استمع إلى الملخص
- **التقسيم كحل محتمل**: دعم بعض الدول لقوات الدعم السريع يجعل التقسيم حلاً محتملاً لترضية الأطراف المتنازعة، رغم خطورته وآثاره السلبية على السودان والمنطقة.
- **التداعيات الاقتصادية والاجتماعية**: الحرب أدت إلى نزوح ملايين السودانيين وتدمير الاقتصاد، مما زاد من التضخم والفقر، مع احتمالية تقسيم السودان إلى دول صغيرة.
باءت مفاوضات السودان التي دعت إليها الولايات المتحدة في سويسرا بالفشل وزادت مخاطر استمرار الحرب ومآسي السودانيين، إثر غياب "الوفد الحكومي" ورفض رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مشاركة الإمارات الحاضرة إلى جانب مصر والسعودية والاتحاد الأفريقي، والدخول بمفاوضات مع قوات الدعم السريع إلا باسم الحكومة.
ومع التلويح بتشكيل حكومة حرب هنا، واستمرار دعم بعض الدول "المستفيدة" قوات الدعم السريع هناك، بات أسهل وأقصر طرق النقاش حول جرائم السودان الممتدة منذ عام ونيف القول: حرب ستنتهي بالتقسيم. إذ وعلى خطورة ووجع هذه النتيجة وآثارها على السودان وربما غيره بالإقليم، غداً التقسيم حلاً لترضية الأطراف المتنازعة، جغرافياً واقتصادياً، سيكون شراً لا بد منه، ليس لوقف شلالات الدم واستنزاف الثروات والبشر، بل ليسير قطار تفتيت البلاد العربية ويغدو اقتطاع الجغرافيا الحل الوحيد لوقف الحروب، وتتبدى أكثر ملامح مشروع برنارد لويس عرّاب مشروع تقسيم الشرق الأوسط، وتدمير الثقافة والهوية.
الوضع مختلف في السودان
وربما الخطر على السودان غيره على سورية وحتى اليمن وليبيا، المؤجلة أدوارها، لأن السودان صاحب تجربة سابقة بحل التقسيم لوقف النزاع، إذ لم يغب عن الذاكرة بعد، حينما جاء فصل السودان، لشمالي وجنوبي، حلا للتمرد في النصف الثاني من القرن الماضي، على يد "أنانيا" ومن ثم "الحركة الشعبية"، قبل أن ينفصل جنوب السودان في يوليو/تموز عام 2011 بدعم أوروبي على اعتبار روحي مسيحي.
والتاريخ يعيد نفسه، وإن بملامح مختلفة تلوح بالأفق اليوم، بواقع تلكؤ العالم عن إيجاد حل يوقف المقتلة وتدمير بنى وهياكل السودان، بل تسعى دول عدة، منها عربية للأسف، إلى إذكاء الخلاف ومد "التدخل السريع" بجميع مستلزمات القتل والتهديم، حتى غدا المشهد أبعد من الطمع بمناجم الذهب واليورانيوم أو حتى إفشال أي تطلع تحرري وخوف من تمدد حلم الشباب العربي للبلاد الغنية المضطهدة. وغدا سكان البلد العربي الأغنى يعانون من جميع أشكال الحرمان والتجويع والتهجير، لتفوق نسبة الفقر 90%، بعد أن تراجعت موارد الدولة بنحو 85% واقتربت الخسائر التقديرية من نحو 200 مليار دولار.
قصارى القول: أكلت الحرب الطاحنة منذ منتصف إبريل/نيسان العام الماضي أصولاً تجاوزت 500 مليار وبات نصف سكان السودان بين نازح ومهاجر. أكلت حاضر السودان وزادت الشكوك بمستقبله ووحدة أراضيه، بعد أن ألغت، فيما ألغت، مقولات واحد من أكبر ثلاث بلدان في أفريقيا وأحد أهم بلدان العالم، بوفرة المياه والأراضي الزراعية، نحو 16,900,000 هكتار، وبات من يصح فيه قول" خزان غذائي عالمي" بمواقع الأكثر فقرا وجوعا وتهجيراً.
وبعد أن تراجعت موارد الدولة إلى الحدود الدنيا، منخفضةً بنسبة 85%، والصادرات بأكثر من 60% وتراجع إنتاج النفط إلى نحو خمسة آلاف برميل، وبعد أن تهدم أكثر من ألف منشأة تعمل في مجالات الصناعة والتجارة والغذاء والدواء، تراجع الإنتاج الزراعي، ليقل العرض وترتفع الأسعار ويزيد التضخم عن 140% العام الماضي، وذلك كله بالتوازي مع عجز الدولة عن منح الأجور، بسبب تراجع الموارد وشح السيولة، بعد نهب الأموال التي بلغت نسبتها 38% من مصارف العاصمة الخرطوم فقط.
لتكون الطامة، بعد الموت والأمراض، بالنزوح الداخلي الذي بلغ مذ بداية الحرب عشرة ملايين، والهجرة إلى الخارج نحو 12 مليون، ما يؤشر إلى كوارث قد لا تنتهي، حتى ولو توقفت الحرب، لأن أمراض الفقر والتهجير ووقف التعليم طويلة التعافي إن ترافقت مع تدمير رأس المال البشري وقدرة الدولة، فماذا لو أضيف إليها تنامي الحالات الثأرية وتكريس نمط نقل القناعات عبر فوهة المدافع واقتصار الحلول على اقتسام كعكة الجغرافيا.
نهاية القول: الأرجح أن مقولة "إذا لم نقضِ على الحرب فستقضي علينا" هي نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر يكمن في معرفة طريقة إيقاف الحرب أو القضاء عليها. فالتلميح للقضاء على الحرب عبر القضاء على دولة 1956 "عام استقلال السودان" وما يشاع من تكريس الاستقلال لحكم الشمال وتحكمه ببقية الولايات، مصيدة لتنامي وتبرير النزعة الانفصالية التي تأخذ منحى تصاعدياً، ربما يغذى من اللقاءات المرعية من دول الشمال الديمقراطي أو عبر مؤتمرات "نيروبي وأديس أبابا" أو حتى مؤتمرات ترعاها دول كبرى بمشاركة دول شقيقة تغذي أطراف الحرب وتكرس النزاع وربما التقسيم.
كما أن الحديث عن "خطة مارشال" لإعادة الإعمار مناطقياً، وجذب رساميل أو منح قروض لولايات بعينها، سيعزز طروحات الدول الأربعة "جنوب السودان، دارفور الكبرى، دولة البجا في الشرق، ودولة شمال السودان"، وهو ما قد يكون الأولى بالتنبه لخطورته عربياً، لأن تشريع سنة تقسيم الجغرافيا لوقف الحرب وحل مشاكل السياسة، وإن أعيدت ثانية بالسودان، فإنما ستفتت ثرواته وتزيد كوارثه، فضلاً عن احتمال سحب التجربة إلى المنطقة العربية، ودول الربيع خاصة، لإلزامها هاتيك السنة بوقف آمال التغيير الثورية بعد حرف مطالب الشعوب لحروب أهلية، والتي كانت بعض الدول بطريقها لحلول مشروع "برنارد لويس" لولا حرب غزة وإرجائها، ضمن ما أفشلت، حلول وخطط، أفقعها ربما، التقسيم والهرولة للتطبيع.