الاستثمار في السودان... حضرت التسهيلات وغاب المستثمرون

13 سبتمبر 2021
المشاريع الزراعية مكبلة بمشاكل تخصيص الأراضي وأزمة المياه (فرانس برس)
+ الخط -

حضرت الوعود والتسهيلات الحكومية وغاب المستثمرون...

هكذا بدا الوضع في السودان الذي لم يتمكن من جذب أي استثمارات أجنبية رغم مرور نحو أربعة أشهر على الإعلان عن تسهيلات وحوافز عدة لدى طرحه 18 مشروعاً كبيراً وتراخيص للتنقيب عن النفط خلال مؤتمر باريس للاستثمار الذي عقد منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، والذي كانت تعول عليه الحكومة الانتقالية لجذب أصحاب رؤوس الأموال لإنعاش اقتصاد البلد الذي يعاني صعوبات مالية خانقة وارتفاعاً في معدلات البطالة والفقر.

وأقرت الحكومة الانتقالية العديد من الإجراءات التي وصفتها بالإصلاحية، منها تحرير سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية في فبراير/ شباط الماضي وإجازة عدد من القوانين من بينها قانون تشجيع الاستثمار، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وإقرار النظامين التقليدي والإسلامي في التعاملات البنكية.

كما أسست وزارة الاستثمار مؤخرا، شركة تأمين متخصصة هدفها ضمان الاستثمارات الأجنبية، بما يعطي المستثمر ضمانة لتحويل أرباحه إلى الخارج والحماية من مخاطر المصادرة.

انفلات سعر الصرف وعدم ثبات الأسعار ومواصلة التضخم قفزاته ليتجاوز 420% مؤشرات غير جاذبة للاستثمارات الأجنبية

وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن وزير الاستثمار الهادي إبراهيم، أن وزارته تلقت خطابات من بعض السفارات وما لا يقل عن نوايا من 80 شركة تريد الاستثمار في السودان في مجالات الزراعة، البنى التحتية، السكة حديد، الاتصالات، وصناعة اللحوم.

لكن البلاد لم تستقبل أي استثمار أجنبي، وإنما بدأت بعض الاستثمارات القائمة بالفعل في الانسحاب أو عدم القيام بأي توسعات لأعمالها وفق خبراء اقتصاد تحدثوا مع "العربي الجديد" حول العديد من الأسباب التي أدت إلى مواصلة المستثمرين عزوفهم عن الاستثمار في السودان.

يقول الخبير الاقتصادي، محمد إبراهيم، إن المستثمرين لا يزالون يواجهون عقبات عدة تتعلق بمناخ العمل والقوانين المنظمة للأنشطة وعدم مرونة بعض موظفي الدولة، فضلا عن مشاكل الطاقة والبنى التحتية والاضطرابات السياسية وانفلات معدل التضخم والصعوبات التي تعترض التحويلات المالية.

لكن وزير الاستثمار كثيرا ما يتحدث عن إعداد الوزارة دليلاً لإجراءات الاستثمار، ليتم نشره محلياً وتوزيعه على سفارات الدولة في الخارج، وكذلك الشروع في عمل نافذة واحدة لإنهاء الإجراءات، بما فيها الجمارك والأراضي وما يتعلق بشؤون الاستثمار.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبدت المشاكل المتعلقة بالبيروقراطية والأراضي المخصصة للاستثمار والحصول على الطاقة اللازمة للتشغيل والفساد من أبرز القضايا التي تؤرق المستثمرين.

ويقول المحلل المالي زين العابدين الشيخ لـ"العربي الجديد" إن "العقبات كثيرة"، لافتا إلى تعرض استثمارات عربية وخليجية لصعوبات كبيرة أدت إلى توقف المشروعات منها مشروع لشركة الراجحي السعودية في منطقة "الغابة" بالولاية الشمالية، ثلاثة أشهر لأسباب تتعلق بإشكالات مع سكان المنطقة ونزاع مع الجهات المحلية حول تخصيص أرض المشروع الذي تم خلال عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

وتشير أخر الإحصاءات إلى أن السعودية تأتي في صدارة الدول المستثمرة في السودان من خلال 512 مشروعاً، تليها تركيا بـ 278 مشروعا، مصر 235 مشروعاً، الأردن 222 مشروعا، الصين 182 مشروعا، لبنان 134 مشروعا، الإمارات 115 مشروعاً، ليبيا 47 مشروعاً، الكويت 42 مشروعاً، ثم قطر بـ 28 مشروعاً، حيث يبلغ إجمالي قيمة هذه الاستثمارات نحو 67 مليار دولار يعمل بها 923 ألف شخص.

السعودية تأتي في صدارة الدول المستثمرة في السودان من خلال 512 مشروعاً، تليها تركيا بـ 278 مشروعا، مصر 235 مشروعاً، الأردن 222 مشروعا، الصين 182 مشروعا

ووفق خبراء اقتصاد فإن بعض المشروعات واجهت حملات تشكيك، ما دفع بعض المستثمرين إلى إيقاف مشروعاتهم أو سحب بعضها من السودان. كما تسببت أزمة الطاقة وضعف البنى التحتية في عرقلة الكثير من المشروعات.

