أسعار النفط بعد تحدي "أوبك+" لبايدن

12 نوفمبر 2021
أميركا لديها ما يشبه "العصا السحرية" للتأثير على أسعار النفط (getty)
+ الخط -

تشهد أسعار النفط في السوق الدولية اتجاهاً صعودياً منذ يونيو/حزيران 2021، لتتجاوز سقف 85 دولاراً للبرميل، ما دعا إلى توقعات بوصول سعر برميل النفط إلى 90 دولارا للبرميل قبل نهاية 2021.

وموجة ارتفاع أسعار النفط والغاز تنذر بمرور الاقتصاد العالمي بأزمة خلال الفترة القادمة، ما سيؤثر على معدلات النمو سلبياً، عبر ارتفاع أسعار السلع والخدمات، واحتمالات زيادة معدلات المديونية للدول النامية، وكذلك زيادة معدلات الفقر. وحسبما أفادت به وسائل الإعلام، فقد أدى قرار شركة "أرامكو" السعودية، يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بزيادة أسعار الخام الخاص بها، إلى زيادة أسعار النفط في الأسواق.

أميركا وسوق النفط

تعد أميركا أحد الأرقام المهمة في معادلة أسعار النفط في السوق الدولية، بحكم عدة أمور، على رأسها أنها أكبر منتج للنفط في العالم (بلغ الإنتاج الأميركي في سبتمبر/أيلول 2021 نحو 11.200 مليون برميل يومياً)، وكذلك سيطرتها السياسية والاقتصادية على العديد من الدول المنتجة والمصدرة للنفط.

لكن الفترة الماضية شهدت ما يمكن أن نطلق عليه تحدياً من قبل "أوبك+"، والتي عقدت اجتماعها أخيراً، وأقرّت معدلات زيادة الإنتاج نفسها بنحو 400 ألف برميل يومياً خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد توجه بنداء لأعضاء "أوبك+" قبل اجتماعهم بأن يعملوا على زيادة الإنتاج، ليرتفع المعروض النفطي في السوق، وتتراجع الأسعار عما هي عليه الآن. وينطلق بايدن من مصالحه الاقتصادية داخل أميركا، حيث يريد أن يبقى التضخم عند معدلات منخفضة، حتى لا يتذمر المواطن الأميركي من سياساته الاقتصادية.

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فخرجت قرارات اجتماع "أوبك+" مخالفة لرغبة بايدن، ما دعاه إلى التصريح بأنّ لأميركا أدوات أخرى للتأثير على الدول المنتجة للنفط، وهو الأمر الذي يمكن قراءته في أكثر من محور، هل سيلجأ بايدن إلى تفعيل أدوات فنية غير مباشرة للتأثير على سوق النفط، ما يجعل الدول المنتجة، ومن بينها "أوبك+"، تخضع لرغبته، أم سيلجأ للأدوات غير المباشرة، والتي سبق أن فعّلتها أميركا دوماً في تحقيق أهدافها في سوق النفط، سواء لأغراض اقتصادية أو سياسية؟

ما هي أدوات بايدن للضغط على "أوبك+"؟

المتابع لأداء الأسعار بسوق النفط، يجد أنّ أميركا لديها ما يشبه "العصا السحرية" للتأثير على أسعار النفط، وذلك من خلال ما يعلن أسبوعياً أو يومياً عن حجم المخزون الاستراتيجي، ارتفاعاً وانخفاضاً، فمن شأن أن تعلن أميركا عن امتلاء مخزوناتها، أو نيتها بيع جزء من هذا المخزون، أن يؤدي إلى خفض سعر النفط في السوق الدولية، بسبب النتيجة المتوقعة لهذا القرار بزيادة المعروض في السوق الدولية، والعكس صحيح.

أيضاً هناك أداة أخرى، ترتبط بتفعيل إنتاج النفط والغاز الصخري، فمجرد أن يعلن عن زيادة الحفارات والتوجه لإنتاج النفط والغاز الصخري، يؤدي ذلك إلى زيادة المعروض النفطي، وكذلك انخفاض الأسعار، ولكن بايدن تعهد في برنامجه الانتخابي بزيادة رقعة الاقتصاد الأخضر، وبالتالي قد تكون ورقة النفط الصخري أقل تفعيلاً خلال الفترة المقبلة.

لكن كل شيء في السياسة وارد، خاصة أنّ روسيا تشعر بأنّ اتجاهات سوق النفط الحالية في صالحها، اقتصادياً وسياسياً، نظراً لحاجة أوروبا لإنتاجها بشكل كبير مع دخول الشتاء، الذي ينتظر له أن يكون شديد البرودة، ما يؤدي لزيادة الطلب على النفط.

