قرر الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الثلاثاء، الإفراج عن كميات من النفط الخام من مخزون الطوارئ تقدر بنحو 50 مليون برميل، في إطار خطة توصل إليها مع مستهلكي الطاقة الآسيويين الرئيسيين لخفض أسعار الطاقة، في الوقت الذي طالب فيه نواب ديمقراطيون إدارة بايدن بحظر صادرات النفط الأميركي.
وأعلن بايدن، الثلاثاء، أنه أمر باستخدام 50 مليون برميل من مخزون الولايات المتحدة النفطي الاستراتيجي، في مسعى منسّق مع دول أخرى للتخفيف من ارتفاع أسعار الوقود.
وقال البيت الأبيض، وفق وكالة "فرانس برس": "سيتّم الإفراج عن الكمية بالتوازي مع دول أخرى مستهلكة للطاقة، بينها الصين والهند واليابان وجمهورية كوريا والمملكة المتحدة".
وتهدف هذه الخطوة إلى الحد من ارتفاع أسعار الطاقة والمشتقات البترولية، مثل البنزين والسولار، وتحذير كبار المنتجين بضرورة ضخ المزيد من النفط لمعالجة المخاوف من ارتفاع أسعار الوقود في الاقتصادات القوية.
وأفاد مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية بأن الإفراج عنها سيبدأ من منتصف حتى أواخر كانون الأول/ ديسمبر، مشيراً إلى أن واشنطن على استعداد لخطوات إضافية لإعادة الاستقرار للأسواق "استجابة لوباء (يعصف بالعالم) مرة في القرن". وذكر المسؤول "كما قال الرئيس، سيواجه المستهلكون مشاكل في الوقود حالياً".
وتابع "الرئيس على استعداد للقيام بتحرّك إضافي إذا لزم الأمر، وهو مستعد لاستخدام كامل سلطاته والعمل بالتعاون مع باقي العالم للمحافظة على الإمدادات الكافية، في وقت بدأنا نخرج من (أزمة) الوباء".
وأثّر ذلك سلباً على المواطنين الأميركيين وسدّد ضربة لمعدلات التأييد لبايدن. وقال المسؤول الرفيع الذي طلب عدم الكشف عن هويته "هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن التراجع في أسعار النفط وتكاليف المدخلات الأخرى في البنزين لا تترجم بأسعار أقل في محطات الوقود".
وأشار إلى أن الحكومة تنظر في "ممارسات ضد التنافسية" و"ستدرس مسألة إن كان أي سلوك غير قانوني يكلف العائلات في محطات الوقود".
كانت وكالة "بلومبيرغ" قد قالت في وقت سابق اليوم الثلاثاء، نقلاً عن مصادر مطلعة، إن الرئيس الأميركي بايدن يستعد للإعلان عن إطلاق النفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للبلاد بالتنسيق مع عدة دول أخرى، في أقرب وقت اليوم الثلاثاء.
وسبق أن رفضت منظمة أوبك وحلفاؤها في تحالف "أوبك+" طلبات متكررة من واشنطن ودول مستهلكة أخرى لضخ النفط بشكل أسرع لمواكبة الطلب المتزايد.
وقال مصدر لـ"بلومبيرغ" إنه بموجب ما تسمى بـ "المقايضة" تأخذ الشركات النفط الخام من المخزونات ولكن تُطلَب منها إعادته، أو المنتج المكرر، بالإضافة إلى الفائدة. وعادة ما يتم تقديم المقايضات عندما تواجه شركات النفط اضطراباً في الإمداد مثل انقطاع خط الأنابيب أو تلف من الإعصار، لكن المبيعات المباشرة أقل شيوعاً.
India to sell about 5 million barrels of oil from its strategic petroleum stockpiles as part of a coordinated move with the U.S. and other nations https://t.co/ulT2ukCJPr
— Bloomberg Markets (@markets) November 23, 2021
التنسيق مع كبار المستهلكين
وطلب بايدن بالفعل من الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان الإفراج عن مخزونات النفط الاستراتيجية بالتنسيق مع بلاده. وذكرت "رويترز" أن المسؤولين اليابانيين والهنود يعملون على إيجاد طرق للقيام بذلك.
وستمثل هذه الخطوة أكبر عملية تفريغ يتم ترتيبها بشكل خاص من النفط الخام المخزن من الاقتصادات الرئيسية، حيث أطلقت من قبل وكالة الطاقة الدولية 60 مليون برميل في عام 2011 في أعقاب الاضطرابات وتعطل الإمدادات في ليبيا.