ويقول الخبير الاقتصادي، إسماعيل إسحاق، لـ"العربي الجديد" إن أزمة الطاقة سواء شح الوقود أو انقطاع الكهرباء لفترات طويلة انعكست على الكثير من الأعمال، مضيفا أن ضعف البنية التحتية من طرق وجسور، زاد من كلف النقل التي يتحملها المستثمرون، فضلا عن مشاكل الشحن في الموانئ.

وعندما يرغب مستثمر في استيراد معداته ومدخلات إنتاجه أو تصدير منتجاته، فإنه يتعرض لتأخير يمتد لشهور بسبب جمود الإجراءات وبطء عمليات الشحن.

كما تقطعت سبل الاستثمار الأجنبي المباشر ما بين تنازع المركز والولايات في فرض رؤاها على المستثمر، وكانت النتيجة تعرض المستثمرين لازدواجية المعايير ودفع الرسوم مرتين ولربما الدفع لخدمة لم تقدم أصلا، ما يتطلب التنسيق بين المركز والولايات فيما يتعلق بقضايا الاستثمار وايجاد حلول واقعية لمعوقات أضحت مزمنة، وفق الخبير الاقتصادي السوداني.

كما أن هناك صعوبات تتعلق بالتحويلات المالية، وذلك على الرغم من قرار وزارة الخزانة الأميركية في مايو/ أيار الماضي، إزالة السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي رفع القيود المفروضة على المعاملات المالية معه.

وما زالت بنوك السودان تعاني العزلة رغم انتهاء الحظر الأميركي، والسياسات المالية التي اتخذتها الحكومة في سياق الموافقة على اشتراطات المؤسسات المالية الدولية بغرض إعفاء الدولة من ديونها وتقديم مساعدات لها.

وبدت العزلة التي تعانيها المصارف ليست بفعل القيود الخارجية، وإنما بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للدولة ووضع البنوك ذاتها التي يؤكد خبراء مصرفيون أنها بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة ودمج الكثير منها لتتمكن من الوفاء بمعايير السلامة المصرفية الدولية.

وانضم السودان رسمياً منذ 21 يونيو/ حزيران الماضي، إلى منظومة رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN) لتسهيل المعاملات المصرفية بين البلاد وبقية دول العالم، إلا أن الخطوة لم تفعل بصورة رسمية في المصارف المحلية، ما يجعل البنوك فعليا غير قادرة على التعامل مع النظام المصرفي الدولي.

كما أضافت وزارة التجارة الأميركية عبر قسمها المختص بإدارة التجارة الدولية على موقعها الإلكتروني، دليلاً مفصلاً عن السودان والفرص المتاحة للأعمال والتجارة والاستثمار فيه، للمرة الأولى بعد 25 عاماً من الحظر.

هناك صعوبات تتعلق بالتحويلات المالية، على الرغم من قرار وزارة الخزانة الأميركية في مايو/ أيار، إزالة السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب

وتضمن الدليل معلومات مفصلة حول ممارسة الأعمال التجارية في السودان والقطاعات الرائدة للصادرات والاستثمارات الأميركية والجمارك والأنظمة والمعايير، وبيع المنتجات والخدمات الأميركية.

ووصف اقتصاديون سودانيون ومختصون في التجارة الخارجية، لـ"العربي الجديد"، الخطوة بأنها بمثابة انفتاح في العلاقات الاقتصادية بين السودان وأميركا، لكن هذا الانفتاح لم يترجم على أرض الواقع من حيث قدوم استثمارات فعلية.

ويعد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية وارتفاع نسبة التضخم أهم مؤشرين لرجال الأعمال الأجانب عند رغبتهم في الاستثمار في دولة ما. ولكن انفلات سعر الصرف وعدم ثبات الأسعار ومواصلة التضخم مؤشرات غير جاذبة، وفق مصادر مصرفية.

كما تظهر الأرقام الرسمية أن معدلات التضخم مرت بمنحنيات تصاعدية منذ بداية العام الماضي رغم القرارات التي تصفها الحكومة بالإصلاحية.

وتبين النشرة الشهرية للجهاز المركزي للإحصاء أن معدل التضخم بلغ 422.7% خلال يوليو/ تموز الماضي، مقارنة مع 412.7% في يونيو/ حزيران.

وقال الجهاز إن التضخم المتصاعد إلى مستويات غير مسبوقة يعود إلى ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 272.5%. ولم يكن التضخم يتجاوز 33% في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكنه يسجل منذ ذلك الحين قفزات متتالية وغير مسبوقة.

يخيم التخبط على القرارات الحكومية، إذ ألغت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي نهاية أغسطس/ آب، على نحو مفاجئ إعفاءات منحتها في وقت سابق، لمدخلات الإنتاج وجميع سلع الوارد من الضرائب والرسوم الجمركية

وفي الأثناء يخيم التخبط على القرارات الحكومية، إذ ألغت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي نهاية أغسطس/ آب الماضي، على نحو مفاجئ إعفاءات منحتها في وقت سابق، لمدخلات الإنتاج وجميع سلع الوارد من الضرائب والرسوم الجمركية، حيث بدأت هيئة الجمارك في تحصيل ضريبة أرباح الأعمال والقيمة المضافة على جميع سلع الوارد بلا استثناء، في محاولة للحد من أزمة تراجع الإيرادات المالية، وهو ما اعتبر مستثمرون أنه يحملهم كلفاً إضافية إلى أعبائهم المالية.

المساهمون