ارتفاع سعر الغاز والتوتر يبطئان نمو اقتصاد أوكرانيا

06 يناير 2022
احتفالات أوكرانيا برأس السنة وسط كييف (getty)
+ الخط -

أنهت أوكرانيا عام 2021 بتسجيل أعلى ناتج محلي إجمالي في تاريخها بلغ 200 مليار دولار، رغم تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد في نهاية العام تحت وطأة مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها استمرار التوتر العسكري في منطقة دونباس الواقعة شرق البلاد والموالية لروسيا، وقفزات أسعار الغاز الأوروبية، ليبلغ النمو الحقيقي نحو 3% مقابل النمو المستهدف عند مستوى ما بين 4 و6%.

وفي هذا الإطار، يعزو الشريك الإداري بشركة Hugs Fund الأوكرانية للاستشارات الاستثمارية، إريك نايمان، تحقيق أوكرانيا ناتجا محليا إجماليا قياسيا إلى الأوضاع المواتية بأسواق المواد الخام والمنتجات الزراعية والميتالورجية، مرجعا تباطؤ نمو الاقتصاد الحقيقي إلى تسارع وتيرة التضخم أوكرانياً وعالميا.

ويقول نايمان في حديث لـ"العربي الجديد" إن "الاقتصاد الأوكراني حقق ناتجا محليا إجماليا قياسيا بقفزة من نحو 156 مليار دولار في العام 2020 إلى نحو 200 مليار دولار في 2021 نتيجة لتعويض سقوط عام 2020 الذي شهد ذروة جائحة كورونا، من النمو. وبذلك ستقترب حصة الفرد في الناتج المحلي الإجمالي من 5 آلاف دولار. لكن نسبة النمو الاقتصادي الحقيقي جاءت متواضعة بسبب ارتفاع وتيرة التضخم في أوكرانيا والعالم". علما أن وتيرة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في أوكرانيا ارتفعت إلى أكثر من 10% في العام الماضي، وفق أرقام هيئة الإحصاء الأوكرانية "غوس ستات".

خبير: خسّرت القفزة في أسعار الغاز في الأشهر الأخيرة من العام أوكرانيا نحو 1.3% من النمو المتوقع، ومن المنتظر أن يزداد تأثيرها السلبي في بداية 2022

وحول العوامل التي ساهمت في ارتفاع القيمة الاسمية للناتج المحلي الإجمالي الأوكراني بهذه الصورة، يضيف نايمان: "كانت الأوضاع بأسواق المواد الخام مواتية جدا، وتم جني محصول زراعي قياسي، وتسنى تحقيق هامش ربح عال بما يعادله بالدولار في ظروف تعافي سعر صرف العملة الأوكرانية الهريفنا. وكان أداء قطاع الميتالورجيا جيدا، ولكنه تراجع في نهاية العام بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. كما حظي قطاع تكنولوجيا المعلومات بأداء جيد أيضا".
وفي ما يتعلق بعوامل إبطاء نمو الاقتصاد الأوكراني، يتابع: "خسّرت القفزة في أسعار الغاز في الأشهر الأخيرة من العام أوكرانيا نحو 1.3% من النمو المتوقع، ومن المنتظر أن يزداد تأثيرها السلبي في بداية عام 2022، وقد يحرم الاقتصاد الأوكراني 2% أخرى من نموه.

أما التوتر الجيوسياسي مع روسيا، فشكل ضربة كبيرة للسندات الأوروبية الأوكرانية التي باتت عوائدها الدولارية تقارب مستوى الـ10%، وهو مستوى ذروة جائحة كورونا في مارس/آذار 2020".
ويحذر نايمان من عامل آخر قد يعرقل نمو الاقتصاد الأوكراني على المدى البعيد، ويتمثل في المشكلة السكانية في ظل تراجع نسبة الشباب وتوجههم للاغتراب والهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وحذر معهد البحوث الديمغرافية والاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الأوكرانية مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، من تراجع عدد سكان أوكرانيا من أكثر من 41.5 مليون نسمة حاليا إلى 22 مليونا فقط بحلول نهاية القرن الـ21، مستشهدا بنتائج استطلاعات رأي تظهر أن أغلب الأوكرانيين يقولون إنه ليس بوسعهم إنجاب طفلين أو أكثر بالدرجة الأولى لأسباب اقتصادية.

كما يعد استشراء الفساد من العوامل المؤثرة سلبا على أداء الاقتصاد الأوكراني، إذ تأتي أوكرانيا في المرتبة الـ33 في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إلى جانب كل من سيراليون والنيبال وزامبيا وإسواتيني ومصر، متفوقة في الوقت نفسه على بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل روسيا وقرغيزستان وطاجكستان وغيرها.

من جهته، يرى المحلل المالي، الصحافي المتخصص في الشؤون الأوكرانية، غليب بروستاكوف، أن أسعار الغاز القياسية التي تجاوزت عتبة الألفي دولار في بعض الأوقات في نهاية العام الماضي، كانت من العوامل الرئيسية المبطئة لنمو الاقتصاد الأوكراني.

موقف
التحديثات الحية

ويقول بروستاكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "كانت أسعار الغاز القياسية من العوامل التي أبطأت النمو. بما أن أوكرانيا لا تشتري الغاز من روسيا بشكل مباشر، وإنما عبر الوسطاء مع ربط الأسعار بالسوق الفورية للغاز في أوروبا، فجاء سعر الوقود لأوكرانيا مبالغا فيه".
وحول التداعيات غير المباشرة لقفزات أسعار الغاز على الاقتصاد الأوكراني، يضيف: "لم تبطئ أسعار الغاز النمو الاقتصادي فحسب، بل شكلت أيضا أرضية لأزمة الطاقة ومخاطر انقطاع الكهرباء والتدفئة. وعلاوة على ذلك، عطل ارتفاع أسعار الغاز فعليا المصانع المحلية لإنتاج الأسمدة المعدنية، مما قد يؤثر على المحصول الزراعي في عام 2022".
ويذكر بروستاكوف عوامل أخرى لبطء نمو الاقتصاد الأوكراني، قائلا: "بشكل عام، فإن بطء نمو الاقتصاد الأوكراني في عام 2021 والذي لم يعوض حتى تراجع العام السابق، يعود بدرجة عالية إلى تسارع وتيرة تراجع التصنيع، ووقف مصانع التكنولوجيا المتقدمة والتحول إلى تصدير المواد الخام والسلع الغذائية".

وفي الخريف الماضي، قفزت أسعار الغاز بالسوق الأوروبية إلى أكثر من ألف دولار لكل ألف متر مكعب، متجاوزة عتبة الألفي دولار لبعض الوقت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسط ضعف نسبة ملء المستودعات الأوروبية وتراجع إمدادات الغاز الطبيعي المسال أميركي المنشأ، وتأخر تشغيل مشروع "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، بينما يوجه السياسيون الأوروبيون انتقادات إلى عملاق الغاز الروسي "غازبروم" لتخاذله عن زيادة الإمدادات.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمره الصحافي السنوي الكبير في نهاية العام الماضي، أن الطلب الأوكراني قد يكون من عوامل قفزة الأسعار الفورية للغاز في أوروبا، نفت الشركة المشغلة للمنظومة الأوكرانية لنقل الغاز ذلك، مؤكدة أن أوكرانيا كادت أن تتوقف عن استيراد الغاز منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

المساهمون