أوروبا العجوز تحت رحمة الشتاء وجنون أسعار الطاقة

20 ديسمبر 2021
موقع لإنتاج الغاز تابع لشركة غازبروم الروسية (Getty)
+ الخط -

أضحت القارة الأوروبية العجوز تحت رحمة الشتاء وجنون أسعار الطاقة، التي صعدت إلى مستويات قياسية جديدة خلال الأيام الأخيرة، نتيجة التأثير الناجم عن الانقطاعات غير المتوقعة في مصادر الكهرباء النووية في فرنسا، والتراجع المثير للقلق في المخزونات بكافة أنحاء القارة.

ورغم قرار روسيا ضخ إمدادات في السوق، نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن الأسعار لا تزال تسجل مستويات مرتفعة بطريقة مذهلة، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

حالة استعداد قصوى لبوادر البرد

وبات المشترون والبائعون في الوقت الحالي، في حالة استعداد قصوى لبوادر البرد، والتي ربما قد تؤدي بالأسعار إلى انهيار شامل، بحسب ما ذكره جان بول هاريمان، الذي يعمل محللا في شركة الأبحاث "إنابسياس".

يزيد كل هذا من النظرة غير المستقرة بالنسبة للاقتصادات الأوروبية والمستهلكين في ظل تجدد تفشي وباء كورونا مرة ثانية، كما تشعر الدول بالقلق بطريقة متنامية إزاء روسيا والجغرافيا السياسية.

ومع حلول منتصف يناير/كانون الثاني المقبل، سيكون تفشي سلالة "أوميكرون" المتحورة من كورونا، سائدا على الأرجح في كافة أنحاء أوروبا، وربما يسفر ذلك عن حدوث عمليات إغلاق يفرضها الأمر الواقع، في حين لا يتوافر لدى الشركات الموظفون اللازمون من أجل مواصلة العمل كما هو معتاد.

 
شهرا يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط يشهدان عادة بلوغ ذروة استهلاك الغاز خلال فترة البرودة

سيسفر صعود أسعار الطاقة عن تعزيز التضخم وإجبار القطاعات المتعطشة للغاز على خفض عمليات الإنتاج. وفي حال كان الطقس باردا أيضا، فربما سيصبح تدوير عمليات انقطاع التيار الكهربائي بمثابة المرحلة الأخيرة.

ووفق شركة توقعات الطقس "ماكسار تكنولوجيز"، فإن من المنتظر أن تشهد الفترة المتبقية من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري درجة برودة أكثر من المعتاد، وسيتواصل ذلك حتى شهر يناير/كانون الثاني، في ظل تسجيل الطقس لدرجات حرارة أقل من المتوسط خلال أول أسبوعين من الشهر.

طاقة
التحديثات الحية

وشهدت الأسعار فعلا ارتفاعات لمستويات قياسية في كل من فرنسا وألمانيا، بينما لا يمكن للطقس المعتدل إلى حد ما بجانب الطلب أن يختبر حدود النظام. ومن المعتاد أن يشهد يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط مستويات الذروة من الاستهلاك حيث يكون الطقس باردا.

ويرى المحللون أن ذلك الأمر لا يحتاج إلى تكرار ما حدث مع العاصفة الجليدية المعروفة باسم "وحش من الشرق" خلال فبراير/شباط 2018، لكي يحدث انهيار في السوق خلال العام الجاري، بل إن مجرد الانخفاض لدرجات قليلة عن المعدل الطبيعي سيكون كافيا لذلك.

إنتاج باهظ التكلفة

بينما من المحتمل أن تكون هناك سعة إنتاجية كافية في الوقت الحالي، وإن كان ذلك بأثمان باهظة، إلا أنه من المنتظر نضوب ذلك بسرعة أعلى، مقارنة بالسنوات السابقة، بحسب هانس كونيغ، رئيس المشروعات المكلف لدى شركة "أورورا إنيرجي ريسيرش".

وقال كونيغ: "سيزداد استخدام الغاز لدينا، ومن الممكن أن يصبح ذلك بمثابة معضلة مع اقتراب نهاية فصل الشتاء عند نفاد المخزون من الغاز".

 أسعار الغاز تصل إلى مستويات قياسية جديدة، نتيجة الانقطاعات في مصادر الكهرباء النووية بفرنسا وتراجع المخزونات

من الممكن أن تسهم عمليات فرض القيود الخاصة بكورونا واسعة الانتشار، حيث يجري إغلاق الأعمال التجارية وشركات التصنيع، في التخفيف من العجز في الطاقة عبر الحد من استهلاك الكهرباء.

