إصلاح لقانون الإيجارات في بريطانيا يربك 11 مليون مستأجر ويُغضب المُلّاك

24 مايو 2023
سوق الإيجارات يعاني من نقص مزمن في العقارات المتاحة (Getty)
+ الخط -

يشهد سوق الإسكان في بريطانيا توتراً على خلفية مشروع قانون لإصلاح الإيجارات في البلاد. وبينما حلم المستأجرون الذين يقدر عددهم بنحو 11 مليون مستأجر بتعديلات تؤمن لهم السكن اللائق والحماية من الطرد من دون سبب، فإنهم قد يواجهون زيادات في الإيجارات ترهق ميزانياتهم، كما يبدي الملّاك انزعاجهم من مشروع القانون وسط تلويح ببيع الممتلكات والتخلص من صداع التأجير، ما يربك حسابات الحكومة، خصوصاً مع انقسام بين النواب المحافظين على ما جاء فيه.

ويقترح مشروع القانون إلغاء بند معمول به منذ 1988، يتيح للملّاك إجبار المستأجرين على إخلاء العقار من دون سبب بانتهاء مدة العقد، فضلاً عن حث أصحاب العقارات على تطبيق معايير السكن اللائق، وكذلك منعهم هم والوكلاء من رفض تأجير المنازل لأسباب غير مبررة.

وبموجب المشروع، سيُطلب توفير مزيد من المعلومات للمستأجرين عن الممتلكات المؤجرة، بما في ذلك تصنيف شهادة الأداء البيئي وتاريخ الإيجار.

وبينما تبدو هذه التعديلات في صالح المستأجرين من ناحية تحسين الظروف المعيشية وتوفير بيئة سكنية أفضل وأكثر استقراراً لهم، إلّا أن تطبيق معايير السكن اللائق من الممكن أن يؤدي إلى زيادة التكاليف الإيجارية، كما يمكن للملّاك الالتفاف على إلغاء البند 21 في القانون الحالي الخاص بالإخلاء من دون سبب، باللجوء إلى نصوص أخرى تتيح لهم أيضاً طرد المستأجرين في أي وقت، وهو ما جعل مشروع القانون محل تحفظ من قبل مدافعين عن حقوق المستأجرين.

ويقول نشطاء إنّ إصلاح قانون الإيجارات يجب أن يسد الثغرات أمام عمليات الإخلاء غير العادلة، محذرين من خلق "باب خلفي" لهذه الممارسات من قبل الملاك في مشروع القانون المطروح.

ويعزز مشروع القانون حقوق الملاك في طرد المستأجرين بسبب ما وصفه بـ"السلوك المعادي للمجتمع" الذي يصدر عن المستأجرين، ومنها "الإزعاج". وقد يعني ذلك إعطاء المستأجرين فترة إشعار مدتها أسبوعان لعمليات الإخلاء.

ووفق تقرير لصحيفة ذا غارديان كان إجبار المستأجر على إخلاء السكن من دون سبب واضح، ذا تأثير مخيف على المستأجرين، بينما زاد عدد الأسر المستأجرة في إنكلترا بأكثر من الضعفين بين عامي 2001 و2021، وارتفع الطلب على الإيجارات بعد وباء كورونا بنسبة 50% عن متوسط الخمس سنوات السابقة.

وبحسب اتحاد المستأجرين في لندن فإن مشروع القانون "خطوة كبيرة إلى الأمام للمستأجرين الذين أُجبروا على العيش تحت تهديد الإخلاء" من دون سبب لكنه رأى أن التعديلات المقترحة "لن تجلب لنا الأمان في منازلنا" موضحا أنه "يمكن لأصحاب العقارات الالتفاف حول حظر إخلاء السكن بناء على التعديلات المقترحة، باستخدام زيادات كبيرة في الإيجارات وغيرها من الأمور التي تدفع نحو إخلاء السكن "من الباب الخلفي والتي تجبر المستأجرين غير المرغوب فيهم على الخروج".

