اقتصاد الظل يتوارى في الخليج... تعزيز الشفافية والرقمنة

23 يونيو 2023
الاقتصاد الرسمي يسيطر على مختلف القطاعات الخليجية (الأناضول)
+ الخط -

تقود دول مجلس التعاون الخليجي زمام مبادرة لتقليص حجم "اقتصاد الظل"، أو الاقتصاد غير الرسمي في المنطقة العربية، من خلال تنفيذ سياسات وتدابير تحفز الشركات العاملة في اقتصاد الظل على تقديم مساهمات ملموسة في الاقتصادات الرسمية.
وتستهدف الحكومات الخليجية الحد من حجم اقتصادات الظل، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من المساهمة في دعم الاقتصاد من خلال تعزيز شمولها ودمجها اقتصادياً ومالياً في الاقتصادات المحلية، حسبما أورد تقرير أصدرته مؤسسة "آرثر دي ليتل" للاستشارات الإدارية.
وتشمل تلك التدابير تحسين إنفاذ الضرائب، ودعم المشاريع الصغيرة، وتسريع وتيرة الرقمنة، وتعزيز معايير الشفافية والشمول المالي، من خلال توفير الخدمات المالية، وزيادة فرص الحصول على الخدمات الائتمانية، بحسب التقرير.
ورغم ذلك تأتي تأشيرات العمل أو نقل الكفالات في مقدمة القطاعات التي وجدت طريقا إلى اقتصاد الظل حيث تقوم شركات وأفراد باستقطاب العمالة بشكل مخالف بمقابل مادي عبر عقود عمل في شركات وهمية، إلا أن التحركات الحكومية حدت من هذه الظاهرة.
وأكد تقرير حديث أصدرته مؤسسة "آرثر دي ليتل" للاستشارات الإدارية، أن الأعمال والأنشطة غير الرسمية تمثل 18% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، مشيرة إلى أن نشاط اقتصادات الظل يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، و17% في البحرين، و22% في الكويت، و24% في كل من الإمارات وعُمان.

نطاق ضيق
يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن النموذج الاقتصادي في دول الخليج لا يوفر فرصة كبيرة لوجود اقتصاد غير رسمي، فالعمالة التي تصل إلى تلك الدول منظمة في الغالب، وبناء على الاحتياجات الخاصة بكل دولة، وكثيرا ما تكون عمالة وافدة.

ويضيف عايش أن معدلات البطالة في بعض الدول الخليجية مرتفعة، لكن الإيرادات النفطية ساهمت بخلق مشروعات عملاقة، خصوصا في آخر سنتين، ما خفض من نسب البطالة في السعودية مثلا من 12% إلى 8%، وهي نسبة قريبة من مستوى الـ 7% التي تستهدفه رؤية 2030، وبالتالي فإن معظم المواطنين في دول الخليج يتمتعون بمستوى عال من معدلات الدخل، ما يحد من إمكانية انخراطهم في اقتصاد مواز.
ومع ذلك، يلفت عايش إلى أن المعطيات السابقة لا تمنع وجود أشكال مختلفة من الاقتصاد غير الرسمي في الخليج بشكل كامل، إذ إن "الكفالات" تشكل نوعا من الاقتصاد الموازي، كما أن بعض العمالة الوافدة تستثمر الوقت المتاح لها بعد انتهاء أعمالها الرسمية في أنواع مختلفة من أنشطة الاقتصاد الموازي أحيانا.
وعن حجم الاقتصاد غير الرسمي بدول الخليج، يشير عايش إلى أنه متغير من بلد لآخر، ففي دولة مثل الإمارات يشكل نسبة تتراوح بين 1 و2% من الاقتصاد الرسمي، وهي نسبة ضمن الأقل في العالم، وغالبا ما تكون محصورة بين أفراد العمالة الوافدة فيها.
وهذا الحجم والنطاق للاقتصاد غير الرسمي يدلل على كفاءة الاقتصاد الرسمي في استيعابه للقوى العاملة، وفي أنظمته الضريبية، التي لا تحفز الأفراد على الاتجاه لاقتصاد غير رسمي في الغالب، حسبما يرى عايش، مشيرا إلى أن كثير من دول أوروبا لا تحظى بهذه الميزة، إذ تصل نسبة الاقتصاد غير الرسمي في بعضها إلى 30% من اقتصاداتها.

