إحالة ملف حقوق السحب الخاصة إلى القضاء المالي اللبناني: صرفٌ مخالفٌ للقانون

02 أكتوبر 2023
رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان (العربي الجديد)
+ الخط -

قرّرت لجنة المال والموازنة البرلمانية في لبنان برئاسة النائب إبراهيم كنعان، اليوم الاثنين، إحالة ملف حقوق السحب الخاصة إلى القضاء المالي - ديوان المحاسبة، لكون صرف الأموال من الحكومة جرى بشكل مخالف للقانون، لأنها لم تأتِ إلى مجلس النواب ولم تحصل على موافقته.

وبتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت وزارة المالية اللبنانية أنها تلقّت حصّتها من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي وبلغت 1.139 مليار دولار وأودعتها حسابها لدى البنك المركزي، مع وعودٍ رسمية باستخدامها بطريقة شفافة وللضرورات الملحّة، وعدم المسّ بها إلا وفقاً لخطة متكاملة تساعد البلاد على الخروج من أزمتها، ولمشاريع أساسية يحتاجها لبنان، لا تحتمل التأجيل، ويؤثر توقفها على مرافق الدولة، على رأسها الكهرباء.

واعتبر صندوق النقد الدولي أنه "من المهم أن تساعد مخصّصات حقوق السحب الخاصة الجديدة على إعادة بناء احتياطيات مصرف لبنان التي استُنفِدت، وأن يتم أي استخدام لهذه المخصصات بصورة شفافة ومسؤولة تدعم التعديلات والإصلاحات اللازمة على مستوى الاقتصاد الكلّي".

وعلى الرغم من انتشار العديد من المعلومات والمقالات منذ نحو عامين تفيد بإنفاق نسبة كبيرة من الأموال، وإهدارها على قضايا عدّة قد لا تتّسم كلّها بصفة العجلة والضرورة القصوى، بيد أنّ استخدام حقوق السحب بقي مستمرّاً من دون أي تحرّك جدّي للتدقيق فيه، وذلك في وقتٍ تبيّن، اليوم، أنه لم يتبقَّ من المبلغ الذي حصل عليه لبنان سوى 76 مليون دولار.

وعقدت لجنة المال والموازنة اليوم الاثنين جلسة برئاسة كنعان وحضور وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل والنائب الثاني لحاكم مصرف لبنان بشير يقظان، لمتابعة موضوع إنفاق حقوق السحب الخاصة ومناقشة السند القانوني الذي اتبعته الحكومة لهذا الإنفاق.

وتبيّن بحسب ما تسرّب عن الجلسة، وتبعاً لتقرير وزير المال في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، أنّه لم يتبقَّ من أموال حقوق السحب الخاصة سوى نحو 76 مليون دولار من أصل مبلغ 1.139 مليار دولار.

وجرى الصرف على الشكل الآتي بحسب ما ورد إلى "العربي الجديد":

  • استيراد الدواء: 478 مليون دولار أي 44.98%
  • مستحقات القروض: 163 مليون دولار أي 15.38%
  • عقود صيانة معامل الكهرباء: 162 مليون دولار أي 15.25%
  • استيراد القمح: 134 مليون دولار أي 12.61%
  • شراء محروقات: 69 مليون دولار أي 6.53%
  • رسوم حقوق السحب الخاصة: 34 مليون دولار أي 3.29%
  • مستلزمات جوازات السفر: 13 مليون دولار أي 1.25%
  • نفقات لأشغال عامة: 7 ملايين دولار أي 0.66%
  • رسوم قانونية مستحَقَّة لوزارة العدل: 683 ألف دولار أي 0.06%
  • مجموع الانفاق: 1.063 مليار دولار.

