أكدت وثائق نشرتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مع اتحاد الصحافيين الاستقصائيين الدوليين أن شركة "أوبر" استخدمت وسائل غير قانونية في التوسع التجاري وانتشار خدماتها وخدعت الشرطة والجهات الأمنية في بعض دول العالم واستغلت العنف ضد سائقي التاكسي للترويج لخدماتها. كما استخدمت "اللوبيات" أو وسائل "الضغط السياسي" على كبار المسؤولين في العالم عبر الاجتماع سراً معهم لبناء إمبراطوريتها الضخمة في خدمات التاكسي التي باتت الأكبر في العالم وهددت خدمات التاكسي العادية في العديد من المدن الكبرى. وحسب الوثائق التي تناولت ماضي الشركة، ووردت في تحقيق أجراه صحافيّون، فإن التقارير تتهم الشركة بـ"خرق القانون" وباستخدام أساليب عنيفة لفرض نفسها رغم تحفّظات السياسات وشركات سيارات الأجرة. واعترفت شركة أوبر بصحة هذه الاتهامات يوم أمس الاثنين. وقالت نائبة الرئيس المكلّفة بالشؤون العامّة في "أوبر" جيل هازلبيكر، في بيان نُشر عبر الإنترنت، "لم نُبرّر ولا نبحث عن أعذار لسلوكيّات سابقة لا تتوافق مع قيَمنا الحاليّة"، وأضافت: "نطلب من الجمهور أن يحكم علينا بناءً على ما فعلناه في السنوات الخمس الماضية وما سنفعله في السنوات المقبلة"، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة فرانس برس.
وحصلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة وغيرها من المؤسسات الإعلامية على نحو 124 ألف وثيقة مؤرّخة من 2013 إلى 2017، بالمشاركة مع الاتّحاد الدولي للصحافيّين الاستقصائيّين، بما فيها رسائل بريد إلكتروني ورسائل تعود إلى مديرين في "أوبر" في ذلك الوقت، بالإضافة إلى مذكّرات وفواتير.
وقد سلّطت هذه الوسائل الإعلاميّة الضوء على بعض ممارسات "أوبر" خلال سنوات توسّعها السريع. وكتبت صحيفة "ذا غارديان": "لقد خرقت الشركة القانون وخدعت الشرطة والمُنظّمين واستغلّت العنف ضدّ السائقين وضغطت سرًا على الحكومات في كلّ أنحاء العالم". وحسب التحقيق، قامت شركة "أوبر" بتمويل خدمات التاكسي الرخيصة عبر صناديق الاستثمار التي مولت توسعها، حيث إن هذه الصناديق قدمت الدعم المالي لخفض أسعار رحلات "تاكسي أوبر" مقارنة بأسعار رحلات التاكسي العادية في المدن الكبرى. وهو سلوك أدى إلى احتجاجات من قبل نقابات سائقي سيارات الأجرة في عدد من المدن الكبرى في أوروبا خلال العقد الماضي. ويرى التحقيق أن شركة "أوبر" عرضت حوافز على أصحاب سيارات الأجرة وأغرت الزبائن عبر الرسائل التي تبعثها لهم.
وتُشير تقارير إعلاميّة إلى رسائل بعثت من قبل المسؤول بالشركة ترافيس كالانيك، الذي كان حينها رئيساً للشركة التي تتّخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها. وعبّر في الرسائل عدد من كوادر "أوبر" عن القلق بشأن المخاطر التي قد يتعرّض لها السائقون الذين كانت الشركة تشجّعهم على المشاركة في تظاهرة في باريس. وحسب التقارير، فقد أجاب كالانيك آنذاك على تلك المخاوف بالقول: "أعتقد أنّ الأمر يستحقّ ذلك. العنف يضمن النجاح".
ووفقاً لصحيفة "ذي غارديان"، تبنّت "أوبر" تكتيكات متشابهة في دول أوروبية مختلفة، من بينها بلجيكا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا، حيث عمدت إلى حشد سائقيها وتشجيعهم على تقديم شكاوى إلى الشرطة عندما كانو يتعرّضون لاعتداءات، وذلك من أجل الاستفادة من التغطية الإعلاميّة للحصول على تنازلات من السلطات. لكنّ ديفون سبورجن، المتحدّث باسم المسؤول السابق المثير للجدل ترافيس كالانيك، قال في بيان أرسله إلى الاتّحاد الدولي للصحافيّين الاستقصائيّين، إنّ "كالانيك لم يقترح مطلقاً أن تستغلّ أوبر العنف على حساب سلامة السائقين".
وحسب وكالة فرانس برس، فقد اتُهم كالانيك أيضاً بتشجيع ممارسات إداريّة عنيفة ومشكوك فيها، على خلفية تمييز على أساس الجنس وحوادث تحرش أثناء العمل، واضطرّ إلى التخلّي عن دور المدير العام للمجموعة في حزيران/ يونيو 2017. وعندما أعلن استقالته من مجلس الإدارة في نهاية 2019، قال إنّه "فخور بكلّ ما أنجزته أوبر".
