أوروبا المأزومة.. بوتين يتفرج

26 يونيو 2022
بوتين في اجتماع مع مسؤلين روس (فرانس برس)
+ الخط -

تنزلق أوروبا بسرعة نحو أزمة طاقة حادة ربما لم تمر بها منذ الحرب العالمية الثانية، أزمة تتفاقم يوما بعد يوم، وقد تتسع لتتحول إلى أزمة اقتصادية شرسة، خاصة مع تحول الغاز إلى سلعة نادرة مرتفعة السعر، وأيضاً مع التداعيات الخطيرة الناتجة بشكل رئيسي عن استمرار حرب أوكرانيا وارتداداتها الخطيرة، وموجة التضخم العالمية وما أفرزته من قفزات في أسعار النفط والغاز الطبيعي.

ويبدو أن رقعة الأزمة مرشحة للاتساع في ظل إصرار كل طرف من الأطراف المتنازعة على موقفه، وعدم وجود بوادر حل للحرب الحالية، وتحول الغاز إلى سلاح فتاك في الصراع الحالي.

فأوروبا التي تقف الولايات المتحدة ومجموعة السبع الصناعية الكبرى خلفها تصر على سياسة "تصفير" النفط والغاز الروسيين والاستغناء عنهما كلية قبل نهاية العام الجاري.

رقعة الأزمة مرشحة للاتساع في ظل إصرار كل طرف من الأطراف المتنازعة على موقفه وعدم وجود بوادر حل للحرب الحالية

والهدف هو محاولة ضرب الاقتصاد الروسي وتجفيف مصادر تمويل الحرب الأوكرانية، وتحويل روسيا لاحقا إلى دولة هشة اقتصاديا ليست لديها القدرة على ابتلاع المزيد من أراضي الجمهوريات السوفييتية السابقة.

وفي المقابل، حولت روسيا سلعها وحبوبها ومصادرها من الطاقة إلى أسلحة فتاكة تقذفها تباعاً في وجه الغرب، بما فيها القمح والحبوب والغاز والنفط، وتلعب موسكو بهذه الورقة، حتى لو أظلمت أوروبا وانهار قطاعها الصناعي والخدمي، وجاع العالم كله ما عدا الدول الصديقة من وجهة نظر بوتين وإدارته.

موقف
التحديثات الحية

أوروبا في موقف لا تحسد عليه، صحيح أن روسيا متضررة اقتصاديا بشدة بسبب العقوبات الغربية القاسية بحقها، وتراجع صادراتها النفطية، وضياع مليارات الدولارات على خزانتها بسبب اللجوء إلى سياسة النفط الرخيص، الذي تبيعه للصين والهند وغيرهما بسعر يقل 30% عن الأسواق الدولية.

لكن في المقابل، فإن الوضع أسوأ داخل القارة العجوز، التي باتت تقع بين نارين، نار مواصلة حصار موسكو اقتصاديا لوقف سياستها التوسعية في قضم مزيد من الأراضي الأوروبية، ونار القبول بالأمر الواقع في أوكرانيا وقبلها شبه جزيرة القرم، وبالتالي إعلان بوتين النصر وفرض أمر واقع على التحالف الغربي.

في ظل هذا المأزق، يجتمع قادة مجموعة السبع الصناعية في ألمانيا هذه الأيام لبحث التعامل مع واحدة من أخطر الأزمات التي تمر بها القارة، وتكاد تعصف باقتصاداتها ورفاهية مواطنيها، خاصة مع قفزات أسعار الغاز الطبيعي والأغذية وفواتير الكهرباء والمواصلات وغيرها.

القارة على أعتاب إعلان "حالة الحرب الاقتصادية"، مع عدم وجود بديل سريع للغاز والنفط الروسيين، وعدم نجاح سياسة تنويع واردات الغاز

كما خرجت تصريحات متشائمة عن القادة الأوروبيين الذين اجتمعوا في قمة في بروكسل يوم الجمعة لبحث أزمة الطاقة. 

صحيح أن هؤلاء القادة تعهّدَوا بتكثيف جهودهم لتقليل اعتمادهم في مجال الطاقة على روسيا، التي بدأت بالفعل في خفض شحنات الغاز مثيرةً مخاوف من "شتاء صعب".

لكن التصريحات الصادرة عن هؤلاء وغيرهم تنذر بكارثة، وتؤكد أن القارة على أعتاب إعلان "حالة الحرب الاقتصادية"، خاصة مع عدم وجود بديل سريع للغاز والنفط الروسيين، وعدم نجاح سياسة تنويع واردات الغاز منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط وحتى الآن، والتردد في اتخاذ الخطوة التالية في الصراع مع موسكو، وهي المقاطعة الكاملة لمصادر الطاقة الروسية، وذلك قبل أن يباغت بوتين الجميع ويفرض حظراً كاملا على تصدير الغاز الطبيعي لأوروبا.

رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو تحدث، يوم الجمعة، عن حرب اقتصادية تخوضها روسيا ضد أوروبا، وأنه يمكن الشعور بتأثير الحرب بشدة، ولذا فإن على الأوروبيين التكاتف كما طالب.

وقال إن القارة ستواجه أوقاتاً مضطربة للغاية، وربما يكون هذا الشتاء صعباً للغاية، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، واستخدام روسيا أسعار الطاقة سلاحاً. وحذّر من أنه "إذا واجهت ألمانيا مشاكل، فسيكون لذلك تأثير كبير على بقية الدول الأوروبية".

ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك قال، في نفس اليوم، إن بلاده قد تلجأ إلى إغلاق بعض القطاعات الصناعية، خاصة قبيل فصل الشتاء، في حالة استمرار نقص إمدادات الغاز، في أعقاب تراجع إمدادات الغاز الروسي لألمانيا.

وكالة الطاقة الدولية تحذر من أن أوروبا يجب أن تستعد على الفور للانقطاع الكامل لصادرات الغاز الروسي هذا الشتاء

واليوم السبت، دعا رؤساء شركات الطاقة الفرنسية إلى خفض الاستهلاك فوراً لأجل "استعداد أفضل للشتاء"، وحث هؤلاء الشركات الفرنسية والمستهلكين على الحفاظ على الكهرباء والغاز والنفط على الفور، للاستعداد بشكل أفضل للشتاء، وسط تصاعد المخاوف بشأن النقص المرتبط بحرب روسيا على أوكرانيا.

وكالة الطاقة الدولية خرجت أيضا لتحذر من أن أوروبا يجب أن تستعد على الفور للانقطاع الكامل لصادرات الغاز الروسي هذا الشتاء، وحثت الحكومات على اتخاذ تدابير لخفض الطلب، وإبقاء محطات الطاقة النووية المتقادمة مفتوحة.

الفترة المقبلة صعبة على أوروبا في ظل وقف الكرملين تدفق إمدادات الغاز الطبيعي إلى عدد من دول الاتحاد الأوروبي التي يعتبرها بوتين معادية، مثل بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا والدنمارك، وتقليص تدفق الغاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب نورد ستريم.

ولا أظن أن إعادة تشغيل مولدات الفحم لتوليد الطاقة، كما حدث في ألمانيا والنمسا وبريطانيا، وإبرام صفقات استيراد غاز من هنا وهناك، كفيلان باحتواء الأزمة قبل الشتاء المقبل.

فروسيا تلبي 40% من احتياجات القارة من الغاز، وهي نسبة من الصعب تعويضها خلال أشهر قليلة وقبل قدوم فصل الشتاء المقبل، خاصة مع عدم وجود بدائل سريعة، أو توفر بنية تحتية لاستقبال سفن الغاز المسال.

المساهمون