وأعلن كنعان بعد الجلسة قرار لجنة المال إحالة الملف إلى القضاء المالي - ديوان المحاسبة، بعد اكتمال المستندات المطلوبة من مصرف لبنان ووزارة المال، وأن يكون للهيئة العامة موقف، وذلك على خلفية مخالفتين:

  • المخالفة الأولى، الصرف من دون رقابة ومن دون العودة إلى مجلس النواب، وبمخالفة لمبدأ الشمولية الذي تنص عليه المادة 83 من الدستور، أي إما من خلال الموازنة أو اعتماد إضافي أو اعتماد استثنائي، وهو ما لم يتم.
  • المخالفة الثانية تمثلت بفتح اعتمادات خاصة في مصرف لبنان.

وقال كنعان إن "مشكلتنا مع الحكومات المتعاقبة كانت في لجنة المال بهذا النوع من المخالفات، والتي أدت، على سبيل المثال، إلى تطيير الهبات بقيمة 5 مليارات دولار منذ العام 1993 وحتى الـ2013"، مشيراً إلى أنه "لا يحق لمصرف لبنان والحكومة فتح حسابات خاصة لا تمرّ بالخزينة بمخالفة واضحة للمادة 242 من قانون المحاسبة العمومية".

وأضاف كنعان: "سألنا عن كيفية الصرف، وقد أشار وزير المال إلى أن ذلك جرى بقرارات من مجلس الوزراء أو من خلال كتب ترد من رئيس الحكومة، وهو ما يعد مخالفة، لأن كل صرف بحاجة لقانون، وليس هناك من إنفاق من دون إجازة تأتي من مجلس النواب، وهو ما لم يحصل".

وتابع: "جرى طرح الملف منذ ديسمبر/ كانون الأول 2022، عند بدء الحديث عن إنفاق يتم لهذه الأموال. وقد عقدنا جلستين للجنة المال في هذا الخصوص، بالإضافة إلى لجان مشتركة، وقد طالبنا بجداول، والسند القانوني كان غائباً دائماً".

وقال أيضاً: "طلبنا مجموعة من المستندات والمراسلات التي تحدّث عنها ممثل مصرف لبنان، النائب الثاني للحاكم بشير يقظان، بين المصرف المركزي والحكومة ووزارة المال، والتي كان يجرى من خلالها السؤال عن الخطة التي يجب اعتمادها ووفق أي أولويات".

وأكد كنعان أن "الاتجاه هو لتحديد مسؤوليات، واعطاء رسالة للسلطة التنفيذية وللحكومات المقبلة بعدم إمكان الاستمرار على هذا المنوال"، مشدداً على أن "هذه الرقابة البرلمانية هي خارج السياسة، وعملنا معروف في لجنة المال، بعدم الذهاب يوماً بخلفيات سياسية، بل قانونية ووطنية، لمصلحة البلاد وانتظام الشأن المالي وفقاً للقوانين والدستور".

وتقدّم 11 نائباً في البرلمان اللبناني بطلب لكلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لإفادتهم ببيان جدول تفصيلي عن الأموال التي أنفقت من حساب حقوق السحب الخاصة، وقيمة تلك الأموال، ولأي غاية أنفِقَت، وبموجب أي قرار حكومي وتاريخه، كما ببيان رصيد تلك الأموال.

وقال النائب إبراهيم منيمنة، أحد النواب الذين تقدّموا بالطلب، لـ"العربي الجديد"، إن الأموال للأسف صُرفت بشكل غير قانوني وغير شفاف ومن دون أي رؤية، وعلى طريقة النهج نفسه الذي تعتمده الطبقة السياسية في إدارة الدولة وجميع الملفات والمشاريع، بلا أي حسيب أو رقيب.

وأسف منيمنة لأن اجتماع لجنة المال والتحرّك الذي حصل اليوم أتى بعدما صُرِفت الأموال ولم يتبقَّ منها سوى 76 مليون دولار، بينما كان يُفترَض متابعة مسار الصرف والإنفاق منذ بداية الطريق.

وأوضح منيمنة لـ"العربي الجديد" أن 45% مثلاً صُرِفت فقط على الأدوية، وكلّنا يعلم النهج المتّبع في سياسة الدعم، التي لا يستفيد منها المواطن اللبناني إلا بنسبة ضئيلة جداً، وهو حتى اليوم عاجز عن الوصول إلى جميع الأدوية، ولا سيما منها المستعصية والسرطانية، والأمر نفسه ينطبق على بقية الملفات التي صرفت عليها الأموال، بينما كان بالإمكان الاستفادة منها وإحداث نقلة في الوضع الاقتصادي اللبناني.

