استمع إلى الملخص
- تأثرت أوروبا بشدة بنقص الغاز الروسي بعد حرب أوكرانيا 2022 وفرض العقوبات، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار رغم استمرار التصدير حتى نهاية 2024.
- تواجه أوروبا تحديات في تأمين بدائل للغاز الروسي، بينما تستفيد تركيا من الأزمة، وتتكبد أوكرانيا خسائر مالية بسبب توقف رسوم مرور الغاز.
طوال ما يقرب من نصف قرن، كانت روسيا تزود أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، كان تدفق هذا الغاز أمر حيوي لدول القارة، حيث يتم استخدامه في توليد الطاقة وإنتاج الكهرباء، وفي التدفئة والطهي على نطاق واسع، ويتم توجيه كميات ضخمة منه للقطاع الصناعي الذي يحتاج إلى طاقة نظيفة وقليلة الكلفة، مع استخدام الغاز أيضاً في إنتاج المواد الكيميائية الرئيسية المستخدمة في تصنيع الأسمدة والبلاستيك.
ويوماً بعد يوم زاد اعتماد أوروبا على الوقود الأزرق لأسباب مادية، فالحصول عليه كان سهلا بسبب توافره بكميات ضخمة، خاصة من روسيا وغيرها، ولأسباب بيئية حيث تنبعث من الغاز كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى مقارنة بالفحم، كما يمكن تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز أو إيقاف التشغيل بسهولة، وهو ما يسمح بمرونة أكبر في التعامل مع ذروة الطلب أو انخفاض العرض من مصادر أخرى.
لكن منذ اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 باتت أوروبا مهددة بسبب نقص تدفق الغاز الطبيعي المسال ومشتقات الطاقة من الخارج، فالقارة أرادت معاقبة روسيا على قرار الغزو عبر فرض عقوبات شديدة على قطاعات اقتصادية عدة منها النفط والغاز، لكن لم تجرؤ المفوضية الأوروبية على فرض حظر كامل على واردات الغاز الروسي، والتي ارتفعت منذ بداية الحرب.
قطع الغاز يعني دخول أوروبا في ظلام دامس، وتوقف قطاعها الصناعي عن الإنتاج، وحدوث ارتفاعات مؤلمة في أسعار الطاقة وفواتير الكهرباء
فقطع الغاز يعني دخول أوروبا في ظلام دامس، وتوقف قطاعها الصناعي والاقتصادي عن الإنتاج، وحدوث ارتفاعات مؤلمة في أسعار الطاقة وفواتير الكهرباء والمياه. ورغم التحرشات الأوروبية بموسكو على مدى ما يقرب من ثلاثة أعوام، إلا أن روسيا واصلت تصدير الغاز لدول القارة التزاما باتفاقية مبرمة مدتها خمس سنوات (2019-2024).
اليوم الاربعاء انتهى أجل تلك الاتفاقية في ظل إصرار أوكرانيا على عدم التجديد، وحرص أوروبا على إلحاق خسائر فادحة بدولة روسيا عبر حرمانها من إيرادات ضخمة سواء من النفط أو الغاز، مع تجميد نصف احتياطاتها الأجنبية المودعة في البنوك الغربية والتي تعادل أكثر من 300 مليار دولار، وتوقف بالفعل تدفق صادرات الغاز الروسي من شركة غازبروم إلى أوروبا عبر أوكرانيا رغم محاولات حثيثة لردم هوة الخلاف بين موسكو وكييف.
روسيا خاسرة بالطبع من هذه الخطوة بسبب إيرادات الغاز الضخمة وفقدانها الهيمنة على سوق الغاز الأوروبية. لكنها في المقابل قد تعوض تلك الخسائر في حال حدوث قفزات في أسعار الغاز عالميا، وهو ما حدث بالفعل، فقبل يوم واحد من نهاية العام 2024، ارتفع سعر الغاز في أوروبا إلى الحد الأقصى وبلغ 530 دولارا لكل ألف متر مكعب. وفي الأسابيع الماضية، ارتفعت الأسعار بنسبة 19% أو 83 دولارا. وفي الأسواق الألمانية والنمساوية، تم تداول الغاز بأسعار أعلى وصلت إلى 537 دولارا.
كما أن روسيا قد تنجح في إيجاد بدائل وتسويق صادراتها من الغاز، حيث يمكنها زيادة إمدادات الغاز إلى دول أوروبا الوسطى ودول شرق أوروبا وإيران والهند والصين، ثاني أكبر مستهلك للطاقة عالميا، كما أن مشروع السيل التركي يعد طريقاً بديلاً لإمدادات الغاز إلى أوروبا مع توقف خط أوكرانيا.
تظل أوروبا هي الخاسر الأكبر من توقف تدفق الغاز الروسي، فخياراتها محدودة للحصول على مصادر بديلة وسريعة، سواء من قطر والجزائر أو الولايات المتحدة وإسرائيل
وهنا تكون تركيا مستفيدة بشدة من تصاعد الأزمة بين روسيا وأوروبا مع تحولها إلى مركز عالمي لإمدادات الغاز، وحصولها على حصة أكبر من الغاز الروسي المار عبر أراضيها. كما أنه مع تعطل خطوط الأنابيب الرئيسية التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وهي: "نورد ستريم 1" و"نورد ستريم 2" و"يمال-أوروبا"، تبرز تركيا باعتبارها الطريق الوحيد لمرور الغاز الروسي مع توقف الإمدادات عبر أوكرانيا.
لكن في المقابل، فإن أوكرانيا ستخسر مليار دولار تحصل عليها من رسوم مرور الغاز الروسي عبر أراضيها مقابل ثلاثة مليارات دولار قيمة مكاسب موسكو. وتظل أوروبا هي الخاسر الأكبر من توقف تدفق الغاز الروسي، فخياراتها محدودة للحصول على مصادر بديلة وسريعة، سواء من قطر والجزائر أو الولايات المتحدة وإسرائيل، ومكلفة أيضاً.
فوفق تقديرات رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستدفع خلال العامين المقبلين مبلغا إضافيا قدره 120 مليار يورو (124 مليار دولار)، مقابل الغاز والكهرباء إذا توقفت إمدادات الغاز الروسي، كما أن الضرر الذي سيلحق بدول الاتحاد الأوروبي سيكون أكبر 30 مرة من روسيا، فخسائر موسكو من قرار وقف تزويد أوروبا بالغاز ستصل إلى نحو ملياري يورو، وهذا يمثل 3% فقط من إجمالي الخسائر المالية التي ستلحق بدول الاتحاد الأوروبي الـ27.منازل وفنادق وشوارع أوروبا قد تكون على موعد مع العتمة خلال هذا الشتاء القارس، مع تعرض قطاعها الصناعي لأكبر تحد مع انقطاع الغاز الروسي وعدم وجود بدائل سريعة وغير مكلفة. والأسرة الأوروبية ستكون على موعد آخر مع زيادات في فواتير الكهرباء والمياه وأسعار الطاقة.