لا يستطيع الشاب مهند الشرفا (26 عاماً) افتتاح محله الصغير الخاص ببيع الإكسسوارات والهدايا قبل حلول الساعة التاسعة صباحاً موعد انتهاء حظر التجول في قطاع غزة الساحلي المحاصر والموبوء بفيروس كورونا.
وعلى مهند أن يوقف استقبال الزبائن قبل حلول الساعة الخامسة عصرا، وهو موعد إغلاق المحلات المحدد من قبل وزارة الداخلية والأمن الوطني في القطاع، في ظل محاولات تحجيم الانتشار المتسارع للفيروس بين الفلسطينيين.
وفرضت الجهات الحكومية في قطاع غزة مؤخراً سلسلة من القرارات بهدف منع تفشي فيروس كورونا في القطاع أبرزها إغلاق المحال التجارية الساعة الخامسة مع استمرار حظر التجول للمواطنين بحلول الساعة الثامنة حتى الثامنة صباحاً لمنع تفشي الفيروس.
ويستشعر الشرفا حالة من التقييد وهو لا يستقبل في محله سوى عدد محدود من الزبائن على مدار ساعات العمل، متقيداً بموعد الإغلاق المحدد، عدا عن منع الجهات الحكومية في غزة للمحلات وخاصة في الأسواق بإخراج بضائعهم خارج المحل كما كان عليه الحال قبل جائحة كورونا، مما أثر في تراجع المبيعات بشكلٍ عام.
وتضرر آلاف الباعة من أصحاب المحلات الصغيرة بسبب الإجراءات والقيود التي تلت الجائحة من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع بشكل كبير من جهة أخرى بسبب الحصار والقيود الإسرائيلية أيضاً.
يقول الشرفا لـ"العربي الجديد" إنّه كان قبل وصول جائحة كورونا إلى القطاع يبيع أضعاف ما يبيعه في هذه الأيام، وأصبح معرضاً للملاحقة من التجار بسبب الديون المتراكمة عليه من جراء تراكم البضائع وعدم بيعها.
ويشكو من سوء الحركة الشرائية في الأسواق في قطاع غزة بشكل عام، عدا عن خشيته من تلف البضاعة لديه بسبب انتهاء موسمها، مبيناً أنّه أصبح يشعر بقلق من عدم توفير لقمة عيش أطفاله وزوجته خلال المرحلة القادمة إذا ما استمرت القيود المفروضة بسبب الوباء، والحصار أيضاً.
وحسب تقارير حقوقية فإنّ نسبة انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة بلغت 70 بالمائة في حين وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع إلى 33 بالمائة، وتؤكّد الإحصائيات الرسمية أنّ أكثر من 100 ألف أسرة من سكان القطاع يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية كمصدر للغذاء.
وتعرضت مئات المحال التجارية في غزة للإغلاق والغرامة بسبب عدم التزاماها بإجراءات السلامة والوقاية من فيروس كورونا، عدا عن تأثر حركة البيع بسبب القلق العام في القطاع من انتشار الفيروس مع تصاعد حجم الإصابات والوفيات بشكل غير مسبوق في القطاع.
وقدّرت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة الخسائر الاقتصادية بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا، بأكثر من مليار دولار، الأمر الذي يفاقم الصعوبات المعيشية الناجمة عن الحصار الإسرائيلي الخانق، الذي قدرت الأمم المتحدة خسائره بنحو 17 مليار دولار منذ بدئه وحتى الآن.
وقال رئيس جمعية رجال الأعمال، علي الحايك، إن خسائر كورونا تشمل قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة والنقل والمواصلات، والتعليم والصحة، والتشغيل والعمل.
ومع حلول الساعة التاسعة يبدأ بائع محل الملابس تامر بدران (35 عاماً) بفتح أبواب معرضه وسط شارع عمر المختار وسط المدينة المحاصرة، ليستقبل زبائنه.
يقول بدران لـ"العربي الجديد" إنّه تعرض في أكثر من مرة للمخالفة بسبب تزاحم الزبائن الذين لا يزيد عددهم عن 10 بالأصل ولكن ضيق محله يجعله عرضة للملاحقة. وتُعرف المحال التجارية خاصة في البلدة القديمة بضيق مساحاتها والتي لا يتجاوز الكثير منها نسبة 15 متراً مربعاً، مما يجعل من المحل الواحد مزدحماً إذا ما اجتمع فيه ثلاثة أو أربعة زبائن، إضافة إلى البضائع المصففة على أرفف وجوانب المحل.
ويشير بدران إلى أنّ نسبة المبيعات انخفضت بسبب الحظر على عمل المحلات بعد الساعة الخامسة مساء، مبيناً أنّه كان يغلق محله قبل الساعة العاشرة قبل حلول جائحة كورونا. ومع الضغط الذي يتعرض له أصحاب المحلات من التقيد بعدد الزبائن، والإغلاق المبكر لجأ الكثير منهم إلى اعتماد أساليب التسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ومؤخراً، سمحت الجهات الحكومية لأصحاب المطاعم بإمكانية العمل حتى الساعة الثامنة ولكن عبر الطلبات الخارجية ونظام الديلفري، بعد محادثات أجرتها هيئة الفنادق والمطاعم مع أصحاب الاختصاص في غزة.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي، عمر شعبان، أنّ الضائقة المالية والاقتصادية تجبر الناس على الخروج من منازلها للبحث عن مصدر رزقها. ويعتقد شعبان في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ إغلاق الأسواق لم ينجح في تحجيم انتشار الفيروس، مبيناً أنّ الدليل القطعي على عدم فاعليتها هو الزيادة المضطردة في عدد الإصابات المعلن عنها رسمياً.
ويوضح شعبان أنّ فكرة الإغلاق الشامل (التي يجرى الحديث عنها في الأيام الأخيرة) يمكن أن تضاعف الأزمة الاقتصادية، وستترك آلاف الأسر دون أي دخل مع عدم وجود برامج للمساعدة، مبيناً أنّ البديل الأكثر منطقية هو تطبيق إجراءات السلامة بشكل كامل ومنع التجمعات وإلزام الناس بلبس الكمامة واستخدام المطهرات والتوعية الكثيفة حول كيفية تجنب الإصابة.
ووفق الخبير الاقتصادي، فإنّ إجبار الناس على المكوث في منازل صغيرة ومزدحمة بساكنيها واستحالة التباعد داخلها مع فقر الظروف الصحية هو وصفة سحرية لنشر المرض.