ونفى المتحدّث باسم ترافيس كالانيك، أول من أمس، كلّ الاتّهامات التي وردت في الصحف، بما في ذلك الاتّهامات بعرقلة العدالة. وحسب وسائل الإعلام التي نشرت الوثائق، فإن "أوبر" وضعت استراتيجيات مختلفة لإحباط محاولات تدخل قوات الأمن، بينها استراتيجية "مفتاح الإيقاف" التي ترتكز على قطع وصول مكتب المجموعة بشكل سريع إلى قواعد البيانات الإلكترونية الرئيسية، في حال حصول مداهمة.
وتشير "ذا غارديان" إلى مقتطفات مختلفة من محادثات بين مسؤولين يتحدثون خلالها عن غياب الإطار القانوني لأنشطتهم. وكتبت المديرة العالمية للاتصالات في "أوبر" نايري هورداجيان متوجّهة لزملائها عام 2014، قائلة: "أحيانًا لدينا مشاكل، لأننا بصراحة خارج القانون"، في حين كان وجود المنصة مهدّدًا في تايلاند والهند.
وقبل أن تصبح الشركة تقدم خدمة حجز سيارات سياحية مع سائق، كافحت كي تصبح مقبولةً. وتودّدت المجموعة للمستهلكين والسائقين ووجدت حلفاء لها في دوائر السلطة، على غرار إيمانويل ماكرون الذي ربما يكون قد ساعد الشركة بشكل سرّيّ عندما كان وزيرًا للاقتصاد. وأشارت "ذا غارديان" إلى أن الشركة الناشئة ربما تكون قد قدّمت أيضاً عدداً من أسهمها لسياسيين في روسيا وألمانيا ودفعت لباحثين "مئات آلاف الدولارات لنشر دراسات حول مزايا نموذجها الاقتصادي". ومن بين السياسيين الذين اجتمعت بهم الشركة في إطار تسويق خدماتها إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كل من الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والمستشار الألماني الحالي أولاف شولتز حينما كان رئيساً لبلدية هامبورغ، ووزير الخزانة البريطاني الأسبق جورج أوزبورن. ورد الوزير أوزبورن، أمس الإثنين، بأن اجتماعه مع مسؤول "أوبر" كان جزءاً من سياسات الحكومة البريطانية وقتها التي تدعو إلى الاجتماع مع شركات التقنية العالمية الكبرى. وحسب التحقيق، فقد مارست الشركة ضغطاً على المستشار شولتز، الذي كان وقتها يطالب بدفع الحد الأدنى من الأجور للسائقين.
أما بالنسبة إلى بايدن، الذي كان في تلك المرحلة التي شملها التقرير نائباً للرئيس باراك أوباما، فإن "أوبر" اتجهت لإقناعه بتشجيع الشركة. وأصبح بايدن من المؤيدين للشركة "كونها سمحت لملايين الناس حول العالم بالعمل عدد الساعات التي يريدونها".
من جانبها، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسيّة، نقلًا عن وثائق ورسائل نصّيّة وشهود، إنّ "أوبر" توصّلت إلى "صفقة" سرّية مع ماكرون عندما كان وزيرًا للاقتصاد بين عامي 2014 و2016. ويُسلّط تقرير "لوموند" الضوء على ما تقول الصحيفة إنّها مساعدة قدّمتها الوزارة التي كان يرأسها ماكرون لشركة "أوبر" بهدف تعزيز موقعها في فرنسا. وندّد نوّاب فرنسيّون معارضون بالتعاون الذي حصل على ما يبدو بين ماكرون و"أوبر"، في وقتٍ كانت فيه الشركة تُحاول الالتفاف على التنظيم الحكوميّ الصارم لقطاع النقل.
وتمكنت "أوبر" من النمو السريع عبر أسلوبها للسيطرة على سوق سيارات الأجرة في زمن وجيز ولكن ذلك كان مزعجاً لشركات خدمات التاكسي في أنحاء العالم. وخلقت الشركة نموذج الاقتصاد القائم على المهام الذي لجأ إليه في ما بعد عدد كبير من الشركات الناشئة، إلا أنه استغرق أكثر من 12 عاماً ولكنه أخذ وقتاً طويلاً لتحقيق الشركة أول أرباح فصلية. وتذكّر "أوبر"، في بيانها الصادر الأحد، بأن وسائل الإعلام سبق أن غطّت بشكل كبير "أخطاء" الشركة قبل عام 2017.
ويرى خبراء أن نموذج "أوبر" يمكن أن يتطور في المستقبل ليشمل خدمات التوصيل حينما تتم أتمتة قيادة السيارات، أي أنها ستصبح بدون سائق. وفي هذه الحالة تستطيع "أوبر" أن تكون وسيلة فعالة في توصيل وجبات الطعام وحتى الطرود البريدية.