أدوات غير مباشرة بيد بايدن

هذه الأدوات سياسية بامتياز، وقد أدت فيها أميركا أدواراً بارزة ومعروفة على مدار العقود الماضية، من خلال ضرب حالة الوفاق داخل منظمة "أوبك"، وهي قادرة على تفعيل ذلك أيضاً داخل "أوبك+"، فالآن ثمة أخبار عن تقدم المفاوضات بين إيران من جهة وأميركا وأوروبا من جهة أخرى.

والتسريع بالوصول إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، من شأنه أن يحرّك رغبات إيران في عودة تفعيل حصتها في سوق النفط، والتي تصل إلى 3.5 ملايين برميل يومياً، بينما لا تصدر الآن سوى 300 ألف برميل يومياً بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل أميركا وأوروبا وإن كانت تصدر كميات أخرى خارج النطاق الرسمي.

كما أن علاقات أميركا بكل من السعودية والإمارات تسمح بحالة من التوظيف السياسي لقرارات إنتاج وعرض النفط في السوق الدولية، وقد لمسنا هذا خلال العقود الماضية عبر إصرار السعودية على مخالفة رغبات إيران دائمًا في منظمة الأوبك من أجل رفع أسعار النفط.

كما أن التاريخ القريب يشهد بحالة الصدام التي مرت بها علاقات السعودية مع روسيا في سوق النفط الدولية في مارس/آذار 2020، حيث شهدت السوق ما سمي بحرب الأسعار، وتدنت الأسعار إلى 19 دولارا لبرميل النفط في بعض الصفقات آنذاك.

ومنذ شهور والإمارات تدعو إلى زيادة سقف الإنتاج اليومي في "أوبك+"، وإن كانت دعوتها لم تلق قبولًا، إلا أنه من الوارد أن تجدد هذه الدعوة، أو أن تخرج عن إجماع "أوبك+"، ومجرد دفع أبوظبي بزيادة الإنتاج، أو مجرد الإعلان عن خروجها من الاتفاق، سيؤثر بلا شك سلبياً على الحالة النفسية للمتعاملين بسوق النفط، وتنخفض الأسعار.

هل ستتغير المعادلة؟

منذ نشأة وكالة الطاقة الدولية، بعد أزمة النفط في عام 1973، تغيرت المعادلة في سوق النفط الدولية، وأصبحت اليد العليا في السوق للمستهلكين، وظل المنتجون في طرف المتغير التابع، بحكم أوضاع داخلية للدول المنتجة للنفط، ما يدفعها لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، أو من خلال المشكلات والنزاعات البينية بين بعض الدول المنتجة للنفط، كما حدث في الحرب بين إيران والعراق، أو في أزمة الخليج الثانية، عبر الحرب بين العراق والكويت، وما ترتب عليها من أوضاع سياسية واقتصادية.

الجديد هذه المرة أن يُرفض مطلب بايدن، خاصة أن الطرف الثاني، الغريم الروسي، يعيش أزهى أوضاعه السياسية والاقتصادية، بسبب ارتفاع أسعار النفط، ما أدى لزياد الاحتياطيات من النقد الأجنبي لروسيا إلى 621.6 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

هل سنشهد تغيراً في المعادلة التاريخية لإدارة سوق النفط الدولية، لتعود القوة لصالح المنتجين، أو على الأقل تحقيق حالة من التوازن لمصالح الطرفين، من المنتجين والمستهلكين للنفط؟

إذا تغيرت المعادلة عما هي عليه الآن، من سيطرة المستهلكين على أسعار النفط في السوق الدولية، فستكون لحظة تاريخية ستغير الكثير من المعطيات السياسية والاقتصادية، وتعيد موازين القوى في العالم، ولكن هل ستستثمر الدول النفطية المشاركة مع روسيا في "أوبك+" هذه اللحظة، وتعمل على فتح صفحة جديدة في المسارات السياسية والاقتصادية؟

الإجابة للأسف، لا، فالدول النفطية سواء في المنطقة العربية أو خارجها، تخشى أميركا، وتحرص على إقامة علاقات إيجابية معها، وإن كلفها ذلك خسارة بعض مصالحها الاقتصادية والسياسية. ويمكننا القول: انتظروا ألاعيب أميركا، لتوجيه أسعار النفط في السوق الدولية لصالح اقتصادها، وإدارة صراعاتها السياسية والاقتصادية.

المساهمون