إمبراطورية فاغنر الاقتصادية: مليارات الدولارات عبر المال مقابل القتال

28 يونيو 2023
زعيم فاغنر خلال مروره في روستوف الروسية (Getty)
+ الخط -

لقبه "الطاهي الخاص لبوتين"، هو قائد قوات مجموعة "فاغنر" العسكرية يفغيني بريغوجين الذي قاد تمرداً عسكرياً مسلحاً ضد سلطة الرئيس فلاديمير بوتين أخيراً، والذي يسيطر على إمبراطورية اقتصادية ضخمة، تبرم عقوداً بملايين الدولارات مع عدد من الحكومات مقابل خدمات عسكرية فيها، وتحصل على مليارات الدولارات من تجارة الظل التي تجد دائماً طريقة للتهرب من العقوبات الغربية المفروضة على المجموعة العسكرية الروسية، وأفرادها وشركاتها.

يشرح موقع فوربس أن دور بريغوجين القوي بدأ في روسيا عندما تم تقديمه إلى بوتين في التسعينيات. أصبح بريغوجين صاحب مطعم، ليُعرف باسم "طاهي بوتين" بسبب عمله في مجال تقديم الطعام الذي حصل على عقود ضخمة مع الحكومة، وسط علاقة وثيقة مع بوتين.

في عام 2014، أسس بريغوجين شركة المرتزقة فاغنر Wagner Group، على الرغم من أنه نفى مراراً وتكراراً رئاسة المجموعة حتى العام الماضي. وساعدت المجموعة، التي تضم جيشاً قوامه أكثر من 25 ألف مقاتل، موسكو خلال ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، وسعت إلى إبرام عقود مع الحكومات الأفريقية لأسباب تجارية وجيوسياسية. كما شاركت المجموعة بشكل كبير في الغزو الروسي لأوكرانيا، بما في ذلك تجنيد السجناء من السجون الروسية للقتال في الحرب.

على مر السنين، بينما كانت المجموعة تكسب ملايين الدولارات، اتُهمت بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل القتل والتعذيب والاغتصاب في العديد من البلدان الأفريقية والشرق أوسطية حيث تتمتع بسيطرة على الموارد الطبيعية.

عرضت مجموعة فاغنر خدمات أمنية لعشرات البلدان الأفريقية والشرق أوسطية الضعيفة التي مزقتها الحروب، كما أن الشركات التي يُزعم أنها مرتبطة بزعيم المجموعة بريغوجين كسبت 250 مليون دولار من شركات خاضعة للعقوبات، وفق تحقيق أجرته "فايننشال تايمز"، ومليارات الدولارات من أنشطة تجارية أخرى.

سيطرة على الموارد

في سورية، يتمحور استخدام المرتزقة حول شركة تدعى Evro Polis، والتي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليها لارتباطها ببريغوجين.

في فبراير/ شباط 2018، حصلت "سي أن أن" على نسخة من عقد بين Evro Polis والحكومة السورية. نصت الاتفاقية على أن إيفرو بوليس يمكنها الاحتفاظ بنسبة 25% من عائدات حقول النفط إذا جرت استعادتها من أراضي "المتمردين". بعبارة أخرى، تقوم فاغنر بالقتال، ويحتفظ إيفرو بوليس بالغنائم.

وبحسب تحقيق لـ "فايننشال تايمز" في فبراير/ شباط الماضي تحت عنوان: "زعيم فاغنر حقق 250 مليون دولار من إمبراطورية خاضعة للعقوبات"، تظهر حسابات Evro Polis أن العقوبات كان لها تأثير محدود على عملياتها، مع استمرار الشركة في عام 2020 بتوليد مبيعات بقيمة 134 مليون دولار، وصافي أرباح 90 مليون دولار.

في جمهورية أفريقيا الوسطى، تشرح "فوربس" أنه في مقابل تقديم مرتزقة لدعم الحكومة ووقف انقلاب السلطة، سرت معلومات أن الشركات المرتبطة بفاغنر تحتفظ بسيطرة كبيرة على تعدين الذهب والماس في البلاد، فضلاً عن حقوق الأعمال الحرجية في الغابات.

في حين تتباين التقديرات، فإن الإيرادات في جمهورية أفريقيا الوسطى كبيرة: تشير برقية دبلوماسية حصلت عليها "بوليتيكو" في وقت سابق من هذا العام إلى أن أرباح فاغنر من التعدين قد تقترب من مليار دولار، وقدر الخبراء أن إيرادات فاغنر المتوقعة من قطع الأخشاب من الغابات وحدها تقترب من مليار دولار، بينما تقدر شبكة "سي بي سي" في تقريرين نشرتهما في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين، الإيرادات المحتملة من منجم نداسيما للذهب الذي تديره فاغنر بالكامل الآن بامتياز تعدين لمدة 25 عاماً، بحوالي 2.7 مليار دولار، وتقول الشبكة إنه يتم نقل الذهب إلى روسيا عبر طائرات شحن. وتم إخبار شبكة سي بي إس نيوز بأن فاغنر تقوم أيضاً بتعدين الماس في جمهورية أفريقيا الوسطى.