كما رأت جمعية شيلتر الخيرية المعنية بقضايا الإسكان، أن مشروع القانون نقل المستأجرين "خطوة واحدة أقرب إلى سكن أكثر عدلاً وأماناً" لكنها حذرت من أنه يجب أن يكون مشروع القانون "قوياً قدر الإمكان مع إغلاق كل ثغرة حتى لا يتم إخلاء أي مستأجر بشكل غير عادل".

وعود حكومية متكررة

وتكررت الوعود الحكومية على مدار السنوات الأربع الماضية بإلغاء البند الذي يتيح للمالك طرد المستأجر دون سبب، ومع ذلك جرى إخلاء الآلاف من الأسر بعد إخطار بالطرد بناء على المادة 21 من قانون الإيجارات الحالي. ومن بينهم كيارا داتري، 33 عاماً، وهي معلمة في لندن، والتي جرى إخطارها من المالك بإخلاء السكن في يناير/كانون الثاني الماضي دون أن يصدر عنها خطأ، وذلك بعد شكواها من مشاكل الرطوبة على المدى الطويل ورفضها زيادة الإيجار بنسبة 24% في الشقة المكونة من غرفتي نوم التي تعيش فيها رفقة زوجها وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.

وعلى الرغم من دفع 1250 جنيهاً إسترلينياً شهرياً، عاب الشقة فساد نوافذها الخشبية الذي يسمح بدخول المياه والرطوبة القادمة من قبو مشبع بالمياه في الأسفل وتدخل المياه من خلال طوب الهواء. وجاء مفتشو المحليات أكثر من مرة لمعاينة المشاكل، ولكن لم يتم إصلاح أي شيء، وفي عشية عيد الميلاد، قال وكيل الإيجار إن المالك يريد زيادة الإيجار إلى 1550 جنيهاً إسترلينياً، وفق داتري التي ردت بأنها لن تقبل "بأي زيادة للإيجار حتى يتم معالجة المشكلات" لكن الاتصال التالي الذي تلقته العائلة من المالك كان إشعاراً بالإخلاء وفق البند 21 على حد قولها.

وأضافت وفق صحيفة ذا غارديان: "لقد كان أمراً محزناً ومزعجاً حقاً... ليس لديك حماية كمستأجر هنا. نحن عائلة. لا نريد أن نتحرك كل عام أو عامين. شعرت بظلم كبير بينما ليس هناك أي عواقب بالنسبة لوكيل التأجير أو المالك".

وقالت داتري إنها تخشى ألا يؤدي إلغاء البند الذي يتيح للمالك طرد المستأجر دون سبب إلى إنهاء المشكلة، لافتة إلى أن أصحاب العقارات سيكونون قادرين على التلاعب بالأسباب الأخرى لعمليات الإخلاء، مضيفة أن الإيجارات قصيرة الأجل المستمرة تعني أن أصحاب العقارات يمكنهم استخدام تواريخ التجديد لإجبار الناس على الخروج.

ويشكو الكثير من المستأجرين كذلك كثرة التنقل في مدد قصيرة خصوصاً أنّهم يتحملون رسوماً كبيرة في عمليات النقل، كما يعجزون عن التخطيط للمستقبل، بينما تعاني معظم الأسر من تزايد الأعباء المعيشية نتيجة التضخم المرتفع.

ووفق بيانات صادرة عن منظمة "ويتش؟" خاصة بتتبع إحصاءات المستهلك في وقت سابق من مايو/أيار الجاري، فإن نحو 700 ألف أسرة في المملكة المتحدة تخلفت عن سداد الإيجار أو الرهن العقاري الشهر الماضي.

وبشكل عام، هناك ما يقدر بنحو مليوني أسرة تخلفت عن سداد رهن عقاري واحد أو إيجار أو قرض أو بطاقة ائتمان أو سداد فاتورة واحدة على الأقل في إبريل/نيسان. وتشير البيانات إلى استمرار الضغوط المعيشية وإن كانت أقل حدة من مارس/آذار الذي تخلفت خلاله 2.5 مليون أسرة عن السداد.

