية الإيرانية.
لقد انتقل الملف النووي الإيراني إلى مستوى متقدِّم من التعقيد بعد أن قرَّرت إيران، التي صمدت في وجه كل أشكال العقوبات، تغيير نمط إنتاج اليورانيوم وزيادة تخصيبه لدرجة نقاء تبلغ 60%، أي بفارقٍ غير بعيدٍ عن درجة 90% المطلوبة لصنع الأسلحة النووية المدمِّرة.
وكعادتها، تفعل إسرائيل ما بوسعها لإجهاض كل مساعي إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني وإنعاش العلاقات الإيرانية-الأميركية تحت سقف إدارة جو بايدن الجديدة. فقد توجَّه وفد إسرائيلي إلى واشنطن بالتزامن مع المحادثات الجارية في فيينا للتقرُّب من حكومة بايدن وإقناعها بضرورة الحيلولة دون تمكُّن طهران من الصعود إلى قمة مصنِّعي الأسلحة النووية ومالكيها، وخصوصاً أمام علانية الرغبة والمصلحة الأميركية في العودة إلى طاولة المفاوضات بعد الوصول إلى ذروة العقوبات التي عجزت عن توجيه الضربة المُميتة إلى الاقتصاد الإيراني.
وكعادته، لا يُفوِّت نتنياهو، المحاصر داخلياً بقضايا الفساد، والمكروه شعبياً والمنبوذ أميركياً، أي فرصة لعرقلة سير تلك المفاوضات الإيرانية الأميركية، ولو باستعمال القوّة، كالهجوم السيبراني الذي تعرَّضت له منشأة نطنز النووية الإيرانية، في ذلك التوقيت الدقيق، والذي تردد أن إسرائيل تقف خلفه.
وفي انتظار تبلور المخرجات النهائية لتلك المفاوضات، يترقَّب الملايين من الإيرانيين باهتمام كبير حدوث نوع من الانفراج البسيط في أوضاعهم الاقتصادية، وخصوصاً بعدما أنهكتهم استراتيجية الضغط القصوى التي مارسها ترامب في حقِّهم بغية انتزاع المزيد من التنازلات.
فقد سبَّبت العقوبات الأميركية حرمان إيران سنوياً 50 مليار دولار من الإيرادات، وفقاً لتصريحات الرئيس حسن روحاني، واتِّساع عجز الموازنة الإيرانية الذي وصل إلى حوالى 58 مليار دولار في نهاية السنة المالية الماضية، وارتفاع إجمالي صافي ديون الحكومة إلى 258 مليار دولار، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وانهيار قيمة العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية غير مسبوقة وصلت إلى 300 ألف ريال للدولار الواحد في السوق غير الرسمية، على خلاف السعر الرسمي للبنك المركزي البالغ 42 ألف ريال للدولار، وانزلاق احتياطيات إيران من النقد الأجنبي إلى 85 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لتقرير الصندوق الصادر في نيسان/ إبريل 2021.
وكذا إطلاق العنان للتضخّم الذي نسف المستويات المعيشية للإيرانيين وبدَّد مدخراتهم وضرب الفئات الفقيرة والمستضعفة بالجوع والاحتياج، وساهم في تقليص الطبقة الوسطى بنحو 8 ملايين إيراني منذ سنة 2011، ومن المتوقَّع أن يرتفع معدل التضخّم من 36.5% في 2020 إلى 39% في 2021، وأن يرتفع معدل البطالة أيضاً من 10.82% في 2020 إلى 11.24% في 2021، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
إذا أدت تلك المفاوضات إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران، ستنقشع الغمامة السوداء عن الاقتصاد الإيراني، وتزول الضائقة المالية من خلال إعادة وصل الاقتصاد الإيراني بالاقتصاد العالمي، وإنعاش تجارة النفط الإيراني، وتدفُّق الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط الصناعة المحلية، والسماح لإيران بطلب قروض من صندوق النقد الدولي، وعودة المياه إلى مجاريها ما بين النظام المصرفي الإيراني والبنوك الأجنبية، واسترداد العملة المحلية لعافيتها، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمَّدة في الخارج التي تراوح قيمتها ما بين 32 و120 مليار دولار، وفقاً لتصريحات محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي، ووزير الخزانة الأميركي جاك ليو.
وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الدولية والأمنية في جامعة ماريلاند الأميركية The Center for International and Security Studies at Maryland، تحت عنوان: "الرأي العام الإيراني في عهد بايدن" Iranian public opinion in the Biden era، على فترتين زمنيتين (1 أيلول/ سبتمبر - 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020) و(26 كانون الثاني/يناير - 6 شباط/ فبراير 2021)، شملت عيّنة تمثيلية مؤلفة من 2000 مواطن إيراني، أفاد 74% من المستجوبين بأنّ الوضعية الاقتصادية العامة لإيران جدّ سيئة.
كذلك أشار 52% من الإيرانيين الذين شملتهم تلك الاستطلاعات إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية لأسرهم، مقارنة بالعام الماضي، وأفاد 25% من المستجوبين بأنّ هناك أفراداً من أسرهم فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا من تشرين الأول/ أكتوبر 2020 إلى شباط/ فبراير 2021، وعبَّر 58% من المستجوبين عن استيائهم من سوء إدارة الاقتصاد المحلي والفساد المستشري في البلاد.
وأشارت نتائج تلك الاستطلاعات إلى أنّ 78% من المستجوبين أفادوا بأنّ العقوبات الأميركية أثرت بنحو سلبي وكبير في الاقتصاد الإيراني، فيما أكَّد 86% أنّ تلك العقوبات قد نغَّصت حياة المواطنين العاديين أيضاً، وخصوصاً من ناحية قلّة وفرة الأدوية والأجهزة الطبية الأجنبية الصنع والنقص الحادّ في قطع الغيار الأوروبية والأميركية.
وبينما أجمع 70% من المستجوبين على عدائية سياسات الرئيس الأميركي السابق ترامب، وتباينت آراء المستجوبين حول طبيعة سياسات الرئيس الحالي بايدن، فقد صنَّف 29% من المستجوبين سياساته على أنّها عدائية، وصرَّح 3% بأنّ سياساته ودِّية للغاية، وعبَّر 28% عن حيادهم في هذا السياق. وأكَّد 81% من المستجوبين أولوية رفع العقوبات الأميركية عن البنك المركزي الإيراني، وصرَّح 60% من المستجوبين بأنّه حتى لو عادت الولايات المتحدة إلى "خطة العمل المشتركة الشاملة" (JCPOA)، فإنّها لن تلتزم واجباتها ووعودها.
خلاصة القول أنّ العقوبات الاقتصادية ستبقى دوماً الورقة الرابحة التي ستتمسَّك بها الولايات المتحدة لليّ ذراع إيران، وستظلّ هذه الأخيرة البعبع الذي تستخدمه أميركا لحثّ دول الخليج على التسلُّح وعقد صفقات شراء الأسلحة التي تضمن نشاط تجارة الأسلحة الأميركية وانتعاشها، وكالعادة لن تُدير بلاد العم سام ظهرها لحليفها الأزلي، الكيان الصهيوني، لذلك يُستبعد سيناريو قيام بايدن وزبانيته بالرفع التام والكلِّي لتلك العقوبات، فهُم على نهج أوباما سائرون.