اتساع الموقف الرافض لقانون عمل جديد في مصر.. قضايا ملحة غائبة وظرف اقتصادي صعب

15 يوليو 2024
96.4% من المنشآت الاقتصادية تضم أقل من 10 عاملين /الإسكندرية 11 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

دونما إشارة صريحة للمناخ السياسي العام، باعتباره المظلة الأعم والأوسع لكافة الأصعدة التشريعية والاقتصادية والاجتماعية، اتفق خبراء ومنظمات حقوقية وباحثون ونقابيون، على موقف رافض من إصدار قانون عمل جديد في مصر لأنه لا يتطرق للقضايا والملفات الهامة التي تخص تطورات وتحديات سوق العمل، فضلًا عن أنه يصدر في ظل وضع اقتصادي مربك، حسب تعبيرهم.

كانت نقابة الصحافيين المصرية، قد نظمت ندوة قبل أيام معدودة بعنوان "من أجل قانون عمل عادل"، لمناقشة مشروع قانون العمل الجديد.

وبينما دارت محاور النقاش حول مشروع القانون، وأثره على الصحافيين، وكيف يمكن لنقابة الصحافيين الخروج برؤية لتعديل القانون بما يخدم مصالح أعضائها، أكد نقيب الصحافيين خالد البلشي، أن أكثر من ألف صحافي يمثلون نسبة حوالي 10 أو 15% من الصحافيين عاطلون من العمل، نتيجة أوضاع صعبة في العمل الصحافي. وأن غالبية من يعملون في الصحافة يعملون بأقل من الحد الأدنى للأجور. وأشار البلشي، إلى أن النقابة في سعيها لإقرار الحد الأدنى؛ تدرك أن الكثير من الصحافيين لا يحصلون عليه بسبب علاقات العمل المختلة وغير المتوازنة.

وأكد البلشي أنه على الرغم من قدرة النقابة على التفاوض، لكن هناك علاقات عمل فشلت النقابة في الوساطة من أجها، وأنتجت صحافيين مؤقتين عددهم أكثر من 700 صحافي يعملون منذ 14 سنة في مؤسسات قومية بدون علاقة عمل تعاقدية.

من جانبه، رأى وزير العمل السابق، أحمد البرعي، أن الوقت غير مناسب لطرح قانون عمل جديد، لأن التشريع الاجتماعي بصفة عامة له جانب اجتماعي واقتصادي وسياسي، وتغيير القانون للأسف أصبح مسألة سهلة. ضاربًا المثل بقانون العمل الفرنسي المستمر منذ سنة 1936. وقال البرعي، إن فلسفة القانون هي أن يفصل في العلاقات بين الأطراف برعاية الدولة. وأن قانون العمل لابد أن يضمن الحد الأدنى للحفاظ على حقوق العمال وأصحاب الأعمال، وخلاف ذلك يترك للنقاش والتفاوض والحوار الاجتماعي، وإذا تعذر ذلك تتدخل الدولة. وأن هذه الفكرة يتم تطبيقها في فترات الاستقرار الاقتصادي.

أما بشأن الوضع في مصر ومراحل تطور قانون العمل، فقال البرعي إنه منذ عام 1942 حتى الآن، يوجد في مصر ستة قوانين عمل، وهذا طبيعي لتغير الأزمة والأوضاع الاقتصادية، وأنه خلال نصف قرن من الزمن منذ قانون عام 1942 إلى قانون عام ١1992 مصر مرت بمراحل تطور اقتصادي. حتى جاء قانون العمل 12 لسنة 2003 الساري حاليًا. 

لكن تساءل البرعي "هل هذه التغيرات الاقتصادية ينبغي أن يواكبها تطور في قوانين العمل بحيث تصلح للتطور من النظام الاشتراكي إلى السوق الحر؟" مجيبًا "هذا يحكمه فقط النظر للوضع الاقتصادي، وبالتالي أي تعديل لقانون العمل في الوقت الحالي لن يلقى نجاحًا". وأكد البرعي أنه في السابق كانت المفاوضة الجماعية تنصب أساسًا حول الأجور، لكن حاليًا تغير الوضع وأصبحت المفاوضات الجماعية تتدخل من أجل ضمان الأمان الوظيفي للعامل، وهو تغير هام جدًا لا بد أن يتبناه أي قانون جديد.

وقال البرعي "نحن في مرحلة الاقتصاد فيها غير مستقر، من أجل إعداد قانون في الوقت الحالي. والمشكلة أن هناك مجموعة من رجال الأعمال المصريين الذين يعانون من الملابسات الأجنبية والرأسمالية الأجنبية. ولن يتم حوار حقيقي للعمل إلا في وجود حريات نقابية وحق الإضراب والتنظيم النقابي وهذا غير وارد الحديث عنه في الوقت الراهن، حيث إنه في الفترة الأخيرة كان العمال يفصلون باتهامات تتعلق بالإضراب". 

تغيرات سوق العمل في مصر

كذلك، اعتبر المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس، أن "مشروع القانون المطروح الآن ليس له لازمة حقيقية لأنه لا يحمل أي تغييرات جوهرية، ولا يناقش المعطيات الجديدة من 2003 حتى الآن". وأشار عباس إلى المتغيرات الكبيرة في سوق العمل التي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار قبل الحديث عن أي تعديل تشريعي، لكن المشكلة الرئيسية الموجودة في القانون الماضي والقانون المطروح للنقاش، من وجهة نظر عباس هي "المواد التي تنظم فصل العامل، حيث كانت مقتصرة فقط على تسعة أخطاء، ثم تم التحايل عليها والالتفاف عليها لاحقًا في المواد المتعلقة بعلاقة العمل والتفاوض".

