اضطرابات المنطقة تفاقم الأوضاع الاقتصادية في الأردن

16 ابريل 2024
سوق خضروات في العاصمة عمّان (خليل مزرعاوي / فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الهجوم الإيراني على إسرائيل رداً على غارة إسرائيلية زاد التوتر في المنطقة، مؤثراً سلباً على اقتصاد الأردن الذي يعاني بالفعل من تداعيات حرب غزة، خاصة في قطاعات السياحة وسلاسل التوريد والاستثمار.
- الحكومة الأردنية اتخذت إجراءات لمواجهة الآثار الاقتصادية مثل الحد من الضغوط التضخمية وتوفير تسهيلات ائتمانية، لكن الانعكاسات السلبية مستمرة مع تأثيرات على النمو، البطالة، والصادرات.
- الاضطرابات الإقليمية تؤثر مباشرة على الأمن الغذائي والاقتصادي في الأردن، مع تحذيرات من تداعيات خطيرة تؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي وزيادة كلف المعيشة، مما يتطلب استجابة متعددة الأبعاد للحفاظ على الاستقرار.

جاء الهجوم الإيراني على إسرائيل، ليل السبت- الأحد، رداً على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري ليزيد من التوتر في المنطقة والذي يلقي بالأساس بظلال سلبية واسعة على اقتصاد الأردن منذ نحو سبعة أشهر بفعل تضرر العديد من القطاعات من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، على رأسها السياحة وسلاسل التوريد والاستثمار.

ويعد الأردن بحكم موقعه الجغرافي من أكثر البلدان تأثراً بالعدوان الاسرائيلي على غزة وتوتر البحر الأحمر وباب المندب وأخيراً التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران. ورغم أن الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات للتعامل مع الآثار الناتجة عن تلك الأوضاع، بخاصة في ما يتعلق بالحدّ من الضغوط التضخمية، بدت الانعكاسات السلبية واضحة خلال الأشهر الماضية، ويتوقع استمرارها خلال الفترة المقبلة، وفق محللين.

وتنعكس الاضطرابات المحيطة بالأردن على معدلات النمو ونسب البطالة والصادرات وغيرها من المؤشرات الاقتصادية. ووفق رئيس الوزراء بشر الخصاونة أخيراً فإن العدوان على غزة كان له انعكاسات وأثر تضخميّ على الاقتصاد الأردني رغم سعي الحكومة إلى كبح التضخم. وأشار الخصاونة إلى أن أحداث البحر الأحمر رفعت أجور الشحن بنسب تصل إلى 200% من شرق آسيا و60% من أميركا وأوروبا.

ولفت إلى أن مؤشرات الاقتصاد الأردني كانت جيدة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي والتي سبقت العدوان على غزة، قبل أن تلقي تداعيات التوتر الجاري في المنطقة بظلاله على العديد من القطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها السياحة التي تأثرت بوضوح.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن الحكومة الأردنية أدركت مبكراً الآثار المحتملة للعدوان واضطرابات المنطقة على سلاسل التوريد باعتبارها الأسرع تأثراً، حيث تم اتخاذ العديد من الإجراءات التي هدفت إلى احتواء الضغوط التضخمية الناتجة عن ذلك قدر المستطاع والحد من ارتفاعات الأسعار والمحافظة على المخزون الغذائي.

وأضاف عايش أنه رغم الارتفاعات الكبيرة في أجور الشحن، تمكن الأردن من استعادة انتظام سلاسل التوريد التي كانت معرضة لاختلالات كبيرة، لكن هنالك مؤشرات على ارتفاعات قريبة على الأسعار نظراً إلى ارتفاع أجور الشحن ووثائق التأمين، ولا سيما أنّ مخزونات التجار القديمة أوشكت على النفاد، وتم استيراد سلع بالأسعار الجديدة.

كانت الحكومة قد وضعت سقوفاً لأجور الشحن لغايات احتساب الرسوم الجمركية، بحيث تبقى على ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكذلك فتح مستودعات شركة الصوامع الحكومية أمام القطاع الخاص لتخزين بضائعه بكلف أقل. كما تم توفير تسهيلات ائتمانية لتعزيز استيراد السلع وتسريع إجراءات التخليص على السلع الموردة للأردن من مناشئ مختلفة ودعم أسعار السلع في المؤسسات الاستهلاكية المملوكة للحكومة.