وفي مقابل اعتراضات المستأجرين على مشروع إصلاحات قانون الإيجارات يبدى الملّاك أيضاً تحفظاً على مصادرة حقوقهم في مطالبة المستأجر بإخلاء العقار، إذ تتزايد النزعة بين الملّاك إلى تقليص ما بحوزتهم من عقارات مؤخراً، تفادياً لمشاكلها والضرائب المرتفعة التي يتحملونها.

ويشير أحدث استطلاع للرأي أجرته شركة الاستشارات البحثية BVA-BDRC إلى أنه خلال الربع الأول من عام 2023، أعرب 33% من الملاك في إنكلترا وويلز عن خططهم لتقليل عدد العقارات التي يؤجرونها حالياً. ويعد هذا الرقم قياسياً إذ يتجاوز بكثير نسبة الـ 20% من الملاك الذين أعربوا عن نوايا مماثلة في الربع الأول من العام الماضي 2022.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يأتي هذا في الوقت الذي أظهر مسح أجراه المعهد الملكي للمسّاحين القانونيين (RICS) لشهر إبريل/ نيسان الماضي، أن سوق الإيجار يعاني من نقص مزمن في العقارات المتاحة، حيث يستمر عدم التوازن بين العرض والطلب في فرض ضغط تصاعدي على قيم الإيجارات.

طلب متزايد على الإيجارات

ويلفت المسح إلى أن طلب المستأجرين زاد في الأشهر الثلاثة حتى إبريل/ نيسان، بنسبة 41%، بينما يفكر 10% فقط من الملاك الآن في زيادة عدد العقارات التي يؤجرونها، مما يشير إلى تحول ملحوظ في إستراتيجيتهم الاستثمارية.

ووفق دراسة أجرتها الجمعية الوطنية لمالكي العقارات السكنية (NRLA)، أقر 67% من الملاك بارتفاع الطلب من المستأجرين المحتملين. والجدير بالذكر أنه في كل منطقة من مناطق إنكلترا وويلز، أبلغ أكثر من 70% من الملاك عن زيادة في الطلب، وسجل شرقي إنكلترا أعلى المستويات.

وسط هذا الموقف المقلق، تحذر الجمعية الوطنية لمالكي العقارات السكنية، من أن أزمة العرض في سوق الإيجارات ستشتد في حال عدم تدخل الحكومة، داعية إلى إجراء مراجعة شاملة لتأثير الزيادات الضريبية على القطاع ووضع سياسات جديدة تعزز النمو والاستثمار.

في هذا السياق، يؤكد بن بيدل، الرئيس التنفيذي للجمعية الوطنية لمالكي العقارات السكنية ضرورة تراجع الحكومة عن الزيادات الضريبية التي فرضتها على القطاع، لأنها أدت إلى إثناء الملاك عن توفير المنازل الأساسية التي يحتاجها المستأجرون بشدة، لافتا إلى أن أزمة العرض وغياب الإصلاحات الضرورية، سيؤديان إلى تدهور الوضع في العام المقبل.

ويبدو أن الاعتراض على ما جاء في مشروع قانون إصلاح الإيجارات لم يقتصر على المستأجرين والملاك، وإنما أعرب عدد كبير من نواب حزب المحافظين اعتراضهم، وفق تقرير لصحيفة "آي" البريطانية في الأسبوع الأول من مايو/أيار، باعتبار أن لهم مصالح خاصة بصفتهم أصحاب عقارات سكنية، فيما يشكل مقترح إلغاء مادة في القانون الحالي تجبر المستأجر على إخلاء الوحدة بنهاية مدة العقد دون أسباب.

ويثير إلغاء هذا البند مخاوف النواب كونها تؤثر بشكل مباشر على ممتلكاتهم المؤجرة، وفق الصحيفة، مبررين معارضتهم بخوفهم من فقدان القدرة على إخلاء المستأجرين بسرعة من دون تقديم أسباب محددة. وأدى تضارب المصالح هذا إلى إثارة التساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء مقاومتهم لمشروع القانون وزاد من حدة الجدل الدائر حول التوازن بين مصالح المالك والمستأجر.

المساهمون