بدت المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن طهران، أكثر أريحية لقطاع النفط الإيراني الذي يتأهب لإعادة الإنتاج إلى فترة ما قبل العقوبات، وسط توقعات بأن تمتص أسواق الطاقة العالمية الزيادة المتوقعة في المعروض، خاصة في ظل الانتعاشة المتوقعة للاقتصادات الكبرى التي تمكنت من تحجيم تداعيات جائحة فيروس كورونا وإعادة النشاط إلى اقتصاداتها.
وكشف مسؤولون في قطاع النفط الإيراني، أنّ شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة، تعمل على تهيئة حقول النفط إلى جانب تعزيز العلاقات مع العملاء، حتى تتمكن طهران من زيادة الصادرات النفطية في حالة التوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن رفع العقوبات التي استهدفت، خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تصفير الصادرات الإيرانية وتجفيف مواردها المالية.
ورغم التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق لإنهاء العقوبات، فإنّ إيران تبدو متحوطة في تعاملها مع السوق العالمية، إذ يتوقع محللون أن تبقي على ما يوصف بـ"الأسواق الرمادية" والتي نجحت من خلالها في كسر الحظر الأميركي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
ويمكن أن تعود البلاد إلى مستويات الإنتاج في فترة ما قبل العقوبات التي كانت تقارب 4 ملايين برميل يومياً في أقل من ثلاثة أشهر، كما يمكنها الاستفادة من كميات نفط جرى تخزينها في البحر على ناقلات نفطية.
طهران تعمل على تهيئة حقول النفط إلى جانب تعزيز العلاقات مع العملاء، حتى تتمكن من زيادة الصادرات النفطية في حالة التوصل إلى اتفاق مع واشنطن بشأن رفع العقوبات
لكنّ هذا الأمر يعد أكثر التقديرات تفاؤلاً، إذ تظل العديد من العقبات حاضرة لاستعادة الأسواق العالمية، ومنها أنّ العقوبات الأميركية تطاول منظومات إيرانية عدة تتمثل في التجارة والشحن والتأمين، كما أنّ العديد من المشترين سيبقون مترددين حيال إعادة التعامل مع إيران خوفاً من تجدد الاضطراب مع أميركا وعودة العقوبات.
ووفق مقابلة أجرتها وكالة "بلومبيرغ" الأميركية مع محمد علي خطيبي، المسؤول السابق في شركة النفط الإيرانية الوطنية، فإنّ النفط الإيراني يمكن أن يعود تدريجياً. وأعرب عن اعتقاده أنّ العودة لن تكون سريعة ومفاجئة ولن تحدث بين عشية وضحاها.
وبعيداً عن التخوف المحتمل للمشترين، رأى خطيبي أنّ العودة التدريجية للإنتاج ترجع جزئياً إلى تفشي فيروس كورونا الذي أضر كثيراً بالطلب العالمي.
وأشار خطيبي، في المقابلة التي جاءت ضمن تقرير عن مستقبل النفط الإيراني، أمس الأحد، إلى أنّ شركات تكرير النفط وقّعت على الأرجح عقوداً سنوية في بداية العام، مما يترك مجالاً ضئيلاً لطهران للتوصل إلى اتفاقات إمداد طويلة الأجل خاصة بها في الوقت الحالي، مضيفاً: "أكبر مخاوفنا هي القيود المفروضة على عملائنا وخوفهم من شراء النفط من إيران، ومع اقترابنا من نهاية العام، سنشهد إبرام مزيد من العقود في ذلك الوقت".
وأشار الدبلوماسيون الأميركيون والإيرانيون، الذين يتفاوضون حالياً عبر حكومات وسيطة في فيينا، إلى أنّهم على وشك التوصل إلى اتفاق، وإذا نجحوا فيمكنهم إعادة تنشيط الاتفاق النووي الدولي الذي انسحب منه ترامب من جانب واحد في مايو/أيار 2018.
وسيتطلب ذلك من إيران قبول القيود المفروضة على أنشطتها النووية مرة أخرى، مقابل رفع مجموعة من العقوبات الصارمة التي فرضها الرئيس الأميركي السابق عليها.
واستفادت طهران بالفعل من المناخ الأقل عدائية الذي تبناه الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ انتخابه نهاية العام الماضي، وبدأت إنعاش مبيعات النفط، وإرسال طوفان من الخام إلى المشترين الصينيين، مما أدى إلى ارتفاع الإنتاج بنسبة 20% تقريباً هذا العام إلى 2.4 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عامين، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبيرغ".
وقالت سارة فاخشوري، رئيسة شركة الاستشارات "إس في بي إنرجي إنترناشيونال إل إل سي" التي تتخذ من واشنطن مقراً لها إنّه "حتى إذا لم ترفع العقوبات فإنّهم سيزيدون إنتاجهم على نحو أكبر، اعتماداً على قدرتهم على بيع النفط في السوق الرمادية (سوق ثانوية)".
إيران استفادت من المناخ الأقل عدائية الذي تبناه بايدن، منذ انتخابه، وبدأت إنعاش مبيعات النفط، وإرسال طوفان من الخام إلى المشترين الصينيين
وأجرى المهندسون في شركة النفط الإيرانية، عملية تناوب لإنتاج الخام بين الحقول المختلفة للحفاظ على ضغط الخزان عند مستوى كافٍ، وفقاً لمسؤولين في الشركة. ويعتبر هذا الإجراء حاسماً للحفاظ على مستويات الإنتاج، وفق رئيسة شركة الاستشارات "إس في بي إنرجي إنترناشيونال إل إل سي".
