الاتحاد الدولي على اللاجئين السوريين

17 يوليو 2024
العالم يقسو على اللاجئين السوريين - 25 يناير 2024 (Getty)
+ الخط -

جلّ ما خشيّه السوريون أن تلصق محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بلاجئ سوري، بعد أن أدمن العالم، نسب المشاكل إلى اللاجئين السوريين ورأت الدول الحاضنة لهم أن الطريقة المثلى للهروب من التزاماتها أمام شعوبها، خدمية كانت أو اقتصادية، أو حتى أمنية وسياسية، بتحميلها لاستضافة السوريين، الذين، باتفاق تلك الدول، كانوا سبباً في ارتفاع نسب البطالة والتضخم والفقر، وأصل تردي الواقع الأمني والخدمي وتراجع نمو الناتج الإجمالي.

ويبدو اليوم أن دور الأردن طفا على السطح، فبعد تصريحات رئيس دبلوماسية المملكة الهاشمية، أيمن الصفدي، خلال لقائه في بروكسل نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل  التي قال فيها إن "حل مشكلة اللاجئين السوريين هي بالعودة الطوعية إلى بلادهم ولن نقبل باستمرار الوضع القائم. وقدمنا كل ما بوسعنا لتوفير حياة كريمة للاجئين السوريين في الأردن"، حذرت أمس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من ارتفاع نسبة الفقر بين اللاجئين السوريين بالأردن، من 57% إلى 67% على مدى العامين الماضيين، اللذين اتسما أيضاً بتحديات اقتصادية متزايدة بالنسبة للأردنيين الأكثر ضعفاً. وتجددت الدعوات لضرورة عودتهم إلى بلادهم.

وتنتقل عدوى تحميل السوريين أسباب بلاوي دول الجوار بالتتالي، وإن كان السبق، ربما للبنان، الذي يتصدر فيه، ومنذ سنوات، ملف ترحيل اللاجئين السوريين، أي مشهد سياسي أو اقتصادي، بعد التوافق، رسمياً وسياسياً واجتماعياً، على أن مليوني سوري بلبنان، أكبر أسباب أزمته الاقتصادية وتراجع مستوى الخدمات والمياه والطاقة، بل والأزمات المستمرة مع المجتمع الدولي حول تمويل أزمته المالية. وحتى مصر، التي كانت قبلة السوريين ورئة تنفسهم، بزمن النكران ورفع جدران الحدود، بدت شماعة السوريين صالحة لتعليق أسباب البطالة وزيادة المديونية وتراجع سعر الجنيه وانقطاع الكهرباء، وبدأت ملامح التضييق الرسمية، بعد الفشل الحكومي بتحريض الشعب الطيب على الشعب المسكين، فرأينا رفع رسوم دخول السوريين وطلب موافقة أمنية للداخل أول مرة تكلفتها بين 1000 و1500 دولار، مع تنامي الشائعات حول الإقامة وإعاقة استصدارها أو تجديدها.

بيد أن الفضل ربما يعود لتركيا، بعد أن استمرأت الأحزاب، وخلال كل استحقاق انتخابي، أن ترفع ورقة اللاجئين السوريين وتحملهم سبب تراجع مستوى المعيشة وارتفاع البطالة، بل وسوء علاقات تركيا الدولية، فرأينا تنامي العنصرية قبل التهافت على لقاء بشار الأسد، الذي يتعدى طموح الحزب الحاكم ليطاول قيادات حزب الشعب الجمهوري المعارض، بل وحتى الأحزاب الإسلامية التي رأت بالسوريين مهاجرين، على الأنصار استقبالهم وحمايتهم ورعايتهم. والحال لم يتوقف عند الأشقاء ودول الجوار، لطالما ذريعة اللاجئين السوريين فضفاضة ويمكن إدخال التلوّث البيئي والانحباس الحراري ضمن مسبباتها، فرأينا مؤتمراً لثماني دول أوروبية، تجتمع في قبرص قبل شهرين، لبحث عودة اللاجئين السوريين وضرورة إعلان "مناطق آمنة " ضمن سورية، تستوعب اللاجئين بأوروبا، بعد أن زادت مآسي القارة العجوز وضاقت ذرعاً بالسوريين.

