قطبان جديدان يقلبان موازين سوق الغاز الهادئة... تقلبات بسبب أميركا والصين

18 يناير 2022
مصفاة غاز في الصين (Getty)
+ الخط -

يشهد تاريخ سوق الغاز الطبيعي المسال الممتد على مدى 60 عاماً، أكبر تغيير مع دخول القوتين العظميين الولايات المتحدة والصين، كطرفين حاسمين في معادلة البيع والشراء، ما يثير مخاوف من أن تجلب واشنطن وبكين، مزيداً من عدم اليقين وتقلبات الأسعار إلى سوق السلعة الأساسية التي كانت مستقرة فيما مضى.

أصبحت الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال، في ديسمبر/كانون الأول 2021، متجاوزة اليابان لأول مرة منذ أن كانت رائدة في هذا المجال في السبعينيات.

أميركا تتحول إلى أكبر مصدّر للغاز في العالم

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز في العالم على أساس سنوي في وقت لاحق من هذا العام، متجاوزة قطر وأستراليا الموردين الأساسيين للغاز على مستوى العالم.

وفي الواقع، لا يمكن التنبؤ بأي من هاتين القوتين، إذ من الصعب الحصول على البيانات من الصين بشكل خاص، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، اليوم الثلاثاء.

نتيجة لذلك، شهدت أسعار الغاز الطبيعي المسال تقلبات حادة، إذ أصبحت سلعة يتم تداولها على غرار النفط الخام.

ولم تشهد أسواق الغاز تقلبات كهذه من قبل، فهي تتداول صعوداً وهبوطاً في يوم واحد وفي نطاقات بالكاد وصلت إليها على مدار عقود.

وسجلت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية، التي غالباً ما تستخدم كمعيار للغاز الطبيعي المسال، مستوى قياسياً بلغ 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبل أن تنهار أكثر من 60% في الأيام العشرة اللاحقة.

وأعطى الصعود المتنامي للاقتصاد الصيني وزناً هائلاً لبكين داخل السوق، حتى أنه يمكنها أن تؤثر بسهولة أكبر على الأسعار الفورية أو قواعد التسعير طويلة الأجل.

ولمواكبة التقلبات التي تشهدها الأسعار والسوق بشكل عام، انتشرت مكاتب التداول على مستوى العالم. إذ قام عمالقة استيراد الغاز الطبيعي المسال اليابانيون، مثل شركة "جيرا" و"طوكيو غاز"، بإنشاء مكاتبها الخاصة، بينما توظف البنوك مثل "مجموعة ماكواري" و"سيتي غروب" متداولين للاستفادة من التقلبات.

وقال رونالد سميث، كبير المحللين في شركة "بي سي إس غلوبال ماركتس" في موسكو، التي تقدم أبحاثاً للمستثمرين في مشتقات الغاز الطبيعي المسال، إنّ عملاءه يقضون ساعات أحياناً في البحث عن التفاصيل خارج الصين، مثل عدد الشاحنات التي تتحول من الديزل إلى الغاز الطبيعي.

لكن سميث، أضاف أنّ مثل هذه البيانات، التي يمكن أن تساعد في التنبؤ بالطلب الصيني، قد يكون من الصعب الحصول عليها.

مفاجآت كبيرة في أسواق الغاز

وتابع: "يمكن لأسعار الغاز أن تترك مفاجآت كبيرة عندما ينمو الطلب الصيني أقوى أو أضعف مما يعتقده السوق، كما أنّ التنبؤ بالإمدادات الأميركية أسهل، على الرغم من وجود تطورات غير متوقعة في بعض الأحيان، مثل أن يتحول اتجاه الشحنات التي كانت ذاهبة إلى آسيا فجأة إلى أوروبا".

وخلال معظم تاريخه، كان يجري شراء وبيع الغاز الطبيعي المسال، وهو غاز طبيعي في شكل سائل يستخدم في كل شيء من النقل إلى التدفئة، فقط من خلال صفقات صارمة متعددة العقود. وقد تضمنت هذه الطريقة ببساطة نقل الوقود بين دولتين، باستخدام آليات التسعير القديمة المرتبطة بالنفط الخام.

إلا أنّ التغييرات جاءت بعد أن أدى التكسير الهيدروليكي إلى فتح احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري في الولايات المتحدة والتي بدأت منذ أكثر من عقد بقليل، مما حول البلاد من مستورد صاف للوقود إلى مُصدر.

ومن المتوقع الآن أن تتمتع الولايات المتحدة بأكبر قدرة تصدير في العالم بحلول نهاية العام الجاري 2022، بمجرد أن يتم تشغيل محطتها الجديدة في لويزيانا.

وتسجل الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي المسال مستويات جديدة كل عام منذ 2016، ومن المتوقع أن تستمر كذلك الفترة المقبلة، وفق تقارير أميركية رسمية.

وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في تقرير لها، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن تصل الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي المسال إلى 11.5 مليار قدم مكعبة يومياً في 2022.