كما لفت إلى أننا "عندما سألنا وزير المال عن كيفية الصرف، قال لنا في الجلسة إن ذلك يجرى بقرارات من مجلس الوزراء أو من خلال كتب ترد من رئيس الحكومة، فهل يعقل أن يُعطى لرئيس الحكومة الحق باتخاذ قرار بالصرف من دون أي حسيب أو رقيب؟".

في المقابل، يقول منيمنة: "إننا نعوّل على ديوان المحاسبة، الذي يبدو نشيطاً في الفترة الأخيرة في ملاحقة الملفات وتسمية الأمور بأسمائها، ونتمنى أن يتبع الوضوح نفسه والشفافية ذاتها في الملف الراهن".

وفي منتصف سبتمبر الماضي، قال صندوق النقد، في بيان، إن لبنان لم يقم بالإصلاحات الضرورية المطلوبة بشكل عاجل، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات قادمة، معتبراً أن "الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، ولكن حاسمة، لإطلاق الإصلاحات، يترك لبنان أمام قطاع مصرفي ضعيف، وخدمات عامة غير كافية، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، واتساع أكبر لفجوة الدخل".

وأنشأ الصندوق حقوق السحب الخاصة في عام 1969 لتكون أصلاً احتياطياً دولياً تكميلياً، حين كانت أسعار صرف العملات مرتبطة بسعر الذهب، وكان الدولار الأميركي هو الأصل الاحتياطي الدولي الرائد، وكان الصندوق يُعرّف حق السحب الخاص بأنه يعادل مقداراً ضئيلاً من الذهب الخالص، وهو ما يعادل دولاراً اميركياً واحداً.

وعلى أثر انتهاء العمل بنظام سعر الصرف الثابت في 1973، أعاد الصندوق تعريف حق السحب الخاص بأنه يعادل قيمة سلة من العملات العالمية، وحق السحب الخاص بحد ذاته ليس عملة وإنما هو أصل يمكن لحائزيه مبادلته بعملة عند الحاجة، ويستخدم حق السحب الخاص كوحدة حساب في الصندوق وفي منظمات دولية أخرى.

وسبق أن أعلن الصندوق استعداده لمساعدة لبنان وشعبه على تجاوز أزمته الاقتصادية غير المسبوقة التي ضربت البلاد منذ أواخر عام 2019، لكن بشرط القيام بجملة إصلاحات شاملة وضرورية، الأمر الذي لم يحصل لغاية اليوم، ويحول دون إتمام الاتفاق النهائي بين الجانبين.

ومن أبرز توصيات الصندوق للبنان، إرساء نظام موثوق للنقد والصرف، يرتكز على توحيد أسعار الصرف المتعددة وتصاحبه قيود رسمية مؤقتة على رأس المال، مع إجراء إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي، تبدأ بالاعتراف مقدماً بخسائر البنوك الخاصة ومصرف لبنان، مع مراعاة تأمين الحماية لصغار المودعين.

إلى جانب ذلك، يتعين تنفيذ استراتيجية للمالية العامة تجمع بين إعادة الهيكلة العميقة للدين واجراء إصلاحات تعيد المصداقية وتحقق الوضوح الكافي للتنبؤ بالمسار، وتكفل شفافية إطار المالية العامة، مع توسيع شبكة الأمان الاجتماعي الضرورية لحماية الفئات الأشدّ ضعفاً.

وتجدر الإشارة إلى أن آخر زيارة لبعثة صندوق النقد إلى بيروت، الشهر الماضي، لم تكن إيجابية، وقد خرجت عن اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين أجواء غير تفاؤلية، ذهب بعضها إلى حدّ نعي الاتفاق

قد أكد كنعان ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان رفض أي مقاربة تضع خطاً بين الماضي واليوم، وأصرّا على المحاسبة ومعالجة الودائع.

المساهمون