وأشار عايش إلى أنه رغم إجراءات دعم الأسواق تراجعت بعض القطاعات مثل قطاعات التجزئة والخدمات وارتفاع أسعار النفط والكلف الداخلية، ما يؤدي إلى ارتفاع كلف المعيشة، الذي يتوقع أن ينعكس بوضوح خلال الأسابيع المقبلة على معدل التضخم الذي انخفض إلى ما دون 2% مع احتمال عودة اختلال سلاسل التوريد. وقال: "لعل انخفاض معدل النمو الاقتصادي خلال الربع الأخير من العام الماضي إلى 2.3% يظهر أثر الحرب، إذ كان من المتوقع أن يسجل النمو 2.7%، كما أن تداعيات استمرار التوتر يمكن أن يخفض توقعات النمو لهذا العام من 3% إلى 2.6%.

وأضاف أن صندوق النقد توقع أن يتراجع النمو إلى أقل من 2% في حال استمر العدوان الإسرائيلي على غزة لأشهر قادمة ومن ثم نحن نتحدث عن تداعيات خطيرة، والصندوق ذهب إلى أكثر من ذلك، وربما تتوقف إمدادات المياه والغاز من إسرائيل.

وقال عايش إن التطورات في المنطقة واحتمالات نشوب حرب إقليمية وإن كانت بعيدة الحدوث، إلا أنها تلقي بظلال سلبية على اقتصاديات دول المنطقة من حيث عزوف المستثمرين والسياح واختلال سلاسل التوريد. وقال مسؤول حكومي لـ"العربي الجديد" إنه سيتم العمل بإجراءات من شأنها المحافظة على الأمن الغذائي وإدامة توفر السلع بأسعار مناسبة في الأسواق.

وفي سياق متصل تأثرت العديد من المنشآت والقطاعات الاقتصادية بحملات المقاطعة التي استهدفت منتجات الشركات العالمية التي تدعم دولها العدوان على غزة، حيث توقفت بعضها عن العمل واضطرابات أخرى لتخفيض طاقاتها الإنتاجية ما أدى إلى فقدان حوالي 15 ألف شخص لوظائفهم.

وقال وزير السياحة والآثار مكرم القيسي مؤخراً إنّ المقاطعة حرية شخصية وتعبير مكفول للجميع، لكن بلغة الأرقام لها تأثير سلبيّ على العاملين في بعض المؤسسات التجارية التي قوطعت، والذين يقدر عددهم بين 12 و15 ألف أردني وأردنية، فضلاً عن سلاسل الإنتاج والتوريد التي تستخدمها هذه المؤسسات من السوق المحلي. وأدت الاضطرابات إلى زيادة الضغوط على الأردن لإلغاء الاتفاقيات الموقّعة مع سلطات الاحتلال، والتي تشكل مطالب أساسية للحراك المستمر في الشارع الأردني منذ اندلاع العدوان.

في الأثناء، تظهر البيانات الرسمية تباطؤ الدخل السياحي. ووفقاً لأحدث بيانات للبنك المركزي الأردني، فقد ارتفع الدخل السياحي للأردن خلال الشهرين الأولين من عام 2024 بنسبة 4.5% بالمقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2023، ليسجل ما قيمته 1.1 مليار دولار. ونما الدخل السياحي خلال شهر فبراير/ شباط من عام 2024 نمواً نسبته 8.9% مقارنة بالشهر ذاته من عام 2023 ليبلغ 389.7 مليون دينار (549.6 مليون دولار).

ورغم هذا الارتفاع، يرى ممثلون للقطاع السياحي أن نتائج السياحة وعائداتها كان يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير، لكن العدوان حال دون تحقيقها. وكانت إيرادات السياحة قد قفزت خلال العام الماضي بأكمله بنحو 27% إلى 7.4 مليارات دولار مقارنة بعام 2022، وبلغ عدد السياح 6.3 ملايين سائح. وقال وزير السياحة والآثار مكرم القيسي مؤخراً إن القطاع السياحي من أكثر القطاعات حساسية تجاه الأزمات.

المساهمون