يضرب الشعب الأردني أروع الأمثلة على مقاومة كل أشكال التطبيع الاقتصادي والتجاري مع دولة الاحتلال رغم إبرام حكومة المملكة اتفاق سلام منذ أكثر من ربع قرن عرف بمعاهدة وادي عربة.
في بداية هذا الأسبوع تحرك البرلمان الأردني لإلغاء الاتفاقية التي وقعتها الحكومة في شهر فبراير/شباط 2018 وتقضي باستيراد غاز إسرائيلي بقيمة 10 مليارات دولار ولمدة 15 سنة، وهي قريبة من بنود الاتفاقية التي أبرمتها مصر مع دولة الاحتلال وفي نفس العام.
والملفت أن التحرك قاده رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة الذي تعهد بالعمل على إعداد قانون لإلغاء الاتفاقية، وانضم للحملة أكثر من 60 نائباً في البرلمان.
هذا التطور لا يعد جديداً على الساحة الأردنية فعقب إبرام الاتفاقية تشكلت الحملة الوطنيّة الأردنية لإسقاط اتفاقيّة استيراد الغاز مع الكيان الصهيوني التي تبنت شعار (غاز العدو احتلال)، وضمت الحملة أحزابا سياسية، ونقابات وحراكات شعبيّة، وعقدت فعاليات جماهيرية للتوعية بمخاطر الصفقة على الاقتصاد الأردني وخطورة ربط اقتصاد المملكة بالاقتصاد الإسرائيلي، كما ضغطت الحملة على الحكومة لإلغاء الاتفاقية، بل ووجهت إنذارات قضائية لرئيس الوزراء عمر الرزاز، وأعضاء الحكومة، لعدم الاستجابة لضغط الشارع وإلغاء الاتفاقية.
وخلال الشهر الجاري تحركت حملة (غاز العدو احتلال) بشكل سريع للضغط على الحكومة لإلغاء اتفاقية استيراد الغاز المنهوب من مياه إقليمية عربية، كما أصدرت بيانا يوم 4 ديسمبر الجاري قالت فيه:" على أصحاب القرار إلغاء اتفاقيّة الغاز العبثيّة مع الصهاينة فورًا ودون تأخير، وعلى مجلس النوّاب القيام بواجبه التشريعي والرّقابي بمنع استيراد الغاز من الصهاينة، وإسقاط هذه الحكومة في حال استمرّت بمشروع إحكام حبل الابتزاز الصهيوني حول عنق كل مواطن أردني، وتبديد أموال دافعي الضرائب الأردنيين على دعم الإرهاب الصهيوني. ولا ننسى (ولن ننسى)، علينا محاسبة ومحاكمة كلّ مسؤول مجرم ساهم في توريطنا بهذه الكارثة السياسية والاقتصاديّة والأمنيّة والأخلاقيّة، كائنًا من كان، وفي أي مستوى من مستويات القرار".
كما ستعقد الحملة، اليوم الثلاثاء، 17 ديسمبر "ملتقى النداء الأخير لإسقاط اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني" والتباحث في آليّات العمل العاجل من أجل إسقاط اتفاقيّة الغاز، خصوصًا ونحن الآن على مفترق طرق خطير وعاجل، إذ سيبدأ ضخّ الغاز المسروق أوائل عام 2020، أي بعد أقل من أسبوعين من الآن، سيقع بعدها الأردن، بكلّ سكانه وقطاعاته وجغرافيته، رهينة للابتزاز الصهيوني، ويبدأ تمويل الإرهاب الصهيوني بأموال دافعي الضرائب الأردنيين غصبًا عنهم، جراء صفقة غاز عبثيّة لا حاجة لها ولا معنى لها سوى استجلاب الكارثة، وتبديد المزيد من أموالنا، ودعم الإرهاب الصهيوني والارتهان له"، وذلك حسب البيان الصادر عن لجنة (غاز العدو احتلال) أول من أمس الأحد.
مبررات الأردنيين لرفض اتفاقيّة استيراد الغاز المنهوب من قبل إسرائيل كثيرة منها ما هو سياسي وأخلاقي، إذ يرفض رجل الشارع كل أنواع التطبيع مع كيان لا يزال يحتل أراضي عربية.
كما أن الغاز الذي ستستورده الأردن لمدة 15 سنة هو في الأصل غاز منهوب من قبل سلطات الاحتلال وتابع لدول عربية، فآبار الغاز التي يتم استخراج الغاز منها تقع في منطقة شرق البحر المتوسط وداخل المياه الإقليمية لمصر ولبنان وفلسطين، إضافة إلى أن الحكومة زودت الرأي العام بمعلومات وبيانات مضللة وغير صحيحة حول الاتفاقية، كما قال نائب البرلمان ونقيب المحامين السابق صالح العرموطي.
وهناك أسباب اقتصادية ومالية لرفض صفقة الغاز المنهوب، فهناك بدائل عربية وأجنبية أفضل وأرخص من هذا الغاز الذي سطت عليه دولة الاحتلال في غفلة من الحكومات العربية أو بتواطئ منها، من بين البدائل الغاز الجزائري والمصري والعراقي، فقد عرضت الجزائر على الأردن تزويده بكامل احتياجاته من الغاز بأسعار تفضيلية، وهو ما يوفر أموالا طائلة للخزانة العامة الخاوية، ويساهم في تخفيض فاتورة الطاقة المرتفعة، لكن الحكومة الأردنية رفضت العرض لأسباب غير معلومة أو مفهومة.
وهنا يثار السؤال: ما سبب إصرار هذه الحكومة على إتمام صفقة الغاز مع دولة الاحتلال، رغم تلقي عروض بأسعار أقل، ولماذا تصر الحكومة المصرية على السير في صفقة مماثلة رغم اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي، بل وتصدير الفائض إلى الخارج؟
المعركة لا تزال مستمرة ولم تحسم بعد، فالشارع الأردني يرفض الصفقة وكل أشكال التطبيع، والحكومة تصر على الصفقة لأسباب غير مبررة، محتمية بقرار المحكمة الدستورية الصادر قبل شهور ويقضي بعدم وجوب عرض اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل على مجلس النواب.
وكما استرد الأردن منطقتي الغمر والباقورة من دولة الاحتلال قبل أيام وفرض السيادة الكاملة عليهما، يستطيع الشعب الأردني اجبار حكومته على الغاء اتفاقية استيراد الغاز من دولة إسرائيل واسقاط الصفقة المريبة.