تعتبر مشكلة الطاقة الكهربائية إحدى أكبر المشاكل التي تواجه الدولة العراقية منذ عقود طويلة، حيث عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها على الرغم من وجود موازنات مالية تكفي لبناء محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية، فضلاً عن توافر المواد الأولية اللازمة لتشغيل هذه المحطات من وقود وغاز طبيعي.
وتواجه الأسر العراقية خاصة خلال الصيف وازدياد الحاجة إلى الطاقة، العتمة وانقطاعات طويلة في الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة. ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران منذ أكثر من 16 عاماً بأسعار تفوق متوسط السعر العالمي، وبمبالغ تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً، في الوقت الذي يحرق فيه غازه الطبيعي والغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط في الجو.
وللسنة الرابعة على التوالي، صنف تقرير للبنك الدولي العراق كثاني أكبر دولة على مستوى العالم بكمية الغاز التي يحرقها في الجو بعد روسيا. وبالإضافة إلى استيراد الغاز الإيراني، يستورد العراق منها أيضاً 1200 ميغاواط من الكهرباء عبر أربعة خطوط ناقلة. ولكن تسبب عدم إنتاج الغاز محلياً لتشغيل محطات الكهرباء، بهدر كميات كبيرة منه، والاعتماد على الاستيراد من إيران نتجت عنه ساعات تقنين طويلة، فاقمت من معاناة المواطن العراقي خاصة خلال فصل الصيف.
عدم التزام إيراني
وبررت وزارة الكهرباء العراقية أسباب تراجع ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية للمواطنين بأزمات وعوارض طارئة، وتحدثت عن مساع لمعالجتها، في حين أكدت أن الغاز الإيراني لم يصل إلى المستويات المتفق عليها لغاية الوقت الحالي.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، لـ "العربي الجديد"، إن المنظومة الكهربائية العراقية شهدت خلال الأيام الماضية مشكلات عديدة وسرعان ما قامت الإدارات الهندسية في الوزارة بمعالجتها، ولفت إلى أن خلية الأزمة التابعة للوزارة استنفرت كافة جهودها للصيانة على مدار الساعة، إلا أن الوضع ليس مثالياً من حيث ساعات التجهيز.
وبرر موسى سبب تقليص ساعات التجهيز في الفترة الأخيرة بعدم التزام الجانب الإيراني بالاتفاقية المبرمة معه حول تجهيز الغاز، لأن الاتفاق مع الجانب الإيراني ينص على أن يحصل العراق على 55 مليون متر مكعب من الغاز، إلا أن ما يصل حالياً هو 45 مليون متر مكعب فقط، مع التأكيد على أن الحاجة الفعلية في الوقت الحاضر تقدر بـ 60 مليون متر مكعب.
وأضاف أن وزارته تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة وإنشاء مشاريع ربط كهربائي مع دول الجوار، موضحاً أن العمل متواصل لإكمال إجراءات الربط المشترك مع تركيا والمملكة الأردنية الهاشمية، وبحث الموضوع بشكل مستفيض مع هيئة الربط الخليجي والمملكة العربية السعودية. وبيّن موسى أنه بعد مفاوضات استغرقت سنتين تم توقيع اتفاقية الربط الكهربائي رسمياً مع الجانب السعودي، تنص على إنشاء ربط مشترك ما بين البلدين وتحديد مسارات الخطوط ودراسة نقاط الربط، وأيضاً تحديد آليات نقل الطاقة، لتحقيق استقرار عالٍ في التغذية بالكهرباء من خلال توفير أكثر من مصدر للطاقة.
مشكلة عميقة
من جهته، قال الباحث في شؤون الطاقة علاء الدليمي، إن الربط الكهربائي يعتبر بداية جديدة للاستثمار في مجال الطاقة، ويعزز القدرة الاقتصادية لزيادة الإيرادات المالية بالنسبة للدول المنتجة لها.