أكثر من خمس الطلب العالمي يأتي من أميركا

وتمثل هذه الكمية نحو 22% من الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال، والذي من المتوقع أن يصل إلى 53.3 مليار قدم مكعبة يومياً خلال 2022، حسب ما قال محللون من بنك "غولدمان ساكس"، لتتجاوز الولايات المتحدة بذلك أستراليا وقطر.

وتعد عقود الغاز الطبيعي المسال الأميركية من بين أكثر العقود مرونة في الصناعة، مما يسمح للمشترين بأخذ غازهم إلى أي مكان تشتد الحاجة إليه أو لمن يدفع أكثر.

كما يمكن للمشترين حتى دفع رسوم لإلغاء الشحنة تماماً عندما لا تكون اقتصادية، كما كان الحال في عام 2020 عندما انهارت الأسعار الفورية لتسجل مستويات منخفضة قياسية. وهذا مثالي للمتداولين الأذكياء الذين يسعون إلى جني أرباح من موازنة الأسعار بين المناطق، وفق "بلومبيرغ".

فضلاً عن ذلك، انتهك منتجو الغاز الطبيعي المسال الأميركيون أيضاً المعيار على مستوى الصناعة الذي يقوم على تسعير الشحنات وفقاً للنفط الخام، واختاروا بدلاً من ذلك بيع الشحنات المرتبطة بعلامة الغاز المحلية "هينري هب" (Henry Hub)، وهي نقطة التسعير الرئيسية للعقود الآجلة الأميركية للوقود واسم موقع التسليم في لويزيانا حيث تتقاطع العديد من خطوط الأنابيب.

فقد ساعد إنتاج النفط الصخري القوي على إبقاء أسعار الغاز في الولايات المتحدة أقل من المنافسين في الخارج.

في غضون ذلك، اكتسبت الولايات المتحدة ثقلاً أكبر داخل السوق، ففي الشهر الماضي فقط، ساعدت الزيادة في شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى أوروبا على تهدئة ارتفاع الأسعار الفوري القياسي، حيث ظلت الإمدادات الروسية ضعيفة.

ومع ذلك، فإنّ المرونة الأكبر التي توفرها الولايات المتحدة تأتي مع مجموعة من التحديات الجديدة. ويجب على المتداولين حالياً مراقبة اضطرابات الأعاصير في خليج المكسيك بالولايات المتحدة عن كثب، في حين يمكن للإجراءات السياسية، مثل إرشادات الانبعاثات الأكثر صرامة، أن تُعزز سعر شحنات الغاز الطبيعي المسال.

مخاطر أخرى

كذلك هناك أيضاً مخاطر أخرى لأنّ الولايات المتحدة والصين تصعدان في نفس الوقت. فقبل بضع سنوات فقط، انجرف الغاز الطبيعي المسال إلى حرب تجارية متبادلة بين بكين وواشنطن.

وتوقفت الشركات الصينية مؤقتاً عن استيراد شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية أو توقيع عقود توريد طويلة الأجل، بعد أن فرضت بكين رسوماً جمركية على الشحنات انتقاماً من الرسوم الأميركية على الكثير من صادرتها السلعية في عام 2018.

ووفق محللين، فإنّ بإمكان الولايات المتحدة والصين إحداث تغيير كبير في سوق الغاز، لا سيما بالنظر إلى التنافس الجيوسياسي بينهما، فضلاً عن احتمال أن تعطل توتراتهما الأسواق.

وبدأت الصين أول محطة للغاز الطبيعي المسال في عام 2006، وبلغ حجم وارداتها 20 مليون طن في عام 2015، بما يعادل ربع إجمالي شحنات اليابان.

لكن سرعان ما تغيّر ذلك مع تسريع الصين جهودها لاستبدال الفحم بالغاز لتدفئة المنازل وصناعات الوقود في محاولة للحد من الانبعاثات.

ارتفاع الطلب الصيني على الغاز

وارتفع الطلب الصيني إلى معدلات تاريخية، ليبلغ حالياً حوالي 80 مليون طن سنوياً، ما يمثل فرصة تجارية ضخمة للموردين القدامى ومجموعة من الطامحين الجدد.

وفي السياق، أفادت وسائل إعلام صينية، اليوم الثلاثاء، بأنّ شركة "سينوبك" الصينية تسلّمت أولى شحناتها من الغاز الطبيعي المسال، بموجب اتفاق توريد جديد محدد الأجل جرى توقيعه العام الماضي مع شركة "قطر للبترول".

وأوردت صحيفة "تيانجين" اليومية التي تديرها الدولة، أنّ ناقلة الغاز "السهلة" التي تحمل 94 ألف طن من الغاز القطري، تم تفريغها في محطة تيانجين التابعة لـ"سينوبك"، في وقت سابق من الأسبوع الجاري.

يأتي هذا في إطار اتفاق جرى توقيعه مع "قطر للبترول"، في مارس/آذار 2021، لتوريد مليوني طن سنوياً لمدة عشر سنوات، على أن يبدأ التوريد هذا الشهر.

المساهمون