قصارى القول أمران: الأول، أن الحق كل الحق مع تلك الدول، خاصة الفقيرة منها، إذ لا ذنب للبنان أو مصر على سبيل المثال، لتتحمل عبء ملايين السوريين إلى الأبد، بعد التوافق الدولي على منع حل القضية السورية وإبقاء حالة اللاحل وبات اقتسام النفوذ على الأرض هو السائد. فأن يؤوي لبنان أكثر من نصف عدد سكانه ومنذ 12 سنة، فهذا مرهق بالفعل، اقتصادياً وخدمياً وحتى سياسياً. وأن تفتح مصر حدودها، لنحو تسعة ملايين لاجئ، يأتي السوريون ربما بالمرتبة الثانية بعد السودانيين منهم، فهذا أيضاً أمر متعب، يزيد من معاناة المصريين ويبدد الموارد العامة في غير الأقنية المحددة بالموازنة والخطط.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

كما أن وجود 3.2 ملايين سوري بتركيا، منذ نحو 13 سنة، أمر مقلق، حتى على صعيد التركيبة المجتمعية بعد ضخ سموم العنصرية ومزاعم التغيير الديموغرافي وبدء تشكل ولايات سورية جنوبي تركيا. ولكن، الأمر الثاني يأتي من التضخيم والمبالغة بطرح أرقام السوريين وعقابيل لجوئهم، فمصر تقول عن 5 مليون لاجئ سوري ولبنان تزيد عن أعداد المنظمات الدولية بنحو نصف مليون سوري، وتركيا تخلط بين حملة الحماية المؤقتة والإقامات وحتى حملة الجنسية، فلذلك غايات يعقوبية يريدها الساسة من تضخم آثار اللاجئين السوريين. هذا إن لم نشر لأمر مهم ومسكوت عنه، وهو أن دول جوار سورية جميعها، لا تقدم للسوريين أية مبالغ أو مساعدات، عدا التي تصل عبر الأمم المتحدة والدول المانحة، بل بعض تلك الدول، إن لم نقل جميعها، تتاجر بالسوريين وتستخدمهم ورقة ضغط، لتمرير مكاسب مالية وحتى سياسية تفاوضية. بل وتتعامى تلك الدول حتى عن الإشارة لدور السوريين في أسواقها ونموها ونهضة عمرانها، فالسوريون ليسوا متسولين بتلك الدول، بل تبوؤوا، على مدى أعوام، المركز الأول بين المستثمرين الأجانب بتركيا، وغيروا النمط الإنتاجي والاستهلاكي بمصر، ويقومون بأعمال يترفع عنها اللبنانيون، وبأجور زهيدة.

نهاية القول: أكيد لا ذنب لدول الجوار ولا للشعوب الصديقة والشقيقة، بتحمل وزر تمادي السوريين على قيادتهم الرشيدة وطلبهم الحرية والكرامة والعيش الآدمي. وأكيد أيضاً أن من حق دول الجوار البحث عن سبل رفاهية شعوبها، لا تحمل أعباء السوريين الإضافية، كما من حق الأوروبيين و دول القارات السبع التي وصلها اللاجئون السوريون تخفيف أية حمولة تؤثر على خطط نمو وتنمية بلادها وشعوبها.

ولكن، حل المشكلة يكون من أسبابها والمسبب لها، وليس الغرق بنتائجها وتفاصيلها، كما توعّد وزير خارجية الأسد الأسبق العالم، فأن تتحفنا يومياً المفوضية السامية أو الدول والهيئات الأقل سمواً، بمخاطر الهجرة وأثر اللاجئين على الدول المضيفة، وتطعّم التحذير بغلفنة إنسانية بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين لعام 2024 يدلل على  أن اثنتين من كل ثلاث أسر لاجئة تُصنّف بأنها فقيرة، فهذا تخدير وهروب من حل المشكلة، إن لم نقل اتحاداً دولياً على إجهاض حلم السوريين و تخاذلاً يتناسب مع "عفا الله عمّا مضى" وإعادة تسويق نظام الأسد، ليكون في السوريين درساً وعبرة، لكل الشعوب التي تتطلع يوماً للحرية والكرامة وتداول السلطة.

المساهمون