ارتفاع الدولار يعصف بـ"الأوكازيون" في مصر

07 اغسطس 2024
سوق خان الخليلي في القاهرة (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحديات موسم التخفيضات الصيفية**: يواجه التجار في مصر صعوبات بسبب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، مما يربك حساباتهم بين تقديم تخفيضات أو مواجهة تراجع المبيعات. الحكومة أطلقت الأوكازيون الصيفي لتنشيط الأسواق المتأثرة بضعف القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة.

- **إجراءات حكومية وإغراءات للتجار**: الحكومة قدمت إغراءات مثل تمديد ساعات العمل وإقامة معارض، لكن الأسواق تفتقر للافتات والزينة المعتادة، مما يعكس قلق التجار من تقديم تخفيضات في ظل الغلاء.

- **تأثيرات اقتصادية وتوقعات مستقبلية**: ارتفاع أسعار الوقود والمياه والكهرباء أدى لزيادة تكاليف المعيشة، مما يعمق الركود. يتوقع خبراء تضخم يصل إلى 30% بنهاية العام، بينما تسعى الحكومة لخفضه إلى 15% عبر تشجيع الصناعة الوطنية.

انتظر الكثيرون من أصحاب المحلات والمراكز التجارية في مصر حلول موسم التخفيضات الصيفية "الأوكازيون"، لتنشيط مبيعاتهم والفكاك قليلاً من دائرة الركود التي أحاطت بهم، لكن عودة الدولار إلى الصعود مجدداً أمام الجنيه في الأيام الأخيرة أربكت حسابات الجميع، وباتوا حائرين بين تحمّل تخفيضات يصعب تعويضها مستقبلاً، في ظل غلاء البضائع من جديد أو الاستسلام لتراجع المبيعات الذي أنهك أعمالهم.

وبدأ "الأوكازيون" الصيفي اعتباراً من يوم الاثنين الماضي لمدة شهر، بموافقة وزارة التموين، إذ اتفقت الحكومة مع اتحاد الغرف التجارية على مشاركة المحلات والمراكز التجارية بتقديم تخفيضات على الملابس والأدوات المنزلية والسلع المعمرة، والأدوات المدرسية، أملاً في تنشيط الأسواق، التي تواجه ركوداً كبيراً، مدفوعاً بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، بسبب تدهور قيمة الجنيه ودخل الأسر، وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء والمياه والنقل والخدمات الحكومية.

ومع تراجع أعداد الشركات والمحلات الراغبة في المشاركة في موسم التخفيضات، قدّمت الحكومة إغراءات، تشمل السماح باستمرار العمل حتى الحادية عشرة مساءً يومياً، تزيد إلى 12 مساءً في الإجازات الأسبوعية والرسمية، مع إقامة معارض في الميادين العامة، لمستلزمات المدارس والملابس.

وفي جولة لـ"العربي الجديد" في الأسواق جرى رصد اختفاء اللافتات التي تعلق عادة أمام المحلات، وأدوات الزينة التي توضع بمداخل المراكز التجارية والأسواق الشعبية، استقبالاً لموسم التخفيضات الأهم على مدار العام، الذي يشهد إقبالاً كبيراً على شراء الملابس والأدوات المدرسية والمكتبية.

يشير تجار إلى مخاوفهم من الالتزام بتقديم تخفيضات على السلع، في ظل موجات غلاء جديدة متصاعدة في أسعار مستلزمات الإنتاج، وعودة كبار التجار إلى تخفيض قيمة الائتمان الممنوح لأصحاب المحلات والموزعين، تحسباً لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وصعوبة تدبيره من البنوك، لشراء مدخلات إنتاج جديدة خلال الفترة المقبلة. ويواجه المنتجون أيضاً حالة من القلق، جراء ارتفاع تكلفة الإنتاج والتشغيل والاقتراض مع صعوبة تحميل المستهلكين الزيادات الهائلة في تكاليف المنتجات دفعة واحدة.

وفرضت حالة القلق أجواءها على المعارض والموزعين، بينما الجمهور ما زال غائباً عن الأسواق، منشغلاً بالاستعداد لترتيب مصروفات الدروس الخصوصية لطلاب المدارس التي بدأت الأسبوع الماضي، وبدء تحضير مصروفات العام الدراسي، تمهيداً لتدبير نفقات شراء الملابس والأدوات المدرسية، التي يحتاجها نحو 26 مليون طالب في المدارس، و3 ملايين آخرين في الجامعات والمعاهد العليا.

يشير خبراء اقتصاد إلى تسبب الحكومة في زيادة هائلة بأسعار كافة السلع، خلال الأسبوع الماضي، عقب صدور قرارات سيادية برفع أسعار الوقود بنسبة 15% وأعقبتها زيادة بأسعار المياه والكهرباء والغاز والنقل، تراوحت بين 20% إلى 40%، بما يدفع المواطنين إلى توجيه مصادر دخلهم إلى الوفاء بفواتير تكلفة المعيشة الأساسية، دون القدرة على زيادة الاستهلاك من السلع الغذائية والملابس، بما يزيد من حجم الركود بالمصانع والأسواق، فضلاً عن تحرك سعر صرف الدولار صعوداً في الأيام الأخيرة بما يقرب من 49.5 جنيهاً للدولار مقابل نحو 48 جنيهاً خلال يوليو/ تموز الماضي.