وشهدت ذروة عمليات الإغلاق خلال سنة 2020 تراجعا في الطلب على الكهرباء بنسبة بلغت حوالي 20% في مناطق من أوروبا.

في هذه الأثناء، بدأت القطاعات الصناعية تشعر بوجود ضغوط، حيث ستقوم شركة "نيارستار"، وهي شركة رائدة عالميا في مجال إنتاج الزنك ومملوكة لمجموعة "ترافيغورا"، بوقف عمليات الإنتاج في مصهر في فرنسا خلال الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، نتيجة صعود أسعار الكهرباء.

يعد ذلك الاتجاه مضرا بالقدرة التنافسية للشركات الفرنسية، بحسب مجموعة "يونيدين" التجارية التي تمثل الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.

يوجد أيضا تأثير واسع لصعود أسعار الطاقة، حيث يتوقع البنك المركزي الأوروبي، أن يصل معدل التضخم إلى 3.2% خلال سنة 2022 في ظل تحقيق ثلثي هذا الارتفاع بسبب الزيادة في أسعار الطاقة، وفي بريطانيا، كان التضخم وراء صدور قرار زيادة أسعار الفائدة بطريقة مفاجئة لأول مرة منذ 3 أعوام في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وسيجري وقف حوالي ثلث الطاقة النووية الفرنسية مع مطلع الشهر المقبل. وفي المعتاد، تقوم البلاد بتصدير الكهرباء في أوقات الذروة إلى الدول المجاورة، لكنها في الوقت الحالي ستكون بحاجة إلى الاستيراد، وهو ما سيسفر عنه صعود في الأسعار في كافة الأنحاء.

كذلك يؤدي تفشي الجائحة إلى تعطل أعمال الصيانة. كما سيجري إغلاق ثلاث محطات للطاقة النووية في ألمانيا بحلول نهاية العام الجاري، وبالتالي لن تكون متوافرة خلال الفترة الأكثر برودة من فصل الشتاء.

قادة أوروبا يناقشون أزمة نقص الطاقة

وعقد قادة الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، اجتماعهم في بروكسل من أجل مناقشة أزمة النقص في الطاقة، وسبل تصدي التكتل الأوروبي للجائحة وقيام روسيا بتدعيم قواتها بالقرب من حدود أوكرانيا، وهي دولة مهمة من أجل نقل إمدادات الغاز.

من المحتمل أن يسفر تصاعد التوترات بين كييف وموسكو عن تدهور أزمة نقص الطاقة، مع وجود احتمالية لتقليص شحنات الغاز الروسي أو وقفها نهائيا في حالة حدوث الغزو.

وربما يسفر النزاع أيضا عن تأجيل بدء تشغيل خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل، والذي يربط بين روسيا وألمانيا، وعانى فعليا جراء التأجيل مرات متكررة.

بينما كانت أسعار الغاز، قد هدأت الجمعة، بعدما حجزت شركة "غازبروم" الروسية العملاقة مساحة من خط الأنابيب من خلال مزاد من أجل تسليم غاز الغرب عبر بولندا في اللحظة الأخيرة، بعدما لمّحت في السابق إلى أنها لن تقوم بذلك. لكن المضاربين غير واثقين من استراتيجية التوريد الروسية التي ستتأثر بالتوترات السياسية.

 سيجري وقف حوالي ثلث الطاقة النووية الفرنسية مع مطلع الشهر المقبل، بينما في المعتاد تقوم البلاد بتصدير الكهرباء في أوقات الذروة إلى الدول المجاورة

فعليا، ينصب الاهتمام على الشتاء القادم. في حال بقيت صادرات الغاز الروسي عند المستويات الراهنة، فستنخفض المخزونات في مواقع التخزين في أوروبا بنحو 15% في نهاية مارس/ آذار القادم، وهو المستوى الأدنى، على الإطلاق، بحسب شركة الاستشارات "وود ماكينزي"، وذلك مع افتراض وجود أحوال جوية في حالتها الطبيعية.

وقال ناثان بايبر، رئيس أبحاث النفط والغاز في شركة "إنفستيك بنك": "لدينا اعتقاد بأنه يوجد احتمال مرتفع لأسعار تمتد لزمن طويل وفي مستويات أعلى خلال فصل الشتاء، مع تأثيرات لاحقة ربما قد تمتد لفترة زمنية في ما بعد العامين القادمين".

المساهمون