مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، شهدت أسعار البنزين في الولايات المتحدة انخفاضًا ملحوظًا، مدفوعة بمجموعة من العوامل، كان في مقدمتها تراجع أسعار النفط العالمية، والاتجاهات الموسمية، والتغيرات في سلوك المستهلكين. وفي حين يعكس هذا الانخفاض التغيرات في أسواق الطاقة العالمية، فإنه يأتي أيضاً في وقت حساس سياسيًا، مما قد يؤثر على توجهات الناخبين وعلى الاقتصاد الأميركي بشكل عام.
ومع أن هذا الانخفاض قد يساهم في تخفيف العبء المالي على الأسر الأميركية ويعزز الإنفاق الاستهلاكي الداعم دائماً لقوة أي اقتصاد، إلا أنه قد يُلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية، حيث قد يعتبره البعض نقطة دعم لمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، مع تحسن نظرتهم للاقتصاد تحت القيادة الديمقراطية.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، أدت التطورات الجيوسياسية، خاصة في الشرق الأوسط، إلى تهدئة المخاوف من تعطل إمدادات النفط العالمية. وجاءت هذه التهدئة بعد رد فعل محدود من إسرائيل على الهجمات الإيرانية، حيث تجنبت إسرائيل استهداف المنشآت النفطية والنووية الرئيسية في إيران، التي كان يُخشى أن تكون جزءاً من ردها.
وأدى هذا إلى خفض المخاطر المتوقعة على إمدادات النفط العالمية، مما ساهم في انخفاض الأسعار، حيث تراجع سعر خام غرب تكساس الأميركي إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل، وهو مستوى لم تشهده الأسواق منذ أشهر، وفقاً لوكالة الأنباء أسوشييتد برس. وانعكس هذا الانخفاض في أسعار النفط الخام بشكل مباشر على أسعار البنزين في الولايات المتحدة، حيث ساهم في تراجع التكاليف على محطات الوقود، مما أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار التي يدفعها الأميركيون.
تأثير مباشر على أسعار البنزين في الولايات المتحدة
وانخفض المتوسط الوطني لسعر البنزين العادي في الولايات المتحدة إلى 3.08 دولارات للغالون، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بالأسعار المسجلة في الصيف، حيث كان متوسط الأسعار يتجاوز 3.50 دولارات للغالون. ويعد هذا الانخفاض الأبرز منذ عامين، حيث يشهد المستهلكون في العديد من الولايات انخفاض الأسعار إلى ما دون 3 دولارات للغالون، مما يوفر فرصة لتوفير الأموال، خاصة مع اقتراب موسم العطلات. ويُعتبر هذا التراجع في الأسعار مفيداً للاقتصاد، حيث يعزز القدرة الشرائية للمستهلكين ويخفف من الضغوط التضخمية التي واجهتها الأسر الأميركية على مدار العام.
على الجانب الآخر، ساهمت الاتجاهات الموسمية في انخفاض أسعار البنزين في هذا الوقت من العام، الذي شهد انتهاء موسم القيادة الصيفي، حيث تراجع الطلب على البنزين، وهو ما أدى إلى تراجع الأسعار بصورة ملحوظة. وساهمت زيادة المعروض المحلي من النفط في هذا الانخفاض، حيث عادت بعض المصافي للعمل بكامل طاقتها بعد عمليات الصيانة الدورية التي أُجريت في الصيف. وساهمت هذه العوامل الموسمية مجتمعة، مع تراجع أسعار النفط العالمية، في تسريع انخفاض الأسعار على المستوى الوطني.
والصيف الماضي، كانت أسعار البنزين وأغلب أنواع الوقود مرتفعة مقارنة بالمتوسطات التاريخية. وقالت صحيفة فايننشال تايمز وقتها إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أعلنت عن استعدادها لسحب المزيد من النفط من المخزون الاستراتيجي لوقف أي قفزة في أسعار البنزين. وقال عاموس هوكشتاين، وهو مستشار كبير لبايدن، للصحيفة، إن أسعار النفط "لا تزال مرتفعة للغاية بالنسبة لكثير من الأميركيين"، وإنه يود أن يرى الأسعار "تنخفض بعض الشيء".
وأضاف في تصريحات للصحيفة البريطانية أن الولايات المتحدة "ستستمر في الشراء حتى العام المقبل إلى أن نعتقد أن الاحتياطي البترولي الاستراتيجي لديه الكمية التي يحتاجها مجدداً لخدمة غرضه الأصلي المتمثل في أمن الطاقة". وتشتري وزارة الطاقة هذا العام حوالي ثلاثة ملايين برميل نفط شهرياً من أجل الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، وذلك بعد بيع 180 مليون برميل في عام 2022، في أعقاب غزو روسيا أوكرانيا.
التداعيات السياسية لانخفاض الأسعار قبل الانتخابات
وأثار التوقيت الحساس لهذا الانخفاض في أسعار البنزين اهتمام المحللين السياسيين والاقتصاديين، إذ إنه يحدث قبل الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة. وتاريخياً، لعبت أسعار الطاقة دوراً مهماً في توجيه معنويات الناخبين، لا سيما بين الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط التي تتأثر بشكل مباشر بتكلفة الوقود. وقد يؤدي انخفاض الأسعار الحالي إلى تعزيز ثقة المستهلكين في الاقتصاد، كما أنه يعد عاملاً إيجابياً للإدارة الحالية، مما قد يؤثر على نتائج الانتخابات بشكل غير مباشر. ومع ذلك، فإن الناخبين يدركون بالتأكيد الطبيعة المؤقتة لهذه التغييرات في الأسعار، خاصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية في مناطق هامة لصناعة النفط العالمية، والتي قد تؤدي إلى تقلبات مستقبلية في الأسواق والأسعار.
وعلى الرغم من الانخفاض الحالي في أسعار البنزين، إلا أن التوقعات المستقبلية لا تزال غير واضحة، حيث لا تزال المخاوف من تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قائمة، وهو ما قد يؤدي إلى تقلبات جديدة في أسعار النفط. وإضافة إلى ذلك، فإن القرارات السياسية والاقتصادية التي ستتخذها الإدارة الأميركية المقبلة بشأن الطاقة قد تؤثر على استقرار الأسعار في المستقبل. وقد يؤدي أي تصعيد جديد أو فرض عقوبات إضافية على الدول المصدرة للنفط إلى عودة الأسعار للارتفاع مرة أخرى، مما يضع ضغوطًا إضافية على المستهلكين والاقتصاد بشكل عام.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة انخفاض أسعار البنزين وتأثيره على الاقتصاد الأميركي خلال الأشهر القادمة.