فيما يبدو أنها جولة جديدة في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، فرضت الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، قيوداً جديدة على تصدير الرقائق من أشباه الموصلات إلى الصين، في خطوة اعتبرها الكثيرون تحدُّ من قدرة الأخيرة على الوصول إلى العديد من التقنيات الحديثة شديدة التعقيد، كتلك المستخدمة في الحواسب عالية الكفاءة والذكاء الاصطناعي.
وبالإضافة إلى تعقيدات قديمة كانت مفروضة على تلك الصادرات للصين، تؤثر القيود الجديدة المفروضة على النماذج المتطورة من الرقائق، المعروفة باسم وحدات معالجة الرسومات GPUs، على شركتي نيفيديا Nvidia وأدفانسد مايكرو ديفايسز Advanced Micro Devices، اللتين تعدان من أهم شركات وادي السيليكون، موطن صناعات التكنولوجيا في أميركا، وأكبرها من حيث القيمة السوقية.
وفي حين فرضت الإدارة الأميركية على الشركتين الحصول على رخصة خاصة قبل تصدير منتجاتها إلى الصين، دانت بكين القرار الأميركي، واعتبرته مؤثراً على إمكانات تطوير قدراتها في مجالات الحوسبة المتقدمة، وعلى رأسها العمليات المرتبطة بـالذكاء الاصطناعي. وتسري القيود الجديدة على أي منتجات أميركية تحتوي على وحدات المعالجة الرسومية المتاحة حالياً A100 والمنتظرة H100. وتُستخدم المعالجات مسرعات للأجزاء الأكثر كثافة لاستخدام البيانات في حسابات التعلم الآلي المستخدمة في الذكاء الاصطناعي.
واعتبر محللون أنّ القيود الجديدة تعد تصعيداً للحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة من أجل تحقيق السيادة في التقنيات المتقدمة متعددة الاستخدامات. ويقول مركز الأبحاث الأوروبي "سينوليتيكس" المتخصص في الشؤون الصينية، إنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أضافت العشرات من الشركات الصينية لقائمة الكيانات الصينية المحظورة، وقامت في الوقت نفسه بالتشاور مع الدول الحليفة من أجل تشديد القيود على تصدير منتجات التكنولوجيا إلى الصين.
واعتمدت إدارة بايدن القيود الجديدة، والتي ظهرت إرهاصات لها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بهدف تقييد وصول شركات مثل هواوي الصينية إلى الرقائق المتقدمة وتصنيع أشباه الموصلات الأجنبية. وصممت الصين العديد من الرقائق بمنأى عن أي مساهمة خارجية، لكنها تعتمد عموماً على المصانع في تايوان لتصنيع النماذج الأكثر تقدماً. وفي عام 2020، قدرت قيمة صادرات التقنيات الحديثة الأميركية إلى الصين بنحو 30 مليار دولار، بعد أن كانت 40 ملياراً في 2018.
واتهمت وزارة التجارة الصينية، أول أمس الخميس، الولايات المتحدة بإساءة استخدام تدابير الرقابة على الصادرات لتقييد تصدير المواد المتعلقة بأشباه الموصلات إليها، وحذرت من أنّ هذه الخطوة "ستعيق التبادلات العلمية والتكنولوجية الدولية والتعاون الاقتصادي، وسيكون لها تأثير على استقرار سلاسل التوريد والصناعة العالمية، ومن ثم انتعاش الاقتصاد العالمي".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إنّ تصرفات واشنطن تعد "نموذجاً للهيمنة العلمية والتكنولوجية".
وبينما تحاول الولايات المتحدة إبعاد تقنياتها المتقدمة عن الشركات الصينية، خاصة المعروفة بارتباطها بالحكومة الصينية أو الحزب الشيوعي الصيني، يوجد بعد عسكري ساهم في التعجيل بالقرار الأميركي، في وقتٍ ترتفع فيه نبرة التوترات الجيوسياسية بين القطبين الأعظمين في العالم في الوقت الحالي.
وقبيل نهاية الأسبوع، صرح متحدث باسم وزارة التجارة الأميركية بوجود خطوات أخرى في الاتجاه نفسه سيجري اتخاذها في الفترة القادمة، مضيفاً أنّ هذه الخطوات "تشمل منع حصول الصين على التكنولوجيا الأميركية واستخدامها في سياق برنامج الاندماج العسكري-المدني لتغذية جهود التحديث العسكري، وتنفيذ انتهاكات حقوق الإنسان وتمكين الأنشطة الخبيثة الأخرى".
وخلال السنوات القليلة الماضية، شدد مكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة الأميركية القيود على توريد بعض التقنيات الأميركية إلى الصين، بحجة أنّ البضائع كانت تُباع من خلال سلاسل التوريد المدنية ولكنها ذهبت في النهاية إلى الاستخدامات العسكرية، مثل الأسلحة والطائرات وتكنولوجيا المراقبة.
ويمكن للشركات الأميركية طلب الحصول على استثناء يُمكّنها من بيع عناصر محظورة لعملاء محددين، ولكن ترفض نسب متزايدة من هذه الطلبات في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لمكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية، ضاعفت إدارة بايدن من القيود على صادرات التكنولوجيا الموجهة للصين، ورفضت 9% من طلبات الاستثناء التي قُدّمت في 2021، مقارنة بنسبة 2% فقط جرى رفضها في عام 2018.