وإذا جرى اتفاق مع الولايات المتحدة، فيمكن لإيران زيادة الإنتاج إلى ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في غضون فترة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وفقاً لإيمان ناصري، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط في شركة "إف جي إي" الاستشارية المتخصصة في متابعة الشأن النفطي.
لكنّ البعض الآخر يتوقع عودة أبطأ للإنتاج في فترة تتراوح بين 12 و15 شهراً بعد رفع العقوبات لزيادة الإنتاج إلى 3.8 ملايين برميل يومياً، وفق توقعات رضا باديدار، رئيس لجنة الطاقة في غرفة تجارة طهران، في مقابلة عبر الهاتف مع "بلومبيرغ"، مشيراً إلى أنّ بعض الأعمال المطلوبة لاستعادة القدرة في الحقول، مثل إزالة وصيانة مضخات الآبار المسدودة، يمكن أن تستغرق شهراً واحداً لكلّ بئر.
غير أنّه قبل زيادة الإنتاج، يمكن لإيران أن تحقق زيادة في مبيعات النفط، بحسب إيمان ناصري، التي تشير إلى أنّ إيران خزنت نحو 60 مليون برميل من النفط الخام، منها نحو 11 مليون برميل خام و10 ملايين برميل من النفط الخفيف "المكثفات" في "تخزين جمركي" بالصين، لتكون جاهزة لبيعها للمستخدمين النهائيين.
وفي تحليل لشركة "وود ماكينزي" الأميركية، أوردته "العربي الجديد" في تقرير نشرته في 20 إبريل/نيسان الماضي، فإنّ تصدير النفط الإيراني لم يتوقف عن الأسواق الآسيوية طوال فترة الحظر الأميركي وتشديده خلال عام 2018. إذ ظلت إيران تبيع نفطها بأسعار رخيصة للشركات الصينية وبعض دول آسيا، وتستفيد من الثغرات المتاحة في تقنيات الرقابة. وأشار التحليل إلى أنّ شحنات النفط الإيراني للأسواق لم تتوقف حتى في عهد ترامب، وإنّما فقط تراجعت بنحو مليون برميل يومياً.
ويقول مسؤولو شركة النفط الإيرانية الوطنية إنّهم حافظوا على اتصالاتهم مع العملاء، الذين هم على استعداد لاستئناف عمليات الشراء بعقود منتظمة. وتشكل زيادة الإنتاج تعقيدات لمنظمة "أوبك" وحلفائها، بينما يعمل التحالف المكون من 23 دولة بقيادة السعودية على استعادة إنتاج النفط تدريجياً الذي خفّضه العام الماضي عندما تسبب وباء كورونا في تراجع الطلب العالمي.
تشكل زيادة الإنتاج النفطي الإيراني في حال رفع العقوبات الأميركية تعقيدات لمنظمة "أوبك" وحلفائها
والسعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم وثالث منتجي العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، وأكبر منتجي منظمة "أوبك". وبدأت المملكة اعتباراً من مايو/أيار 2020، تخفيض إنتاجها النفطي، امتثالاً لقرار تخفيض الإنتاج من جانب تحالف "أوبك+" الذي يضم دول أوبك والمنتجين الكبار من خارجها، على رأسهم روسيا، بإجمالي 9.7 ملايين برميل يومياً، ليتم بعده تخفيف التخفيض تدريجياً.
ومطلع إبريل/نيسان الماضي، اتفق التحالف على تخفيف قيود الإنتاج بمقدار 350 ألف برميل يومياً في مايو/أيار الجاري، ليستقر عند قرابة 6.65 ملايين برميل يومياً، على أن ينفذ التحالف تخفيفاً آخر لقيود تخفيض الإنتاج في يونيو/حزيران المقبل، بمقدار 350 ألف برميل يوميا أخرى، وصولاً إلى 6.3 ملايين برميل، ليتبعه تخفيف آخر بقرابة 400 ألف برميل يومياً، إلى 5.85 ملايين برميل في يوليو/تموز.
وألمح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إلى أنّ مجموعة المنتجين ستفسح المجال لإيران لزيادة الإنتاج، كما فعلت في الماضي، لكن من غير الواضح ما إذا كان الآخرون في التحالف، الذي يضمّ دولاً حريصة على إنعاش الإنتاج مثل روسيا والإمارات، سيستوعبون ذلك.
في المقابل، تشير بنوك استثمار عالمية منها "جي بي مورغان تشيس آند كو" إلى إمكانية استيعاب المعروض الزائد من النفط، في ظلّ التوزيع السريع للقاحات في الاقتصادات الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا والصين، والعديد من الدول الآسيوية الأكثر استهلاكاً للوقود.
وهناك طلب مكبوت على السفر والاستهلاك في الكثير من الأسواق يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط في النصف الثاني من العام الجاري.
وقال مايك مولر، رئيس تجارة النفط في آسيا لشركة "فيتول غروب"، أكبر تاجر نفط مستقل في العالم: "لعودة النفط من إيران مساحة، ولن يعود من خلال دفعة واحدة هائلة".