إلغاء ضريبة الدخل لم يُفرح فقراء الجزائر: لا يغطي تزايد الغلاء

13 فبراير 2022
زيادة طفيفة لحقت برواتب المتقاعدين (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

قررت الحكومة الجزائرية إلغاء الضريبة على الدخل المطبقة على الأجور التي تقل عن 30 ألف دينار جزائري (214 دولاراً) بدءاً من الشهر الماضي، وهو الإجراء الذي طاول خمسة ملايين مواطن بين موظف ومتقاعد.

إلا أن هذه الخطوة خيبت آمال العمال والمتقاعدين، كون الخصم يعتبر زهيداً ولم يحسن من القدرة الشرائية للعمال والمتقاعدين.

وبكثير من التذمر والحسرة، يتحدث فؤاد حميدان وهو عامل حراسة في أحد المستشفيات الجزائرية عن الزيادة التي مست أجره لشهر يناير/ كانون الأول بعد إعفائه من ضريبة الدخل.

ويقول فؤاد لـ"العربي الجديد" "الزيادة جاءت ضئيلة مقارنة مع غلاء المعيشة، بعد رفع الأجر الأدنى المضمون بألفي دينار السنة الماضية والآن إلغاء الضريبة على الدخل، ارتفع راتبي بين 2500 و3 آلاف دينار (20 دولاراً)، ويشرح أن راتبه أصبح 20 ألف دينار (142 دولاراً)".

ويتابع: "هذه الزيادة ستذهب كمصاريف للحليب والخبز والنقل ولن تحسن من معيشتنا، هذا نصيبنا من أموال النفط، هناك من يأخذ ألفي دينار وهناك من يأخذ مليار دينار، وفق محاكمات الفساد التي انطلقت منذ الحراك الشعبي سنة 2019".

ويلفت إلى أنّ الأجرة الشهرية لا توازي مجهود عمله، ولا تسدّد أسبوعًا واحدًا من التكاليف والحاجيات الضرورية للحياة، فهو أبٌ لطفلة، ويتكفّل بوالديه المسنين، وشقيقه البطّال. ويضيف بأنه يعمل في إطار عقد عمل مؤقّت منذ سنة 2012، وقد تَعود على ممارسة أعمال يومية إضافية، دون الاعتماد على وعود الحكومة.

وأمام أحد مركز البريد في الجزائر العاصمة يمتد طابور طويل، ينتظر فيه محمد جعفر شري،ف وهو موظف إداري في إحدى بلديات وسط العاصمة، ليسحب راتب شهر يناير. يقول محمد لـ "العربي الجديد" إن "لحظة سحب الراتب هي أسوأ اللحظات بالنسبة إليه، لأنه ينتظر قرابة ساعة من الزمن لأخذ مقابل تعب شهر من العمل لا يغطي مصاريف نصف شهرٍ من الإنفاق".

وحول الزيادات التي مسّت أجور العمال بعد الإعفاء من ضريبة الدخل، فوصفها محمد بـ "البقشيش" الذي يريد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون إعطاءه للمواطنين، "فقد حصلت على 1300 دينار وهو مبلغ لا يغطي مصاريف النقل المقدرة بـ 150 ديناراً يومياً، الدينار يتهاوى بسرعة وتتهاوى معه قدرة جيوبنا الشرائية، والأجور تأبى التحرك ومواكبة هذا السقوط الحر".

وإذا كانت نظرة المواطنين من أصحاب الرواتب الضعيفة للزيادة التي مست مداخليهم جاءت بعين غير راضية بالمقارنة مع الضجة الإعلامية التي سبقت إعفاء الرواتب الضعيفة من الضريبة على الدخل، فإن المتتبعين للشأن الاجتماعي الجزائري، يرون فيها بالرغم من انعكاسها المحدود على الأجور، خطوة إيجابية لم يكن أشد المتفائلين يتوقعها في عز الأزمة المالية التي تعصف بالجزائر منذ سنوات.

وفي السياق يقول الخبير في قانون العمل والعمل النقابي نور الدين بودربة إن "إلغاء الضريبة على الدخل بالنسبة لأصحاب الأجور الضعيفة مع رفع قيمة الأجر الوطني الأدنى المضمون السنة الماضية إلى 20 ألف دينار، يعد مكسباً اجتماعياً كان للسلطة الحاكمة شجاعة اتخاذه، باعتباره مطلباً قديماً ومتكرراً في لقاءات الحكومة مع النقابات السابقة، وطُرح على طاولة النقاش منذ سنة 2011، من دون أن يرى النور".

ويضيف أن "هذه الخطوة هي الأولى نحو إقرار العدالة الضريبية في البلاد. إذ لا يُعقل أن تقتطع الضريبة على الدخل مباشرة من راتب العامل، وتترك العملية لأهواء أصحاب الشركات يدفعونها متى يشاؤون، ما رفع حجم التهرب الضريبي إلى قرابة 90 مليار دولار في البلاد حسب أرقام الحكومة". ويوضح بودربة أنه "بعملية حسابية بسيطة نجد أن من راتبه 20 ألف دينار (142 دولاراً) كان يدفع خمس راتبه ضريبة دخل أي 4 آلاف دينار، الذي أصبح اليوم من ضمن راتبه. والزيادة تبقى ضئيلة، لذلك نطالب برفع أكثر للأجر الوطني الأدنى المضمون على الأقل 50 في المائة".

ولم تحدد الحكومة بعد الموارد المالية الكفيلة بتغطية تحسين الأجور، خاصّة في القطاع العمومي.

ويقول الخبير الاقتصادي جمال النور الدين إن "الإعفاء هو قرارٌ سياسيٌّ قبل أن يكون قراراً اقتصادياً، السلطات في الجزائر لا ترى في الأجر أنه سعر العمل مثله مثل سعر أيّة خدمة، أي يخضع للعرض والطلب، ويتحدّد من خلال عقد عمل بين طرفين، بل تراه مُسكِناً اجتماعياً تلجأ إليه كلما أحست بغليان الجبهة الاجتماعية، متجاهلة عجز الخزينة العمومية الذي فاق 30 مليار دولار". ويضيف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "رفع الأجور إن لم تقابله وتيرة تنموية وإنتاج مكثّف للسلع والخدمات، سيسبّب ارتفاعاً في الأسعار، ما يترتب عليه ارتفاع مستوى التضخّم، وبالتالي لا أثر إيجابياً فعلياً يدفع إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطن".

المساهمون