كما أشار عباس، إلى معضلة أخرى تتعلق بـ"قوة إنفاذ القانون"، سواء من خلال وزارة العمل والنقابات. متسائلًا "هل وزارة العمل تستطيع أن تفرض على صاحب عمل أن يلتزم بالقانون؟ الإجابة لا، بل بالعكس. وكذلك الحال مع النقابات، هل لدينا نقابات قادرة على إنفاذ القانون؟ الإجابة لا لأن النقابات العمالية لا تتمتع بالحرية الكاملة، وبالتالي قوة إنفاذ القانون غائبة". ثم عاود عباس التساؤل "كيف يتم تغيير قانون العمل دون المساس بالمواد المتعلقة بالإضراب وهي جوهر اعتراضات منظمة العمل الدولية لمخالفتها لمفاهيم الحريات النقابية".

أما النائب إيهاب منصور، وكيل لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، والنائب عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، فقال إن "أي قانون يصدر مفترض أولًا أن يعالج المشاكل المطروحة، لكن هذا القانون تحديدًا أجلنا مناقشته بسبب الموقف الذي تبناه عدد من النواب بضرورة إجراء حوار مجتمعي حوله، وتم الاستجابة جزئيًا لمطالبنا، لكن بعد جلسات الاستماع وجدنا أن ثلث هذه المواد البالغ عددها 267 مادة عليها خلاف شديد، وهذا يعني أن هذا القانون غير قابل للتطبيق".

وعن المستجدات والمتغيرات الجمة التي طرأت على سوق العمل المصري، فقد طرحها للنقاش مصطفى بسيوني، الباحث الاقتصادي، مشيرًا إلى أن سوق العمل به نسبة 96.4% من المنشآت الخاصة تضم أقل من عشرة عمال باعتبارها منشآت متناهية الصغر. والمنشآت التي تحتوي على أقل من 500 عامل نسبتها حوالي 1% فقط. وتنحصر المؤسسات والمنشآت العمالية التي تضم أعدادا كبيرة من العمال في نسبة أقل من الـ3% من المنشآت التي تضم أعدادا ضخمة من العمال، وذلك طبقًا لتقرير  التعداد الاقتصادي، الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء (2014) الرسمي في مصر.

يشار إلى أنه طبقًا لتقرير  التعداد الاقتصادي، الصادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء (2014) الرسمي في مصر، فإن 96.4% من المنشآت الاقتصادية تضم أقل من عشرة عمال، وأن هذه المنشآت سجلت أدنى متوسط سنوي للأجور بقيمة 10 آلاف جنيه (1.39 ألف دولار بسعر الصرف حينها) سنويًا، بما يعادل 116.5 دولارا شهريا. ويستثني الحد الأدنى للأجور في مصر، المشروعات متناهية الصغر التي يبلغ عدد العمال بها عشرة عمال فأقل.

وعلق بسيوني على هذه التقارير الرسمية بـ"نحن أمام الحد الأدنى للأجور الذي أصبح هو الاستثناء لا القاعدة ويطبق على حوالي 3% فقط من العاملين، لأنه يطبق على المنشآت التي تضم أكثر من عشرة عمال التي هي الغالبية العظمى من المنشآت في سوق العمل"، ضاربًا المثل بالمنشآت متناهية الصغر مثل "عمال النقل التشاركي والأبلكيشن والتوصيل وخلافه، والكثير من القطاعات المشابهة، هؤلاء جميعهم لا يشملهم أي قانون ولا علاقات عمل".

كما أشار الباحث الاقتصادي إلى أزمة شركات توريد العمالة وقال "في تقديري هذه كارثة لأصبحت أقرب للسخرة، مثل شركة توريد العمالة في مترو الأنفاق، وبعض محصلي الشركات التابعة للحكومة وقطعات الخدمات في القطاعات الحكومية، وبالطبع في القطاع الخاص المسألة أوسع بكثير"، معتبرًا أن النماذج التي طرحها هي مجرد "جانب من وضع صعب للوضع العمالي وسوق العمل في مصر، وأن مشروع القانون لم يقترب من أي من هذه القطاعات باعتبارهم قطاع كبير من الطبقة العاملة اليوم. كما أن برامج الحماية الاجتماعية مثل برنامج تكافل وكرامة، تضع اشتراطات صريحة، وهذه الاشتراطات لا تنطبق على رجال الأعمال. وهي اشتراطات التي من الأولى تطبيقها على دعم الصادرات، حيث تم تخصيص 23 مليار في الموازنة المطبقة اعتبارًا من يوليو/تموز الجاري هي لدعم الصادرات، وذلك لأن الدولة تدعم رجال الأعمال".

يشار إلى أنه تم تطبيق الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص والذي تم تحديده لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2022 بـ2400 جنيه، وتم رفعه إلى 2700 جنيه في يناير/كانون الثاني 2023، ثم رفعه مرة أخرى في يوليو/تموز 2023 ليصل إلى 3000 جنيه، ليصل إلى 3500 جنيه في يناير/كانون الثاني 2024. ورفعه الي 6000 جنية شاملة كافة عناصر الأجر بداية من 1 مايو/أيار 2024.

كما شملت المناقشات، انتقاد غياب العديد من الملفات العمالية الهامة عن بنود مشروع قانون العمل الجديد، مثل غياب حقوق العاملين في الخدمة المنزلية، وعدم وجود مادة تلزم صاحب العمل حضور المفاوضة الجماعية، وغياب علاقات العمل والسلامة المهنية حيث لا يوجد حصر بالمخالفات على المنشآت ولا يوجد تفتيش حقيقي للتقييم. 

(الدولار= 47.85 جنيها تقريبا)
 

المساهمون