أنتم حراس الملك واللحظة... ليس إلا

23 يوليو 2024
96% من سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد /شمالي غزة 18 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **إيقاظ الإنسانية في زمن المادية:** في عالم مليء بالصراعات، تأتي مواقف بسيطة لتوقظ إنسانيتنا، مثل رجل تركي كتب على باب منزله دعوة للمحتاجين، مما أثار التعاطف والتفكير في التفاوت الاقتصادي.

- **أزمات الجوع في السودان وغزة وسوريا:** تعاني هذه الدول من أزمات غذائية حادة بسبب الحروب والتقسيم، مع تجاهل الإعلام لتقديم حلول حقيقية، مما يزيد من معاناة الشعوب.

- **تجاهل الإعلام وتضليل الحقائق:** الإعلام الدولي غالباً ما يحرف الحقائق حول معاناة الشعوب، مما يؤدي إلى تبلد المشاعر وإعادة إنتاج الأنظمة القمعية، مع غياب مبادرات إنسانية حقيقية.

يصفعنا، كل حين، خبر أو فعل أو مشهد، ليوقظ فينا إنسانيتنا النائمة بظلمة النفعية، واللاهثة، إن صحت، وراء سراب الحياة، لتتفاوت ديمومة التأثير على حسب الخبر أو القول وعلى حسب المصفوع وحجم ما أبقت مادية الحياة وصراعاتها، بداخله من خير وزهد وإنسانية. بالأمس، نكأ رجل تركي بسيط جراحات ضمائرنا المكسوّة بخثرات اللامبالاة والتناسي، لنتأكد أنها لمّا تلتئم بعد، وفيها من صديد الأحداث ما ينذر بالبتر، إن أوغلنا بمزيد أنانيتنا واستمررنا بالغرق في مستنقعات "لهم دين ولنا دين". رجل بولاية تشووم، بوابة منطقة البحر الأسود المُطلة على وسط الأناضول، كتب على باب منزله "إذا كنت جائعاً أو عطشاناً أو بحاجة إلى شيء، فاطرق الباب، صاحب البيت ومالك الملك هو الله، ونحن حرّاسه".

لتحرّك هذي المقولة، على بساطتها، مياه الضمائر الراكدة، وتلقى ما لقيت، في الأوساط التركية. بعد أن أعادت إلى الواجهة، مشاهد التفاوت بين الدخل والإنفاق وذكّرت بالغلاء والتضخم وما فعلاه ببعض الأسر التركية. وتعيد فيما أعادت، كثيراً من اللحمة والتعاضد، بعد أن سرت مقولته في وسائل الإعلام والتواصل، وباتت "ترند" وكأن هذا الرجل دعا إلى ثورة اقتصادية وإعادة اقتسام الثروة، ولم يدعُ جائعاً أو محتاجاً لتلبية ما يمكن سده. 

قصارى القول: تكتفي المنظمات الدولية وبعض الدول الشقيقة، باستعراض حالة الجوع في السودان، رغم نصيبهم الأكبر في استعار الحرب ويدهم الطولى بنهاية التقسيم، فنرى مشاهد بؤس ونسمع تحذيرات المنظمات والوكالات الإنسانية الدولية من مخاطر انزلاق السودان إلى أتون أزمة غذاء حادة تصل إلى حدود المجاعة، بعد بلوغ الجوعى ومن يواجهون مستويات خطرة من انعدام الأمن الغذائي، الملايين.

وفي حال ارتفعت حرارة المصرحين وفاضت فيهم إنسانيتهم، نقرأ أو نسمع عن مساعدات مشروطة وأن السودان بات في قبضة الجوع وسوء التغذية على نطاق واسع، أو يواجه أهل السودان كارثة مجاعة مدمرة لم يسبق لها مثيل منذ أزمة دارفور مطلع العقد الأول من القرن الحالي. 

والحال في غزّة يتكرر بصورة يومية أكثر وجعاً وعوزاً وإيلاماً، فآخر ما جادت به المنظمات "برنامج الغذاء العالمي" أن 96% من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومن ضمن هؤلاء ما يقرب من نصف مليون شخص يعيشون في ظروف كارثية. طبعاً من دون تقديم حلول أو التفكير، مجرد التفكير، بكسر حصار الأشقاء وفتح المعابر أو رمي إكسير بقاء لأطفال يحلمون بكسرة خبز أو شربة ماء.

وسورية، رغم إحجام الإعلام وامتناع منظمات الأمم المتحدة، منذ سنوات، حتى عن إحصاء عدد القتلى، يعاني من تبقّى فيها، من تجويع وكبت حريات، ما زاد نسبة الفقراء على 90% وتراجع الدخل إلى الأدنى عالمياً. وربما ما يزيد جراح تلك الشعوب المقهورة المتطلعة إلى الحياة الآدمية والحرية، أن قضاياها تباع في أسواق النخاسة، العربية والدولية، فالأمر لم يعد تخلياً وعدم كتابة "الملك لله"، بل صار سعياً دؤوباً إلى استخدام سكّان غزّة المطالبين بجلاء الاستعمار ومآسيهم، واستخدام حرمان السوريين المتطلعين إلى الكرامة والحرية، وجوع السودانيين الواقعين بين فكي كماشة التآمر وتصفية الحسابات، عبرةً لشعوب العالم جميعه.

نهاية القول: كم ألف مرة قالها طفل سوري، وكم ألف استغاثة خرجت عن أم ثكلى في غزة وكم وكم سمعنا ورأينا، ما هو أبلغ وأوجع، عن مسنّ سوداني؟! هنا، لن ندخل في أسباب عدم التأثر الكثيرة والمتنوعة، والتي يتحمل جهل القائمين على الإعلام، أو غائيتهم، جل هاتيك الأوزار، بعد أن حولوا، بتكرارهم وتحريفهم، أقسى مشاهد الجوع والقتل، إلى عادي ويومي، فسطّحوا القضايا ورقمنوا البشر وخلطوا بين النتائج والمسببات ما انطلى على كثيرين... وأخص ممن يسعون إلى ذريعة للتنصل من واجبهم أو ما تمليه حدود الإنسانية الدنيا.

والأرجح، أن أسباباً كثيرة، عدا تضليل الشاشات الفضية وتخريف الهواة وتحريف المهرولين، إذ ثمة مشيئة دولية في ألف باء أجندتها، خلق شعور الندم لدى كل من ثار على ظلم أو انتفض لكرامة أو ناضل لاسترداد حق. 

وليس أدل مما يجري بترويج وإعادة إنتاج الأسد في سورية، وليس أوجع بما يتكشف من تآمر على غزّة وأهلها... وليس أظلم من تجويع السودانيين الذين يملكون أرضاً تطعم أهل الأرض مجتمعين... من دون أن نرى، وليس ذلك من الزهد أو المثالية بمكان، لافتة على باب منزل أو إعلاناً لمصرف أو حملة تبرعات لدولة، كُتب عليها: الملك لله وللمحتاجين فيه حق معلوم... ونحن حراس لأجل ليس إلا.

المساهمون