قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معبر بيت حانون "إيرز" (شمال)، مساء يوم الأحد، في وجه آلاف العمال والتجار الفلسطينيين، رداً على إطلاق صواريخ من قطاع غزة، في سياسة يصفها محللون سياسيون واقتصاديون بـ"العقوبات الجماعية".
وقال منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية، غسان عليان، في بيان يوم السبت، إن حكومته قررت "إغلاق معبر إيرز، أمام العمال والتجار، في أعقاب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة". وأضاف أن "إعادة فتح المعبر الذي بين إسرائيل وغزة، أمام العمال والتجار ستتم دراستها وفقا لتقييم الأوضاع"، دون أن يدلي بتفاصيل.
ومنذ أيام تُطلق جهات فلسطينية، لم تعلن عن نفسها، قذائف صاروخية، باتجاه المستوطنات الإسرائيلية المُحاذية لقطاع غزة، في ظل الأوضاع المتوترة بالضفة الغربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس الشرقية.
أعاد القرار الإسرائيلي بإغلاق معبر بيت حانون ، إلى الواجهة، سياسة "التسهيلات الاقتصادية مقابل الهدوء"، بحسب المحللين
وأعاد القرار الإسرائيلي، إلى الواجهة، سياسة "التسهيلات الاقتصادية مقابل الهدوء"، بحسب المحللين. وتُشكل سياسة منع العمال من التنقل عبر المعبر، "انتكاسة اقتصادية لأسرهم الذين باتوا يعتمدون بشكل أساسي على هذا العمل كمصدر للدخل، خاصة في ظل اقتراب عيد الفطر".
وفي أعقاب جولة القتال الأخيرة بين قطاع غزة وإسرائيل في مايو/ أيار الماضي، منحت إسرائيل نحو 12 ألف فلسطيني من غزة، تصاريح عمل، عقب تفاهمات تمت مع حركة "حماس"، بوساطة مصرية.
واعتبر الفلسطينيون هذه التصاريح، التي يُسمح لهم من خلالها بالخروج من غزة، للعمل، إما في إسرائيل أو بالضفة الغربية، بمثابة "بارقة أمل لتحسين أوضاع حياتهم الاقتصادية".
وفي فبراير/ شباط الماضي، قال رئيس اللجنة الحكومية التي تُدير قطاع غزة، عصام الدعليس، إن حكومته "تعمل على توفير 30 ألف تصريح عمل داخل فلسطين المحتلة". ويعيش في غزة أكثر من مليوني فلسطيني يعانون أوضاعاً معيشية صعبة، جراء حصار إسرائيلي متواصل للقطاع، منذ عام 2007.
موقف "حماس"
من جهتها، عبرت حركة "حماس"، عن رفضها قرار إغلاق المعبر، معتبرة أنه "محاولة لمنع الشعب الفلسطيني من مواصلة دعمه وإسناده لسكان القدس المحتلة".
وقال المتحدث باسم الحركة، حازم قاسم، إن "قرار الاحتلال إغلاق معبر بيت حانون، يهدف إلى تشديد الحصار، وهو أحد أشكال العدوان التي لا يمكن أن نقبل بها".
وأضاف: "هذا الأمر لن ينجح وسياسة العقاب الجماعي دائماً أثبتت فشلها بحق شعبنا الفلسطيني".
ودعا المؤسسات الدولية إلى إدانة سياسة "العقاب الجماعي الإسرائيلية على قطاع غزة، والتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين". أُصيب العامل الفلسطيني أبو علي (فضل عدم الكشف عن هويته)، بخيبة أمل، جراء قرار إغلاق المعبر، الذي يأتي مع اقتراب عيد الفطر، ومتطلباته الاقتصادية الكبيرة.
ويقول الفلسطيني، الذي يعمل في قطاع الإنشاءات بإسرائيل، إنه حصل على فرصة العمل هذه منذ نحو 4 أشهر.
ويجني أبو علي، من عمله في إسرائيل، دخلاً أسبوعياً يصل إلى ألفي شيكل (نحو 625 دولارا)، إذ يعتبر دخلاً مرتفعاً مقارنة بمتوسط الأجور التي كان يتقاضاها بغزة والتي كانت تصل إلى 60 دولاراً أسبوعياً.
ويوضح أبو علي، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أشخاص، أن ظروف حياته شهدت تحسنًا، في ظل عمله داخل إسرائيل، معبراً عن تخوفه من استمرار إغلاق المعبر.
عقوبة جماعية
بدوره، يقول المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة، المحاضر في جامعة "الأزهر" بغزة، إن "إغلاق المعبر يأتي لتعميق الأزمات الاقتصادية في القطاع، والضغط على الجانب الفلسطيني لمزيد من التضييق، ودفعهم لتقديم تنازلات".
وأضاف: "هذه السياسة تندرج ضمن العقوبة الجماعية، التي تتنافى مع القوانين الدولية". وأوضح أن "عملية الإنتاج بغزة وحركة السوق كانتا تعتمدان على رواتب موظفي حكومتي غزة والضفة، والقطاع الخاص، والمؤسسات الدولية، قبل حصول العمال على تصاريح العمل".
واستكمل قائلاً: "نحو 12 ألف عامل ساهموا في تحريك عجلة الإنتاج"، لافتاً إلى أن إيقاف ضخ تلك المبالغ في السوق المحلي سيؤدي إلى "حالة ركود".
وذكر أن حصول "12 ألف عامل على تصريح عمل في إسرائيل، يعني تحسين أوضاع 12 ألف عائلة فلسطينية، بواقع 72 ألف فرد (باحتساب متوسط عدد أفراد الأسرة بنحو 6 أفراد)".
بحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (جهاز حكومي)، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 50%
وأشار إلى أن تصاريح العمل هذه شكلت أملاً كبيراً بالنسبة للفلسطينيين، الذين تقدموا بالآلاف للحصول على فرص عمل، تُحسن من حياتهم، في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المفروض لأكثر من 15 عاماً على التوالي.
وبحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (جهاز حكومي)، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 50 بالمائة.
سياسة قديمة حديثة
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، أن إسرائيل تعود لسياسة قديمة حديثة، انتهجتها منذ سنوات طويلة، تقوم على "تعزيز وتعميق حالة الإغلاق الاقتصادي".
وقال إبراهيم، إن "إسرائيل هددت قبل أيام، بتقليص التسهيلات الاقتصادية المقدمة لغزة، في حال استمر إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه المستوطنات".
وفي 19 إبريل/ نيسان الجاري، كان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، قد هدد بأن تتراجع إسرائيل عن التسهيلات الاقتصادية التي قدمتها للقطاع، في حال "تهديد الاستقرار والهدوء".
وعدّ إبراهيم هذه السياسة جزءاً من "الضغط على حركة حماس، التي تدير قطاع غزة، وتسعى لتغيير الواقع الاقتصادي الذي يعيشه السكان".
وواصل قائلاً: "الضغط يأتي لإعادة حالة الهدوء إلى غزة، حيث وظفت إسرائيل الورقة الاقتصادية لمنع إطلاق الصواريخ بدلاً من القيام بردود عسكرية من الممكن أن تتطور لجولة تصعيد، في ظل عدم رغبة الطرفين في الدخول فيها".
ووفق المحلل السياسي الفلسطيني، فإن هذا الإغلاق من شأنه أن "يؤثر على الأوضاع الاقتصادية للسكان، إذ يضخ هؤلاء العمال، مبالغ في القطاع، تساهم في التخفيف من التدهور الحاصل".
(الأناضول)