يبحث التونسيون المنهكون بالأزمات المعيشية عن نصيب في سياحة بلادهم التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار الحجوزات مدفوعا بالطلب الخارجي.
وتتوقع تونس هذا العام استقبال نحو 8.5 ملايين سائح أجنبي، في مقارنة مع 9.4 ملايين زاروا البلاد في 2019 قبل الوباء، وفي قفزة كبيرة من 6.4 ملايين سائح زاروا البلاد العام الماضي.
في المقابل يشكو طيف واسع من السياح المحليين، في أحاديث متفرقة مع "العربي الجديد"، من عدم قدرتهم على مجاراة نسق أسعار الحجز في النزل والفنادق في فترة الإجازات الصيفية، ما يشعرهم بالإقصاء من سياحة بلادهم التي لطالما دعمها السوق المحلي في زمن الأزمات.
وعلى امتداد الفترات الصعبة التي عاشتها سياحة تونس شكلت السوق الداخلية الحزام الداعم للقطاع الذي سجل نسب إقبال مهمة من قبل التونسيين ممن منحوا هذه الصناعة جرعة أوكسيجين ساعدت على تخفيف الخسائر التي خلفتها الضربات الإرهابية ثم جائحة كورونا.
في المقابل، يشعر تونسيون هذا العام بالإقصاء وعدم القدرة على مجاراة نسق أسعار الحجز على المنصات التي توفر عروضا للخدمة الفندقية والإيواء السياحي. وتقدر كلفة الإقامة لليلة واحدة لأسرة مكونة من 4 أفراد في فندق من فئة أربعة نجوم، بحسب الشهادات التي جمعتها "العربي الجديد"، ما بين 800 و1000 دينار، أي ما بين 266 و333 دولاراً، بينما يبلغ متوسط الدخل الفردي السنوي للتونسي 5468 دينارا، أي ما يعادل 1822 دولاراً، بحسب أحدث بيانات لمسح أجراه معهد الإحصاء الحكومي عام 2021.
ويقدر رئيس منظمة إرشاد المستهلكين لطفي الرياحي نسبة الزيادة السنوية في الحجوزات في الفنادق التونسية بنحو 25 في المائة، مؤكدا أن الأسعار المعتمدة تجعل السائح المحلي عجلة احتياط يتم اللجوء إليها في زمن الأزمات.
ويقول الرياحي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سياسات تنمية السياحة الداخلية وفق قدرة التونسي على الإنفاق غائبة تماما، وهو ما يسبب إقصاءً آليا للسياح المحليين في مواسم الذروة والسنوات التي تشهد إقبالا من الأسواق الخارجية.
وتدل المؤشرات على موسم جيد مع زيادة في عدد الحجوزات بحسب المهنيين، فيما أعلن البنك المركزي التونسي ارتفاع إيرادات السياحة منذ بداية العام وإلى غاية مايو/ أيار الماضي إلى نحو 1.7 مليار دينار، أي زهاء 550 مليون دولار، بزيادة 57 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي. وارتفعت نسبة الإيواء في الفنادق إلى نسب تزيد عن 90 في المائة في بعض المحافظات الساحلية.
وتقدر مساهمة السوق الداخلية بنحو 27 في المائة من الحجوزات، بحسب بيانات لجامعة وكالات الأسفار، التي تعتبر أن هذه سوق قائمة بذاتها، لكنها سريعة التأثر بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. ويرتبط تحسن مردود السياحة الداخلية بتحسن القدرة الشرائية للتونسيين، غير أن قدرتهم على الإنفاق تراجعت بأكثر من 40 في المائة، وفق البيانات الرسمية، بسبب تنامي البطالة وتأثير التضخم على الرواتب ومداخيل الأسر التي كانت تخصص نحو 7 في المائة من دخلها الشهري للترفيه.
ويقول عضو جامعة وكالات الأسفار ظافر لطيّف لـ"العربي الجديد"، إن أغلب الحجوزات تتم على منصات لا تميز بين السائح المحلي أو الأجنبي، نافياً وجود أي نية لإقصاء السائح المحلي أو استعماله كعجلة خامسة في زمن الأزمات. ويضيف أن غياب البرمجة المسبقة للإجازات يجعل التونسيين يؤخرون الحجوزات إلى مواسم الذروة التي تشهد ارتفاعا في الأسعار .
ويعتبر لطيّف أن الحجوزات في الفنادق تخضع للعرض والطلب، مشددا على ضرورة اكتساب ثقافة البرمجة والحجز المسبق للإجازات الصيفية للتمتع بالتخفيضات والعروض التي توفرها منصات الحجز خارج موسم الذروة.
ويتحدث لطيّف أيضا عن تأثير نقص الغرف المتاحة في رفع الأسعار تزامنا مع عودة قوية مرتقبة للسياح الأجانب، مؤكدا أن 30 في المائة من النزل التونسية لم تفتح أبوابها بعد جائحة كورونا، ما تسبب في هبوط طاقة الإيواء. وساعد تدفق التونسيين على النزل والمنتجعات السياحية في مواسم سابقة على تجنيب النزل خسائر كبيرة عندما هجرها وافدو الأسواق الأجنبية عندما ضرب الإرهاب القطاع في مقتل عام 2015.
وتمكن التونسيون سنة 2015 عقب العمليات الإرهابية التي ضربت متحف باردو والمنتجع السياحي أنبريال بمحافظة سوسة من منح سياحة بلادهم قبلة الحياة بتحدي جميع التهديدات الأمنية ومواصلة التدفق على النزل وترميم الخسائر.
غير أن الأمر اختلف بالنسبة إليهم منذ بدأ الجائحة الصحية في البلاد، حيث تسبب الركود الاقتصادي التاريخي وفقدان الدخول وارتفاع نسبة الفقر لدى التونسيين بتراجع قدرتهم على اغتنام الفرص من سوق السياحة الداخلية.
وتشير آخر الإحصائيات حول الترفيه التي نشرها معهد الإحصاء الحكومي إلى أن المستهلك التونسي يخصص 6.69 في المائة من ميزانيته للترفيه والثقافة، وتشهد هذه النسبة تراجعا منذ سنوات، حيث كانت في مستوى 8.9 في المائة من الميزانية سنة 1985. ويمثل القطاع السياحي في تونس 14 في المائة من الناتج القومي الخام ويوفر نحو 400 ألف موطن شغل.