لم تكد الأسواق تستوعب صدمة بيانات التضخم التي أعلنتها وزارة العمل يوم الخميس، والتي أظهرت ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة في شهر يناير/ كانون الثاني المنتهي بنسبة 7.5% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، حتى تعرضت لصدمة جديدة مع إعلان جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في سانت لويز، تأييده رفع البنك الفيدرالي معدل الفائدة على أمواله 1% بحلول شهر يوليو/ تموز المقبل، وهو ما يعد أسرع كثيراً مما توقعته الأسواق، التي قَدَّرَت اكتمال تلك الزيادة مع نهاية العام الحالي.
كما أن أزمة أوكرانيا ساهمت في ارتفاع أسعار السلع في الأسواق العالمية، ولكن يلاحظ أن إعلان وزارة الدفاع الروسية عن بدء إعادة بعض قواتها إلى قواعدها بعد تنفيذ تدريبات خففت من حدة التوتر أمس الثلاثاء، وتراجعت أسعار النفط والحديد التي ربما تساهم في خفض معدل التضخم في الولايات المتحدة.
وارتفعت الأسهم الأوروبية هامشياً في مستهل تعاملات أمس الثلاثاء، إذ يواصل المستثمرون متابعة آخر تطورات الأزمة الأوكرانية. وعلى صعيد التداولات، ارتفع مؤشر "ستوكس يوروب 600" بنحو 0.17% عند 461 نقطة صباح أمس، وصعد "كاك" الفرنسي 0.98% مسجلاً 6919 نقطة.
وقفزت العقود المستقبلية لـ"داو جونز" أمس، بعدما أفاد تقرير بأن روسيا تعيد بعض قواتها إلى قواعدها عقب انتهاء التدريبات. كذلك تراجعت أسعار النفط أمس، على وقع بوادر تراجع حدة الأزمة الأوكرانية.
وبالنسبة لسعر الفائدة الأميركية، فبعد الإعلان عن أعلى معدل تضخم في الولايات المتحدة في أربعة عقود، قال بولارد، الذي يشارك خلال الدورة الحالية في التصويت على قرارات لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية FOMC التي تحدد السياسة النقدية في واشنطن، إنه لم يقرر بعد إذا ما كان يفضل أن يكون الرفع الأول، والذي تنتظره الأسواق في شهر مارس/ آذار المقبل، بمقدار نصف بالمائة، أي خمسين نقطة أساساً، مؤكداً أنه كان يفضّل "أن يكون رد فعل البنك عنيفاً"، إلا أنه حاول الاقتراب قدر الإمكان مما توقع أن تقرره اللجنة.
وفي لقائه مع قناة بلومبيرغ الإخبارية، عرض بولارد رؤيته للتعامل مع معدل التضخم الذي اعترف الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بتسببه في المشاكل للكثير من الأسر الأميركية، إذ قال إنه يرغب في "رفع معدل الفائدة على أموال البنك على ثلاث مرات، على أن يبدأ البنك تقليص حجم ميزانيته بعد الرفع الأول مباشرةً، ثم يتم اتخاذ قرار بعدد مرات الرفع بعد ذلك وفقاً للبيانات التي تصدر حينئذٍ".
وتسببت كلمات بولارد في إحداث ربكة في الأسواق، لتبدأ سوق العقود المستقبلية والعقود الآجلة في الميل باتجاه رفع نصف بالمائة في نهاية اجتماعات البنك الفيدرالي التي تعلن نتيجتها اليوم الأربعاء، ويرتفع معدل العائد على سندات الخزانة لعشر سنوات إلى 2.03% للمرة الأولى منذ عام 2019، كما تراجعت مؤشرات الأسهم الرئيسية.
وأبرز الاقتصادي الأميركي محمد العريان تعليقات بولارد، التي جاءت متماشية مع توقعاته السابقة، والتي أشار فيها مراراً إلى تأخر البنك الفيدرالي في التحرك من أجل وضع حد لارتفاع معدل التضخم.
وعلى حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر شبّه العريان تأخر البنك الفيدرالي في رفع معدل الفائدة بالأخطاء التي يرتكبها صانعو السياسات النقدية في الأسواق الناشئة، داعياً الجميع إلى مراقبة ما يحدث الآن، إذ "يتأخرون في التعامل مع التطورات التي تحدث على الأرض، ثم يرون الأسواق تسبقهم بتحركاتها، ليبدأوا في التدافع للحاق بالركب"، مضيفاً أنه "في كثير من الأحيان لا تنتهي تلك الأمور بصورة جيدة".
بدورها، أكدت ليزا بيلفاس، محللة الأسواق والأسهم، أن أرقام التضخم الأخيرة جعلت المستثمرين أكثر تأكداً أن البنك الفيدرالي سيرفع الفائدة بمقدار نصف بالمائة عندما يصوّت أعضاء مجلس إدارته على القرار في اجتماعهم في مارس/ آذار المقبل، إن لم يكن قبل ذلك، إلا أنها أشارت إلى غموض ما سيحدث بعد ذلك.
وقارنت بيلفاس أسعار اللحوم والخبز والبيض حالياً بما كانت عليه قبل عامٍ واحدٍ فقط، موضحةً أنها جميعها ارتفعت بأكثر من عشرة بالمائة، وأن أسعار الوقود ارتفعت بنحو أربعين بالمائة، "وحتى الخدمات المصرفية ارتفعت تكلفتها بنحو أربع عشرة بالمائة"، كما قالت بيلفاس، التي أشارت أيضاً إلى تعليق ديان سونك، كبير الاقتصاديين في شركة جرانت ثورنتون للاستشارات المالية والضرائبية، الذي قالت فيه إن "الشيء الوحيد الذي يمكن شراؤه حالياً بتكلفة معقولة هو الآيس كريم".
وتوالت المراجعات لدى بنوك الاستثمار ومحللي الأسواق مع نهاية أسبوع التضخم المرتفع وتعليق مسؤول البنك الفيدرالي، إذ أعلن بنك الاستثمار غولدمان ساكس تعديل توقعاته، لتصبح 7 رفعات بربع بالمائة، بعد أن كانت خمساً فقط، خلال العام الحالي.
وقال بنك دويتشه إنه ينتظر ارتفاعاً في معدلات الفائدة بنسبة 1.75% قبل نهاية العام الحالي، مؤكداً توقعه أن يشهد اجتماع مارس/ آذار المقبل رفعاً بمقدار نصف بالمائة.
ولم تتوقف الأخبار السيئة بالإعلان عن أعلى تضخم في أربعة عقود، إذ تسبب التصعيد في المخاطر الجيوسياسية بسبب الموقف المتعقد في أوكرانيا، وإعلان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، يوم الجمعة، توقع البيت الأبيض قيام القوات الروسية بعمل عسكري في أوكرانيا هذا الأسبوع، ثم مطالبته كل الأميركيين في أوكرانيا بمغادرة البلاد في غضون ثمانٍ وأربعين ساعة وإغلاق السفارة الأميركية في كييف.