فالعملية الاقتصادية في دول الخليج تدار وفق معطيات تقلل من الحاجة لنشاط غير رسمي غالبا، وبالتالي لا يوجد هناك دوافع حقيقية لدى كثيرين من المقيمين في تلك الدول نحو الاقتصاد غير الرسمي، لما له من مخاطر كبيرة، على رأسها إمكانية إبعادهم وإنهاء إقامتهم، وفرض غرامات كبيرة عليهم، إضافة إلى منعهم من الوصول إلى الدول الخليجية الأخرى، بحسب عايش.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن أنظمة بعض الدول الخليجية، مثل السعودية، تساعد أيضا على مكافحة النطاق الضيق للاقتصاد غير الرسمي، إذ أطلقت الجهات الرسمية في المملكة عدة أنظمة وقوانين لـ "التبليغ" عن أي أنشطة غير رسمية من قبل أي جهة أو فرد أو مؤسسة أو شركة، وبالتالي أصبح احتمال تعرض المنخرطين في اقتصاد مواز لعقوبات صارمة أكثر احتمالا.

وينوه عايش، في هذا الصدد، إلى أن مخاطر الاقتصاد غير الرسمي ظهرت بشكل جلي خلال جائحة كورونا، فكثير من الدول في العالم عانت من وجود العاملين في هذا الاقتصاد، لأنهم غير مشمولين بمظلة الضمان الاجتماعي، ولذا تكبدت الحكومات كلفا إضافية، وأصبحت مضطرة لتوفير الأمن والحماية المالية لملايين المواطنين، في ظل إغلاق الأسواق، وهي الحالة التي لم تعانها دول الخليج.

المشروعات الصغيرة
عملت دول الخليج في مسارين متوازيين، أحدهما هو التركيز على المشروعات الضخمة والآخر هو دعم فرص العمل الفردية عبر تهيئة المناخ لفرص المشروعات المتوسطة والصغرى للأفراد، ما كان له أثر ملحوظ في توظيف مهارات الشباب بمشروعات صغيرة في قطاعات عديدة، خاصة تكنولوجيا المعلومات، في ظل الاهتمام الكبير بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بحسب عايش.
كما عملت دول الخليج على استحداث قطاعات جديدة، مثل القطاع السياحي في السعودية، والتركيز على مكامن القوة في الدولة لاستثمارها اقتصاديا وتقنيا ومعرفيا ولوجستيا، بما يسهم في معالجة مشكلة البطالة، ويدفع نحو إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة، بحسب عايش، مشيرا إلى أن السعودية أنشأت بنكا مخصصا لتلك المشروعات.
ومن شأن ذلك دفع السعوديين نحو الانخراط في عملية اقتصادية رسمية، توفر عائدا وفرص عمل، يعتمد على جهد وأفكار ومهارات الأفراد، وليس انتظار الوظائف الحكومية، أو وظائف القطاع الخاص، وهو ما أتى بأثره في خفض نسبة البطالة بالمملكة، حسبما يرى الخبير الاقتصادي.

ويشير عايش إلى أن من أهم مزايا المشروعات الصغيرة إمكانية إحلال مشروعات أخرى محلها حال إغلاقها دون تكلفة عالية، ما يعني إكساب الاقتصاد "مرونة" وفعالية من جانب، وتوفير فرص العمل عبر تحفيز ريادة الأعمال من جانب آخر.

نسبة منخفضة لاقتصاد الظل
يؤكد الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، أن انخفاض نسبة الاقتصاد غير الرسمي في دول الخليج، أمر إيجابي، لأن اقتصاد الظل يمثل معضلة للعديد من الدول في العالم، إذ يتسبب في عدم تحصيل الضرائب المستحقة، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
كما أن اقتصاد الظل له عيوب أخرى، منها عدم قدرة اقتصاد الدولة على تحقيق أرقام مرتفعة فيما يتعلق بالشفافية، وعدم ضمان التزام العمالة، ما يؤثر على فرص الاستثمار الأجنبي، بحسب الشوبكي.
ويعني ذلك أن الحالة الاقتصادية في الخليج صحية، ما دامت نسبة النشاط غير رسمي منخفضة، حسب الشوبكي، مشيرا إلى أن تقديرات حجم الاقتصاد غير الرسمي بدول الخليج بالمجمل تصل إلى 18%، وهي نسبة منخفضة جدا، قياسا على المتوسط العالمي، الذي تقارب نسبته الـ 30%.
ومن شأن انخفاض نسبة النشاط غير الرسمي تمكين دول الخليج من رصد الاقتصاد بشكل أكثر واقعية وشفافية لتكون مخرجات أرقامها أقرب إلى الواقع، وبالتالي تستطيع تحقيق خطط التنمية بشكل أفضل ومعالجة المشاكل الاقتصادية بشكل أشمل وأكثر دقة من الاقتصادات التي يشكل فيها الاقتصاد غير الرسمي نسبة كبيرة، حسبما يرى الشوبكي.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن حجم الاهتمام بالمشروعات الصغيرة لايزال بحاجة إلى زيادة في دول الخليج، حسبما يرى الشوبكي، مشيرا إلى أن حجم الإقراض للمشروعات الصغيرة في دول الخليج لا يتخطى الـ 5%.

المساهمون