وصف محللون وخبراء في قطاع الطاقة عدم ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا وعالمياً بالشكل المتوقع مع موجات البرد الأخيرة وتصاعد التوترات في البحر الأحمر بأنه "هدوء حذر"، مؤكدين أن طول أمد هذه العوامل وبروز تحديات جديدة قد تدفع أسعار الغاز مجددا إلى الارتفاع.
ولم ترتفع أسعار الغاز حتى الآن في أوروبا رغم موجة البرد الشديدة التي اجتاحت معظم أنحاء القارة العجوز، التي تزامنت مع تغيير مسار الناقلات العملاقة التي تحمل الوقود عبر البحر الأحمر لتجنب تصاعد الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن المتجهة إلى إسرائيل.
ويعود عدم ارتفاع أسعار الغاز، رغم تلك العوامل التي كانت تؤدي في السابق إلى تزايد الأسعار، إلى استعداد أوروبا جيدا لمثل هذه الأزمات منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي وما تبعها من أزمة في إمدادات الطاقة لغالبية دول القارة.
وتستفيد أوروبا من جمع احتياطيات قياسية من الغاز العام الماضي، إلى جانب المساعدة من مصادر الطاقة المتجددة وشتاء معتدل نسبيا - باستثناء بعض موجات البرد.
كما يلعب تباطؤ النمو الاقتصادي دوراً أيضاً، ما يحد من الطلب على الطاقة في القوى الصناعية الكبرى مثل ألمانيا.
وكان ذلك كافياً لتعزيز الثقة عبر مكاتب التداول بأن المنطقة في وضع مستقر بما يكفي لتجاوز بقية فصل الشتاء بوقود احتياطي.
ويجرى تداول الأسعار الأوروبية القياسية حاليًا بأقل من 30 يورو لكل ميغاواط في الساعة، أي حوالي عُشر مستويات الذروة في عام 2022.
قائمة تحديات
ومع ذلك، وبعد أن تمكنت أوروبا من التغلب على الأزمة، واجهت واقعاً جديداً يحمل قائمة خاصة به من التحديات، حيث تعتمد وفقا للوكالة بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة، وسيتعين عليها التعامل مع توقفات محتملة في توليد الطاقة بسبب موجة البرد والرياح الشديدة.
ومع فقدان الغاز الروسي الذي كانت تعتمد عليه بشكل مفرط قبل غزو أوكرانيا، فإن عليها أيضًا أن تبحث عن مكان آخر لتلبية احتياجاتها من الوقود، وهو ما يعني التنافس على حصة من شحنات الغاز الطبيعي المسال الأجنبية مع أجزاء أخرى من العالم.
وينتهي اتفاق عبور خط أنابيب الغاز بين روسيا وأوكرانيا في نهاية هذا العام، ومن غير المرجح أن يُجدّد ، ما يعني أن القارة يمكن أن تحصل على كميات أقل من الغاز من روسيا.
وفي حين أن هناك استثماراً عالمياً ضخماً في الغاز الطبيعي المسال، فإن الكثير من القدرات الجديدة لن تصل إلى السوق حتى عامي 2025 و2026.
وأصبحت الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تواترا، ما يجهد أنظمة الطاقة ويؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة الطلب على الغاز.
وقال بالينت كونكز، رئيس تداول الغاز في شركة "MET International " في سويسرا: "مجرد النظر إلى الأسعار، يبدو أن الأزمة قد انتهت"، مضيفا أنه "ومع ذلك، فإننا نعتمد الآن على العوامل العالمية التي يمكن أن تتغير بسرعة."
وأضاف أن "الأسعار قد ترتفع مرة أخرى، حتى في موسم التدفئة، إذا حدث انقطاع مفاجئ في الإمدادات أو فترة طويلة من الطقس البارد".
أحد التحديات الرئيسية أيضا هو الأوضاع في الشرق الأوسط وسط الهجمات على السفن في البحر الأحمر، وهو الطريق الذي تستخدمه قطر لإرسال الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
وتتجنب بعض ناقلات النفط والغاز العالمية المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس المصرية، وتختار بدلاً من ذلك الدوران حول الطرف الجنوبي لأفريقيا عبر الطريق المعروف باسم رأس الرجاء الصالح.
كما أن الجفاف في قناة بنما يطيل فترة رحلة الناقلات، وهو ما يؤدي، اذا استمر الوضع في البحر الأحمر وقناة بنما، إلى الضغط على الأسعار وكميات الغاز.
وانخفضت أسعار الغاز بنسبة 60% تقريبًا في عام 2023، وانخفضت بنسبة 12% أخرى حتى الآن هذا العام، ما من شأنه أن يساعد في خفض فواتير الطاقة للمستهلكين.
وفي المملكة المتحدة، سينخفض الحد الأقصى للسعر الذي تنظمه الدولة بنسبة 14% تقريبًا بحلول الربيع، وفقًا لتقديرات شركة كورنوال إنسايت الاستشارية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
في الولايات المتحدة، انخفضت العقود الآجلة للغاز بنحو 20% الأسبوع الماضي، حيث ظل التخزين أعلى بكثير من متوسط الخمس سنوات. أدى الطقس البارد إلى زيادة الطلب على الطاقة وتجميد بعض آبار الغاز، لكنه لم يفعل الكثير لتعزيز العقود الآجلة.
لم يكن انخفاض أسعار الغاز من قمم عام 2022 دائمًا في اتجاه واحد، حيث تسببت نوبات شديدة من التقلبات، من ضربات الغاز الطبيعي المسال في أستراليا إلى انقطاع التيار الكهربائي في الولايات المتحدة إلى اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، في حدوث زيادات، ما يذكرنا بأن الهدوء الحالي ليس مضمونا أن يستمر.
وقال ستيفان رول، رئيس سياسة الطاقة في وزارة الطاقة الألمانية، في قمة الطاقة للأميركتين في نيو أورليانز يوم الخميس: "ما زلنا حذرين للغاية بشأن ما سيحدث بعد ذلك".
وفي قطاع النفط، كشف تجار ومحللون وبيانات لمجموعة بورصات لندن، أول من أمس الجمعة، أن سوق خام برنت وبعض أسواق النفط في أوروبا وأفريقيا تشهد نقصا، يعود في جزء منه إلى تأخر الشحنات بعد تجنب بعض سفن الشحن السفر عبر البحر الأحمر.
وتراجعت كميات الخام المتجهة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. وتظهر بيانات كبلر، وفقا لوكالة "رويترز"، أن حجم الخام المتجه إلى أوروبا من الشرق الأوسط انخفض إلى النصف تقريبا مسجلا نحو 570 ألف برميل يوميا في ديسمبر/ كانون الأول، من 1.07 مليون برميل يوميا في أكتوبر /تشرين الأول.