يؤكد هشام حمدي؛ المحلل المالي وخبير أسواق السلع الاستهلاكية، أن السوق المصري يشهد حالة من التضخم المحلي، تؤثر على كافة السلع، في وقت تمر فيه الأسواق العالمية بحالة هبوط بأسعار المنتجات الرئيسية والاستهلاكية، بداية من البترول والغاز، ومروراً بأسعار الحبوب واللحوم والسلع المعمرة.

يقول حمدي لـ"العربي الجديد" إن زيادة أسعار الوقود والنقل وتخفيض الدعم عن الكهرباء والسلع الأساسية تدفع بمعدلات تضخمية كبيرة على الأسواق، في وقت كانت تستعد فيه إلى استقبال تراجع الأسعار عالمياً، بما يساهم في خفض أسعار الواردات من سلع ومستلزمات إنتاج. ويتوقع أن تدفع الزيادة في أسعار السلع إلى موجات تضخمية، معرباً عن أمله في ألا تدفع هذه الزيادة التضخم إلى مستويات تزيد عن 30% مع نهاية العام، وذلك في اتجاه معاكس لما يراه اقتصاديون الذي يتوقعون أن تصل معدلات التضخم إلى معدلات تفوق هذه النسبة قبل ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

وتستهدف الحكومة خفض معدلات التضخم إلى 15%، بتأكيدها تشجيع الصناعة الوطنية والقطاع الخاص، وتوسيع مشروعاته وزيادة الإنتاج. بينما يؤكد المنتجون أن استمرار أزمة الدولار يظل العقبة الكؤود أمام الشركات كافة، والتي تنقل آثارها إلى الموزعين والمستهلكين.

وتعكس الزيادة المحلية في سعر الدولار المنخفض عالمياً بالأساس حالة الخصوصية التي يشهدها الاقتصاد المصري، رغم تلقيه دعماً مالياً من صندوق النقد بلغ 820 مليون دولار، الخميس الماضي، ضمن قرض قيمته ثمانية مليارات دولار، تمهد للحصول على 1.2 مليار دولار أخرى، خلال الأسابيع المقبلة، من صندوق الصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد.

ويؤكد هشام حمدي؛ المحلل المالي، لـ"العربي الجديد"، أن صعود الدولار مقابل الجنيه يظهر الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد، والتي تشمل وجود مشكلة في ميزان المدفوعات، مع زيادة القروض الأجنبية بالدولار، وحاجة الحكومة لسداد التزاماتها الخارجية، مع ارتفاع المصروفات بالدولار، على السلع والمنتجات من الخارج، مع تراجع الموارد المالية من قناة السويس والصادرات غير السلعية، مع عدم القدرة على تحقيق التوازن بين قيمة الصادرات والواردات.

يتوقع حمدي أن يرتفع الطلب على الدولار خلال المرحلة المقبلة، في ظل شحه في البنوك وحاجة الحكومة لشراء المزيد من احتياجاتها من المواد الغذائية، والوقود، بينما تعول على تخفيف تكلفة الديون الخارجية، في حالة توجه الفيدرالي الأميركي إلى خفض معدلات الفائدة على الدولار، في سبتمبر المقبل.

ويشير إلى استمرار مخاطر الحرب الإسرائيلية على غزة، مع إمكانية توسع نطاق الحرب ليشمل دولاً عدة في المنطقة، بما يرفع من التوترات الجيوسياسية، التي تدفع إلى اضطراب حركة التجارة العالمية، وتعطيل المرور في قناة السويس، ويرفع قيمة التأمين ورسوم الشحن على الواردات التي تأتي أغلبها من جنوب وغرب آسيا.

وأدى تصاعد أجواء الحرب إلى خروج نحو ملياري دولار من الأموال الساخنة، خلال يونيو/ حزيران الماضي، بما أدى إلى تراجع صافي الأصول الأجنبية لمصر بنسبة 9.9% لتبلغ 12.9 مليار دولار هبوطاً من 14.3 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي.

وتراهن الحكومة على توجه صندوق النقد الدولي لإعفائها من مصروفات تأمين المخاطر على الديون الحكومية، بقيمة 2% وتمكنها من مبادلة الديون المستحقة سريعة الأجل، بأخرى متوسطة أو طويلة الأجل، بفوائد بنكية أقل، تمكن البنك المركزي من التقاط أنفاسه، والحفاظ على قيمة الجنيه المتراجعة، أمام الدولار والعملة الصعبة. في حين يخشى أعضاء جمعيات المستثمرين ورجال الأعمال أن يدفع شح الدولار مع ارتفاعه مقابل الجنيه، إلى مزيد من التضخم ويبقي الشركات في منطقة الركود، التي دخلتها منذ 4 سنوات، ولم تتعاف منها حتى الآن.

يدعم مستثمرون مخاوفهم، بتراجع حجم الطلب على فتح اعتمادات للاستيراد بالعملة الصعبة بشكل كبير خلال يوليو/ تموز الماضي، بسبب زيادة المخزون السلعي لدى المصنعين والتجار، مع تراجع معدلات التوزيع والاستهلاك في الأسواق، التي تشهد حالة ركود تضخمي. وأكد مصرفيون تأجيل عدد من الشركات طلبات الحصول على تسهيلات أو قروض، لأسباب تتعلق بارتفاع تكلفة التمويل حيث تصل معدلات الفائدة على الإقراض إلى 29% للصناعة ترتفع إلى 30% لمواد البناء ومستلزمات السلع الاستهلاكية والمعمرة، مع وجود صعوبات في تسويق المنتجات، وتحميل المستهلكين الزيادة الهائلة في تكلفة الإقراض والتشغيل المترتبة على زيادة الفائدة وأسعار مستلزمات الإنتاج.

المساهمون