كذلك سمح رؤساء الولايات المتحدة بالمبيعات الطارئة من الاحتياطي الاستراتيجي ثلاث مرات، كان آخرها في عام 2011، وأيضاً خلال حرب الخليج في عام 1991 وبعد إعصار كاترينا في عام 2005.
Biden to announce U.S. will release oil from the Strategic Petroleum Reserve https://t.co/tZvNLasues
— CBS News (@CBSNews) November 23, 2021
ولم تكن الأسعار الحالية المرتفعة ناجمة عن اضطراب الإمدادات، بل انتعاش الطلب العالمي على الطاقة من أدنى مستوياته التي حدثت خلال عمليات الإغلاق في الأيام الأولى لأزمة فيروس كورونا.
دول أخرى قد تحرّر بعض النفط
وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، جين بساكي، إن الولايات المتحدة على اتصال بدول أخرى، لكنها رفضت الإفصاح عن الكيفية التي تخطط بها الإدارة للمضي قدماً.
- قالت الصين إنها تعمل على تحرير بعض النفط من احتياطياتها الاستراتيجية، بعد أيام من دعوة الولايات المتحدة لها للمشاركة في صفقة بيع مشتركة.
- وأوضح بيان حكومي في الهند اليوم أنها ستفرج عن خمسة ملايين برميل من احتياطياتها الاستراتيجية بالتنسيق مع مشترين آخرين، من بينهم الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية.
وقال بيان الحكومة إن "الهند أبدت مراراً قلقها من قيام الدول المنتجة للنفط بتعديل المعروض من النفط بشكل مصطنع دون مستويات الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وعواقب سلبية مصاحبة لذلك".
- وأفاد تلفزيون أساهي الياباني أمس بأن طوكيو تستعد للإفراج عن النفط الخام من مخزوناتها الوطنية. وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إن حكومته تدرس الإفراج عن الاحتياطيات بالتنسيق مع دول مثل الولايات المتحدة.
وقدر محللو "سيتي غروب" أن الإطلاق المشترك للنفط من الولايات المتحدة ودول أخرى يمكن أن يكون "في حدود 100-120 مليون برميل أو أكثر".
وسيعتمد تأثير الإصدار المنسق للنفط على الإطار الزمني والكمية، لكن السوق سينظر إلى إطلاق أكثر من 60 مليون برميل في حوالي 30 يوماً على أنه "سلبي للغاية بالنسبة للتسعير"، حسب ما قاله محلل كومنولث بنك أوف أستراليا فيفيك. ذر.
وقال لـ"رويترز" إن "هذا الوضع يأتي في وقت كانت هذه السوق تتغير وتزداد مخزونات النفط العالمية. لذلك قد يؤدي هذا إلى انخفاض الأسعار بشكل حاد أكثر مما تعتقده"، مشيراً إلى عمليات إغلاق جديدة بسبب فيروس كورونا في أوروبا.
دعوات لحظر تصدير النفط الأميركي
وفي السياق، حث اثنا عشر عضواً من الديمقراطيين في الكونغرس في رسالة للرئيس جو بايدن على مكافحة ارتفاع أسعار النفط والغاز ليس فقط من خلال إطلاق البراميل من الاحتياطي النفطي ولكن عن طريق حظر صادرات النفط الأميركية، وفقاً لشبكة "سي أن أن" اليوم الثلاثاء.
ووصف الأعضاء بمجلس النواب بقيادة النائب عن كاليفورنيا رو خانا الأمر بأنه "قضية ملحة"، وطالبوا بايدن بضمان "طاقة معقولة وموثوق بها للعائلات الأميركية".
وأضافوا في رسالتهم مساء الإثنين بالتوقيت الأميركي أنه "يجب استخدام جميع الأدوات المتاحة لنا لخفض أسعار البنزين على المدى القصير".
ويرى النواب أن السحب من الاحتياطي ليس كفيلاً وحده بحل مشكلة ارتفاع أسعار النفط والغاز والتي أدت لزيادة التضخم إلى معدلات قياسية، إذ إن "فرض حظر على صادرات النفط الخام الأميركية سيعزز الإمدادات المحلية ويضع ضغوطاً هبوطية على الأسعار للعائلات الأميركية".
سلاح ذو حدين
لكن بنك "غولدمان ساكس" قال في تقرير سابق له إن حظر التصدير من المحتمل أن يكون "غير مجدٍ" وسيكون له "تأثير صعودي محتمل" على أسعار التجزئة للوقود، لأن عدم تصدير النفط الأميركي سيؤدي لرفع أسعار خام برنت بسبب قلة المعروض.