تقول "فوربس" إنه في السودان يدير بريغوجين مساعي مماثلة تستهدف حقوق تعدين الذهب من خلال شركة يُزعم أنه يسيطر عليها زعيم فاغنر تسمى M Invest.

وفي مرحلة ما في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، تنازلت الحكومة السودانية عن حقها في امتلاك 30% من شركة تابعة لشركة M Invest، وفقاً لشبكة الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP). وعلى الرغم من أن البشير لم يعد في السلطة، إلا أن شركة M Invest لا تزال تدير مصنعاً سودانياً لمعالجة الذهب، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، والجماعات الروسية مسؤولة عن الجزء الأكبر من سوق التهريب الذي يقدر بحوالي 1.9 مليار دولار.

تشرح "فايننشال تايمز" أن M Invest، والتي أقرت الحكومة الأميركية عقوبات عليها في يوليو/ تموز 2020، حققت مبيعات بلغت 2.6 مليون دولار في 2021. لتجنب العقوبات وإخفاء مواردها المالية، تقول "نيويورك تايمز" في تقرير نشر الاثنين الماضي إنه غالباً ما تطلب مجموعة فاغنر الدفع بالذهب والماس وشحنات النفط والغاز.

وتلفت إلى أن بريغوجين يعتمد أيضاً على شبكة عالمية من محامي الشركات لصد العقوبات الغربية.

عقود في روسيا

تقول "فوربس" إن بداية بريغوجين كانت في صناعة المطاعم في بلده الأم، لذلك بالإضافة إلى عقود المرتزقة الأجانب وحقوق التعدين تحصل الكيانات المرتبطة ببريغوجين على أموال من "عقود الحكومة الروسية المتضخمة"، وفقاً لتقرير حديث للحكومة البريطانية.

تم منح الشركات التي يديرها بريغوجين ما لا يقل عن 3 مليارات دولار من 2011 إلى 2019 في عقود حكومية روسية قالت إنها كانت مخصصة لتقديم الطعام، وفقاً لتقارير Current Time، وهي منفذ إخباري تدعمه الحكومة الأميركية.

قالت فيكتوريا نولاند، نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، للكونغرس في وقت سابق من هذا العام، إن تعدين الذهب في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي "يمول بشكل مباشر القتال الذي يشارك فيه مقاتلو مجموعة فاغنر في أوكرانيا".

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة قلقة بشكل خاص من محاولة المجموعة الوصول إلى النفط الليبي لأنها لا تزال نشطة في البلد إلى جانب مليشيات خليفة حفتر، وتظهر وثائق حكومية أميركية مسربة أن فاغنر مهتمة بالحصول على عقد مع حكومة هايتي أيضاً.

في وقت سابق من هذا العام، صنفت وزارة الخزانة الأميركية مجموعة فاغنر منظمة إجرامية عابرة للحدود، في محاولة لزيادة معاقبة الشركة العسكرية الخاصة والحد من قدرتها على ممارسة الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم. واجهت المجموعة عقوبات أخرى، بما في ذلك بعض العقوبات ضد أفراد الجماعة وكذلك الكيان ككل.

يمكن تجريد الشركات الأجنبية التي تتاجر مع كيانات خاضعة لعقوبات مثل مجموعة Wagner Group من حقوقها في استخدام الدولار أو النظام المالي الأميركي، على الرغم من أن الشركات المرتبطة ببريغوجين أبقت الأعمال على قيد الحياة من خلال شبكة معقدة من الشركات.

وبريغوجين مسؤول أيضاً عن تمويل وكالة أبحاث الإنترنت، وهي "ترول فارم" والتي تم إلقاء اللوم عليها في التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. اعترف بريغوجين في النهاية بالتدخل في الانتخابات بعد أن اتهمه المدعون الفيدراليون في عام 2018. وقال بريغوجين في منشور نقلته "فرانس برس" عن مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2022، "لقد تدخلنا، نقوم بذلك وسنواصل القيام بذلك.

بحذر ودقة، بطريقة موضعية، بطريقة خاصة بنا". وكتب بريغوجين على "تيليغرام"، رداً على مقال نشرته "فايننشال تايمز" حول أنشطته التجارية والتهرب من العقوبات: "أعتبر أي عقوبات ضدي، وضد فاغنر، وكذلك أي كيانات قانونية وأفراد من الاتحاد الروسي، غير قانونية على الإطلاق.

أبصق وسأبصق على أي عقوبات". ورداً على مقال آخر في فايننشال تايمز حول أنشطة فاغنر في أفريقيا، بما في ذلك القتل والدعاية، قال إن المقال كان صحيحاً، لكنه ادعى أنه لم يحقق أرباحاً كبيرة.

المساهمون