استمع إلى الملخص
- **تأثير الإغلاق والتهجير على الاقتصاد**: الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ أكتوبر الماضي ومنع دخول البضائع الأساسية أدى إلى تفاقم الحالة الاقتصادية، مع اختفاء البضائع أو تضاعف أسعارها.
- **تحديات الأسواق والتجار**: تعاني الأسواق من عدم الاستقرار وارتفاع الأسعار بسبب المزاجية الإسرائيلية في إدخال البضائع واستهداف المخازن، وغياب الرقابة يزيد من الأزمة.
تشهد أسواق قطاع غزة حالة من الإرباك جراء التهديدات الإسرائيلية المتكررة والموجهة للمواطنين بمغادرة مدن ومناطق سكنية بأكملها، بما فيها من محال تجارية وأسواق ومخازن بضائع، تمهيداً لاجتياحها وتسويتها بالأرض.
وتتسبب تلك التهديدات المتتالية وغير المتوقفة بمجموعة من التحديات التي تزيد من تعقيدات الحياة اليومية للفلسطينيين، من خلال زيادة حدة النقص في كافة المواد والمتطلبات الأساسية اليومية، سواء عبر إغلاق المعابر وعدم السماح بدخول الماء والغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية والإغاثية والوقود، أو بتهديدات الإخلاء التي تقيد إمكانية وصولهم للأسواق والبضائع المتوفرة بكميات محدودة.
وتتعدد العوامل المؤثرة على طبيعة الأسواق، بدءاً من الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر الماضي، وزيادة حدة ذلك الإغلاق بعد الاجتياح البري لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة مطلع مايو/أيار الماضي، ومنع دخول أي بضائع بما فيها المتطلبات الأساسية، مروراً بالحالة الاقتصادية المتردية للمواطنين، جراء انعدام مصادر الدخل وعدم انتظام صرف الرواتب والمساعدات المادية، ونسب الصرف المرتفعة، إلى جانب عدم استقرار الأوضاع الميدانية، سواء للتجار والباعة أو للزبائن.
ويتكرر مشهد اختفاء البضائع أو تضاعف أسعارها مع كل عملية تهديد إسرائيلية بإخلاء مناطق، فمنذ بدء طلبات إخلاء المناطق الشرقية لمدينة دير البلح وسط قطاع غزة والتي تضم نحو مليون مهجر، وتوسيع تلك الطلبات لتشمل مناطق غربي شارع صلاح الدين والمناطق الشرقية الجنوبية للمدينة، اختفت العديد من السلع الأساسية كالسكر، وزيت الطهي، والملح، وأصناف الأجبان ومواد التنظيف وغيرها، بفعل الطلب المتزايد عليها.
يقول عبد الرؤوف اليازجي الذي هُجّر مع أسرته إلى معسكر دير البلح وسط قطاع غزة، إنه ذهب إلى السوق لشراء بعض المتطلبات اليومية اللازمة لتجهيز الطعام، إلا أنه فوجئ بحركة غير طبيعية في السوق، بسبب تهافت الناس على شراء العديد من المواد الأساسية، ما أدى إلى اختفاء أصناف منها وغلاء أسعار أصناف أخرى.
يؤكد اليازجي لـ"العربي الجديد" أن الأسواق لم تكن طبيعية في أي يوم من أيام العدوان الإسرائيلي المتواصل، إلا أن التهديدات الإسرائيلية لأي منطقة، وما يليها من تهجير جماعي تضاعف حالة الإرباك وعدم الانتظام خوفاً من انقطاع البضائع الأساسية أو مواصلة ارتفاع أسعارها.
ويلفت البائع الفلسطيني أمجد النعيزي، الذي افتتح بسطة في سوق دير البلح الشعبي لتوفير قوت أسرته المهجرة إلى أنه توجه لشراء البقوليات والأجبان وبعض الأصناف الأساسية التي يبيعها، إلا أنه لاحظ تضاعف أسعار العديد من البضائع واختفاء أصناف مطلوبة.
يوضح النعيزي لـ"العربي الجديد" أن الأسواق في قطاع غزة غير مستقرة منذ بداية الحرب بفعل المزاجية الإسرائيلية في إدخال أو منع البضائع، إلى جانب استهداف المخازن المخصصة للبضائع والمواد الغذائية، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع ثمنها بشكل لا يتناسب مع الحالة المادية للمواطنين، خاصة في ظل حالة التهجير المتواصلة، والأوضاع المعيشية المتفاقمة نحو الأسوأ.
ويضيف أن التحدي الأكبر كذلك أمام الأسواق والتجار والمواطنين يتمثل في الأوقات الحرجة، والتي ينشر فيها الاحتلال الإسرائيلي تحذيراته بضرورة إخلاء مناطق تمهيدا لاجتياحها أو قصفها، حتى وإن كانت ليست ضمن الإطار المهدد، حيث باتت عمليات الإخلاء تطاول المناطق المجاورة للمناطق المهددة.
وتخلق عمليات التهديد والتحذير حالة واسعة من البلبلة داخل الأسواق، حيث يسارع المواطنين إلى شراء المواد الأساسية الموجودة بكميات محدودة أصلا، ما يتسبب في اختفائها أو تضاعف أسعارها، خاصة في ظل تهجير العديد من التجار برفقة أسرهم نحو المناطق التي يدّعي الاحتلال أنها آمنة، ما يتسبب في اختلال في توازن الأسواق بين كثرة الطلب وندرة البضائع المعروضة.
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الأسبوع الماضي، من أن العدوان الإسرائيلي المتواصل وأوامر الإخلاء المتكررة، تحد من عمليات الإغاثة التي تعيقها بالأساس القيود المفروضة من سلطات الاحتلال وشح الوقود، فيما تسبب العدوان الإسرائيلي في تدمير ما يزيد عن 70% من المباني والمنشآت والأسواق والمصالح التجارية.
ويقول البائع حسن أبو جلالة إن الأسواق تشهد حالة كبيرة من عدم الانضباط، سواء في البضائع والأصناف المعروضة، أو في الأسعار غير المستقرة. ويضيف لـ"العربي الجديد" قائلا إنه "لا آلية خلال العدوان الإسرائيلي للموازنة بين العرض والطلب، أو بين تخزين البضائع وعرضها في اللحظات الصعبة، إذ لا يوجد أصعب من هذه الأيام، سواء على البائع أو على المشتري".
ويشير أبو جلالة في الوقت ذاته إلى أن غياب الرقابة على الأسواق والتجار زاد من حدة الأزمة، ومن حالة البلبلة التي تشهدها الأسواق، والتي تتضاعف مع كل تهديد إسرائيلي لأي منطقة بالإخلاء، حيث "يتهافت الناس على شراء المواد الأساسية، ما يتسبب في نفادها، أو إخفائها من بعض التجار المحتكرين لضمان بيعها بأسعار أعلى".
ويرجع السبب الأساسي للأزمة المتواصلة، والتي تزيد حدتها مع كل عملية تهجير جديدة إلى تعطش الأسواق للبضائع، جراء الإغلاق الإسرائيلي التام للمعابر وعدم السماح بدخول الشاحنات التي تحمل المواد الاستهلاكية والغذائية والأساسية بشكل منتظم، الأمر الذي من شأنه خلق اكتفاء لدى الفلسطينيين حتى في لحظات التوتر.