كما أن مصافي النفط الأميركية لا تستطيع الاعتماد على النفط المحلي وحده لإنتاج الديزل ووقود الطائرات والبنزين الذي يعتمد عليه الاقتصاد، حيث تمزج المصافي النفط الأميركي بالبراميل الأجنبية لإنتاج هذه المنتجات.
كما يرى مارك زاندي كبير الاقتصاديين في وكالة موديرز (Moody's Analytics)، لشبكة "سي أن أن"، أن "حظر صادرات النفط لن يخفض أسعار البنزين بشكل ملموس، لأن السعر يتحدد إلى حد كبير من خلال أسعار النفط العالمية وليس سعر النفط المنتج محلياً، كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت المصافي المحلية ستكون قادرة على معالجة نوع النفط بكفاءة".
توترات متوقعة مع أوبك+
ومن المتوقع أن تضع هذه الخطوة كبار الدول المستوردة في مواجهة تحالف أوبك + بقيادة السعودية وروسيا، للسيطرة على أسواق النفط العالمية وقد تدفع أوبك وحلفاءها إلى إعادة تقييم خطط إحياء إمدادات النفط.
وقال الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي جوزيف ماكمونيجل في بيان، أمس الإثنين، إن أوبك + قد تغير خطتها لزيادة إنتاج النفط إذا باعت الدول المستهلكة احتياطيات النفط أو تفاقم جائحة فيروس كورونا.
وأضاف ماكمونجل الأمين العام للمنتدى الذي مقره الرياض لـ"رويترز" أن أوبك وحلفاءها من المتوقع أن يتمسكوا بخطتهم الحالية لزيادات شهرية تدريجية في إنتاج النفط، ما لم تحدث عوامل خارجية غير متوقعة. وأضاف قائلاً: "إذا كانوا سيحدثون تغييراً فإنه سيكون بسبب عوامل خارجية غير متوقعة، مثل هذه الإغلاقات في أوروبا وأي نوع من السحب من الاحتياطي أو تغيرات في الطلب على وقود الطائرات". ومنتدى الطاقة الدولي هو أكبر تجمع لوزراء الطاقة ويضم 71 دولة عضواً، من بينها السعودية وروسيا والولايات المتحدة.
وقالت هيليما كروفت الخبيرة النفطية لـ"بلومبيرغ" إن "هذه الخطوة - السحب من الاحتياطي - من المحتمل أن تؤدي إلى زيادة المخاطر في لعبة بوكر النفط ويمكن أن تنتج توترات جديدة في العلاقة الثنائية بين واشنطن والرياض".
وستجتمع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر للنظر في زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً في كانون الثاني/ يناير.
وقالت أوبك+ في وقت سابق إنها تعتزم التمسك بخططها لزيادة تدريجية بحوالي 400 ألف برميل يومياً كل شهر.
ويدعم ذلك تصريحات متتالية من كبار منتجي النفط، حيث قال الكرملين، اليوم الثلاثاء، إن روسيا لا تزال ملتزمة بالوفاء بتعهداتها في أوبك+ وإن الرئيس فلاديمير بوتين ليست لديه خطط للاتصال بشركاء بلاده في هذه المجموعة على الرغم من الحديث عن لجوء دول مستهلكة رئيسية إلى احتياطياتها النفطية الاستراتيجية.
وقال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، اليوم الثلاثاء، إنه لا منطق في زيادة حصتنا من إنتاج النفط.
ويأتي ذلك متزامناً مع تصريحه الأسبوع الماضي أن التزام أوبك+ بزيادة إنتاج النفط 400 ألف برميل يومياً كل شهر يسهم في استقرار السوق وتوازن العرض والطلب.
وتوقع وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار في وقت سابق من الشهر الجاري أن تبقي المجموعة على السياسة الحالية دون تغيير في اجتماعها المقبل في ديسمبر/ كانون الأول.
انخفاض أسعار النفط
وفور الإعلان الأميركي عن الإفراج عن كميات من النفط الخام من مخزون الاحتياط، هبطت أسعار النفط، بعد ارتفاعها في الجلسة السابقة. وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 58 سنتاً أو 0.8 في المائة إلى 76.17 دولاراً للبرميل في الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش. وانخفضت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 42 سنتاً أو 0.5 في المائة إلى 79.28 دولاراً للبرميل.