وأوضح الدليمي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مشكلة الكهرباء في العراق هي مشكلة متجذرة، بدأت تسوء منذ حرب الخليج الثانية، وامتدت طوال سنوات الحصار التي عاشها البلد نهاية القرن الماضي، لكن طوال السنوات التي أعقبت غزو الأميركي للعراق والمبالغ المالية الكبيرة التي صرفت عليها لم تشهد أي تقدم وذلك لأسباب سياسية.
وأضاف أن العراق يمتلك محطات لتوليد الطاقة الكهربائية إلا أنها شبه متوقفة أو تعمل بساعات محددة، بسبب عدم توافر الوقود اللازم، نتيجة توقف إيران عن تصدير كميات الغاز اللازمة لتشغيل المحطات، فضلاً عن تهالك الكثير من البنى التحتية في المنشآت العراقية.
وبين الدليمي، أن الربط الكهربائي مع دول الجوار هو خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح، خاصة وأن عقد العراق مع الجانب الإيراني ينتهي سنة 2024، مما يتيح الفرصة لإنهاء عملية استيراد الغاز الإيراني الذي يتم بيعه لبغداد بأسعار تزيد عن الأسعار العالمية، إلا أن النشاط الإيراني باتجاه الكهرباء العراقية يتزايد في كل مرة يتحرك العراق باتجاه تنويع مصادر تزويده بالكهرباء.
وكشف عن أن إنشاء محطة إيرانية في العراق بقدرة 3642 ميغاواطاً سيجعل البلد بحاجة إلى غاز إضافي يقدر بـ 25 مليون متر مكعب، مما يرفع قيمة الاستيراد الحالي من الغاز الإيراني من 50 إلى 75 مليون متر مكعب، وبنسبة زيادة تقدر بـ 50 في المائة. وأعلنت مصادر إعلامية إيرانية أن الشركات الإيرانية تعمل على إنشاء محطة كهربائية لتوليد 3642 ميغاواطاً من الطاقة في العراق.
وذكرت أن إنتاج هذه الكمية من الطاقة يزيد 7 أضعاف عن برنامج السعودية لتزويد العراق بالكهرباء خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وأنها تعمل على إنشاء محطات إنتاج الطاقة الكهربائية. وأضافت أن الشركات الإيرانية افتتحت عدة وحدات لإنتاج الطاقة الكهربائية في العراق، وهي محطات الصدر، الحيدرية، النجف والرميلة، وأن التعاون بين إيران والعراق في مجال الكهرباء لم يقتصر على إنشاء محطات إنتاج الطاقة الكهربائية فحسب، بل إن الجانب الإيراني يشارك في مجال صيانة المحطات العراقية أيضاً.
انحيازات استثمارية
ورأى الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي، نبيل جبار، أن إيران لها أهدافها السياسية والاقتصادية لزيادة تعاونها مع العراق في قطاع الطاقة، وإشراك الشركات الإيرانية في عقود إنشاء محطات الطاقة يبقي العراق مُجبراً على استيراد الغاز الإيراني، بالإضافة إلى شراكات أخرى تتعلق بصيانة المحطات الكهربائية التي لن تتوقف عند هذا الحد.
وأضاف جبار لـ"العربي الجديد" أن سعي إيران لإنشاء محطات كهرباء جديدة في العراق عن طريق الاستثمار، هدفه إدامة اعتماد العراق على استيراد الغاز الإيراني واستمرار اعتماد العراق على إمدادات الطاقة ضمن دبلوماسية خاصة تربط العراق بإيران.
وكشف جبار عن وجود ملاحظات على العقود الاستثمارية التي تجريها وزارة الكهرباء مع الشركات المستثمرة لإنتاج الطاقة أثبتت انحياز تلك العقود لصالح المستثمرين بشكل كبير، معرباً عن خشيته من استمرار وزارة الكهرباء بمنح عقود استثمار أخرى بالسياق ذاته الذي من شأنه أن يعرّض المال العام للهدر ويزيد مستويات الفساد.