في خطٍ موازٍ لمشروعها السياسي في المشرق العربي، يكابد الاقتصاد الإيراني مصاعب شتى، لعلّ أهمها وأخطرها ما نشأ في الوعي الشعبي الإيراني من مشاعر الإحباط وانسداد الأفق، أثّر بقوة في نمو المجتمع المدني المعارض.
فعندما تتضاءل الموازنة العامة سنوياً، وترتفع معدلات التضخم، بينما يُصرف جزء مُعتَبَر من الموارد المالية لتغطية أكلاف مشروع امبراطوري في الخارج، يتعاظم إحساس الإيرانيين بالغُبن الذي يطال حياتهم.
فعندما فرض الغرب عقوباته الاقتصادية على إيران، لم تجد الدولة سوى التشدد في التدابير الأمنية، لمنع حدوث القلاقل، مع تقليص مطرد في الموازنة. أما المواطنون الإيرانيون فلم يجدوا سوى الانتخابات الرئاسية لكي يسجلوا، من خلال صناديق الاقتراع، احتجاجهم على مسار التشدد الأيديولوجي واختيار المرشح الموسوم بالاعتدال النسبي!
في خلفية الصورة، لم تتغيّر سياسات الدولة. أما في واجهتها، فقد أتيح للرئاسة أن تباشر عملية تفاوضية شاقة تتوخى رفع العقوبات والإفراج عن ودائع ايران واحتياطاتها النقدية وأصولها في الخارج (تُقدّر بـ110 مليارات دولار)، غير أن الطرف الآخر من المفاوضات يصرّ على نتائج حقيقية وجوهرية على صعيد الملف النووي، لا تملك حكومة حسن روحاني أن تقدمها للغرب، لأنها لا تحسم أمراً على صعيد الخيارات الاستراتيجية للدولة.
فالحكومة، حتى على الصعيد الاقتصادي، لا تقوى على إحداث التغيير المرتجى الذي يطالب به الشعب في هيكيلة الاقتصاد الإيراني، فما بالنا بالتغيير على صعيد المشروع النووي. فـ"الحرس الثوري الإيراني" يسيطر على ثلث اقتصاد البلاد، من خلال نحو مئة شركة احتكار نافذة، من أهمها تلك التي منحتها وزارة البترول عقوداً وتعهدات تزويد بمليارات الدولارات، فـ"الحرس الثوري" لا يكف عن طلب المزيد من الدخل، ولم يكتف بالعقود الكبرى، لذا فقد ارتضى على نفسه، وبحكم سيطرته على الحدود الإيرانية، العمل على تهريب البترول والسلع الغذائية بشكل ممنهج وبطريقة لها إدارتها ونظامها، وهذا يحرم الخزينة الإيرانية من مليارات الدولارات سنوياً.
وللمفارقة، إن هذا التهريب للسلع، المعروضة بأسعار مدعمة، ضرب في العمق الخطة التي أقرها البرلمان الإيراني للإصلاح الاقتصادي واعتبرها "جراحة" غير مسبوقة في تاريخ اقتصاد إيران، وكان قوامها تزويد الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة بمشتقات بترولية ومواد غذائية بأسعار زهيدة.
فهذا الحرس، "الثوري جداً"، يعمل من خلال شركاته مطلقة اليد في السوق الإيرانية، فيجده الإيرانيون في قطاعات الإنشاء وبناء الجسور والطرق، وفي تطوير حقول الغاز والنفط، وفي صناعة السيارات، وحتى في قطاع عيادات جراحة العيون وعملياتها بأشعة الليزر!
من خلال دور "الحرس" وأمثلته في العالم العربي والإسلامي، حيث تستحوذ الجيوش على جزء كبير من اقتصادات دولها، تضطرب آمال الشعوب وتصطدم خياراتها التاريخية المتعلقة بالحرية والتنمية والكفاية والعدل، بمفاجآت محبطة وانتكاسات، يقدمها المعنيون في لبوس الوطنية والكبرياء وقهر الأعداء والحرص على الدور الإقليمي والعالمي.