كشفت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" أن دولة الإمارات أرسلت إلى نظام بشار الأسد في سورية كميات كبيرة من الدولارات، وأن هذا ما يقف وراء تحسن سعر العملة السورية، في ظل استمرار تراجع جميع عوامل قوة واستقرار الليرة وتدهور مختلف مصادر النقد الأجنبي. وواصلت الليرة السورية مشوار تحسنها مقابل العملة الأميركية، لتربح نحو 400 ليرة خلال عشرين يوماً الأخيرة، مسجلة حالياً نحو 2600 ليرة للدولار، بعد أن وصلت خلال عام 2000 إلى حدود 3000 ليرة مقابل الورقة الخضراء مرتين، الأولى في يونيو/ حزيران والثانية منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأكد مسؤول سوري سابق رفيع المستوى من العاصمة دمشق لـ"العربي الجديد" أن "الإمارات هي من ترسل أموالاً لنظام بشار الأسد" ولكن ليس بالطرق المكشوفة التي تتداولها بعض الوسائل الإعلامية، مبيناً أن جزءاً كبيراً من أموال واستثمارات نظام بشار الأسد موجودة في الإمارات، كما أن "أخت رئيس النظام، بشرى الأسد، ونتيجة وجودها وعلاقاتها بالإمارات، تزيد تدفق الأموال إلى سورية".
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن حكومة أبوظبي حسمت موقفها من خلاف بشار الأسد وزوجته أسماء مع رامي مخلوف، ووقفت إلى جانب الأسد رغم استثمارات مخلوف في الإمارات وإقامة ابنه وعلاقاته السابقة، لكن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، يراهن على الأسد حتى الآن، ريثما يتم إنهاء ملف خلافات المنطقة بشكل كامل". وحول أسباب دعم نظام الإمارات للأسد مالياً، رغم عدم وضوح المستقبل وربما خسارة تلك الأموال من قبل أبوظبي نهائياً، قال المسؤول: هناك أسباب عديدة تدفع الإمارات لتمد النظام السوري بكل طرق البقاء وعدم الانهيار، ومنها خلافها مع تركيا بالدرجة الأولى، مشيراً إلى تلكؤ أبوظبي عن دعم الأسد في فترات سابقة وخلال صدور قانون "قيصر" الأميركي في 17 يونيو/ حزيران الماضي، لكنها عادت اليوم وبشكل أكبر وأكثر علانية لتدعمه، وكأن الإشارة جاءتها لمتابعة الدعم لإبقاء الحالة السورية في وضع متأرجح بعيداً عن أي حل حالياً حتى حلول موعد الانتخابات الرئاسية منتصف العالم المقبل".
وكانت تقارير إعلامية تداولتها العديد من المواقع المعروفة، ومنها "الخليج أونلاين"، قد نشرت أخيراً ما سمته تفاصيل شحنة من الدولارات أرسلت من الإمارات إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد عبر قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان وذلك في إطار صفقة سرية بين البلدين. وقالت تلك التقارير إن طائرة سورية وصلت إلى مطار المزّة العسكري في العاصمة دمشق قادمة من الإمارات وعلى متنها شحنة كبيرة من الدولارات، موضحة أن الطائرة من نوع "توبليف"، وهي تابعة للشركة السورية للطيران، وأن العملة الصعبة أرسلتها شقيقة بشار الأسد المقيمة في دبي، لدعم محاولات وقف نزيف الليرة أمام الدولار، بالتنسيق مع السلطات في أبوظبي.
وتشير التقارير إلى أن خلفان هو الذي أشرف على نقل الأموال التي أرسلتها بشرى الأسد، والتي تسلمها حاكم مصرف سورية المركزي، حازم قرفول، لتظهر لاحقاً التدخلات المباشرة بالسوق، ما أدى إلى تراجع سعر الصرف إلى نحو 2600 ليرة للدولار بعد أن بلغ الشهر الماضي نحو 3000 ليرة. وفي هذا السياق، يتساءل الأكاديمي الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، عن سر هذا التعافي غير المبرر اقتصادياً للعملة المحلية، ما دام الميزان التجاري خاسراً والدولارات التي تخرج من سورية، لاستيراد المشتقات النفطية والقمح والمنتجات الغذائية، أكثر بكثير مما تحصله سورية جراء تصدير بعض الخضر والفواكه والألبسة.
ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد": لا نرى أي مستجد اقتصادي أو حتى سياسي ـ نفسي يدفع الليرة السورية لتحقيق كل هذه المكاسب، بواقع شبه إعلان نظام الأسد عن إفلاسه وإلزام القطاع الخاص باستيراد القمح والنفط، بل ومقايضة المنتجات السورية ببعض احتياجات السوق مع دول أخرى، بالإضافة إلى استنزاف الاحتياطي الدولاري بالمصرف المركزي خلال سنوات الحرب، من 18 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 600 مليون حاليا، أو حتى السياحة المشلولة بالمطلق. وتساءل: من أين تأتي الدولارات للتدخل المباشر بالسوق كما نلاحظ أخيراً؟
ويرجّح الاقتصادي السوري أن تكون الإمارات مستمرة بتمويل نظام الأسد بشكل مباشر، سواء عبر إرسال أموال أو حتى تسهيل التبادل التجاري وتصويب العلاقات مع السعودية، والتي انعكست على زيادة الصادرات السورية للمملكة أو حتى باجتماع ضم مسؤولين من الدولتين إضافة إلى مصر أخيراً، لإعادة تسويق وإنتاج النظام السوري. ويختم الجاسم حديثه بأن تمويل الإمارات وغيرها هو بمثابة مسكنات وليس حلاً لتهاوي الليرة أو تدهور الاقتصاد السوري.
في المقابل، كشفت مصادر من العاصمة السورية لـ"العربي الجديد" عن توفر الدولار بالسوق السورية منذ عشرين يوماً، ولكن حركة التداول والتصريف محدودة جداً بسبب مرسوم تجريم التعامل بغير الليرة السورية وتفاوت السعر الرسمي عن سعر السوق. وتبين المصادر الخاصة أن تمويل بعض السلع التجارية عاد اليوم، بعد توقف المصرف المركزي عن دعم التجار، وقام المصرف المركزي بتمويل مستوردين بسعر الدولار الرسمي (1250 ليرة) لاستيراد الأدوية وبعض المنتجات الغذائية، وهو ما يدل على توفر دولار لدى الدولة.
ولكن لم تزل أسعار السلع مرتفعة ولم تتأثر بتحسن سعر الصرف الذي وصفته المصادر "بالوهمي"، كاشفة عن نفاد سلع من السوق، في مقدمتها المازوت، وشح معروض الخبز والمنتجات الغذائية والمشتقات النفطية. ويرى أستاذ المالية فراس شعبو أن النظام يستثمر كثيراً بهذه "الشائعات" ليتلاعب بالسوق ويحقق عبر أطراف تعمل لخدمته أرباحاً طائلة، إذ بعد مراسيم تجريم التعامل بالعملات الأجنبية والمضاربة لا يمكن لأحد خارج دائرة النظام، الدخول والمضاربة بالأسواق.
ويؤكد شعبو لـ"العربي الجديد" أن دولاً خليجية مستمرة بدعم نظام الأسد، سواء بشكل مباشر أو عبر استثمارات وطرق غير مباشرة، لكن تحسن الليرة أخيراً كان لافتاً، إذ لم نشهد هذا التعافي خلال ما قيل عن استثمارات روسية وصينية وإيرانية.
ويلفت شعبو إلى أن السوريين يدفعون الثمن مضاعفاً، فحينما يتهاوى سعر الليرة ترتفع الأسعار، لكنها لا تهبط حينما يتحسن سعر الصرف، معتبراً مشكلة الاقتصاد السوري باتت بنيوية وعميقة ولا يمكن حلها بدعم مالي إماراتي، وإن سكنت المرض وأنعشت الليرة لبعض الوقت. ويذكر أن سعر صرف الليرة السورية لم يزد عن 50 ليرة مقابل الدولار مطلع عام 2011.