أزمة الرواتب تتفاقم في كابول: موظفون يقترضون و"طالبان" عاجزة

29 اغسطس 2021
تزايد الفقر في كابول (Getty)
+ الخط -

شهدت العاصمة كابول يوم السبت تظاهرة حاشدة ضد حركة طالبان، التي عجزت حتى الآن عن تسيير شؤون الاقتصاد في البلاد، حيث ظلت المصارف مغلقة والمصالح الحكومية معطلة والشركات الخاصة متوقفة عن العمل، وسط تردي الحياة المعيشية للأسر، وعدم دفع الرواتب للموظفين والعمال في المؤسسات الحكومية، كما أن العديد من الأسر فوجئت بسيطرة الحركة السريعة على الحكم، ولم تتمكن بالتالي من سحب جزء من مدخراتها بالبنوك، وبقيت بلا أموال لتسيير حياتها المعيشية اليومية.

ودعا مواطنون في تظاهرة احتجاجية حركة طالبان إلى فتح البنوك وتحويل الرواتب، كما رفع المتظاهرون هتافات تندد بسياسة طالبان الحالية إزاء التعامل مع موظفي الحكومة. وروى العديد من سكان كابول معاناتهم المعيشية لـ"العربي الجديد"، ومن بينهم مواطنون شاركوا في المظاهرات بوسط العاصمة كابول.

يروي محمد رجب، الذي يعمل في وزارة الدفاع الأفغانية، أنه كان يعيش في وضع مريح إلى حد ما في ظل حكومة أشرف غني، إذ يحصل على راتب مجزٍ من وزارة الدفاع، وكان أخوه عبيد الله يعمل في شركة الاتصالات للهواتف المحمولة. وهذه الوظيفة أتاحت للأسرة الانتقال من مدينة جلال آباد إلى العاصمة كابول، كما يحكي رجب لـ"العربي الجديد". استقرت الأسرة في منطقة كمبني بضواحي العاصمة كابول. ولكن منذ شهرين، لم تدفع الحكومة الراتب لمحمد رجب، بينما استمر راتب عبيد الله من الشركة، ولكنه لم يكن كافياً لتلبية احتياجات الأسرة.

وكانت الأسرة في السابق تستدين من أصحاب المحلات والبقالة الموجودة بالقرب من المنزل، وعندما يستلم رجب راتبه يسدد لأصحاب المحلات والبقالة الدين. لكن ومنذ سقوط حكومة أشرف غني واستيلاء طالبان على العاصمة كابول، توقف راتب الأخوين معاً، ولم يبق أمام أسرة رجب وعبيد الله إلا أن تأخذ أغراضها وتترك العاصمة، وتنتقل إلى مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار، حيث يتوفر لها سكن بدون إيجار.
يقول رجب لـ"العربي الجديد": "ما كنا ندري أن الأمور سوف تصل إلى هذا الحد وبهذه السرعة، وما كنا ندري أيضاً أن جميع الدوائر الحكومية سوف تتعطل إلى هذه الدرجة بعد مجيء حركة طالبان".

وأضاف: "كنا نظن أن الحركة سوف تدخل العاصمة، وخلال يومين أو ثلاثة ستعود الأمور إلى طبيعتها، لا سيما أن طالبان استلمت قصر الحكم بدون حرب، كما ظلت الأمور هادئة بشوارع كابول، لكن المفاجأة كانت بالنسبة لنا أن المصالح الحكومية كلها توقفت، خاصة أن وظيفتي كانت في وزارة الدفاع". وقال رجب: "لذا قررنا العودة إلى مسقط رأسنا حيث لنا أراض زراعية تمكننا من العيش، كما أننا سنسكن في بيتنا بدون إيجار بينما كنا ندفع 16 ألف أفغانية لأجرة البيت في كابول". وارتفع سعر صرف الدولار في كابول إلى أكثر من 80 "أفغانية" بعد سيطرة طالبان على كابول مباشرة.
وفي ذات الصدد، يقول محمد شفيع، الذي يعمل في وزارة التعليم العالي وفقد وظيفته بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم، وهو من قرية سعكان لغمان وانتقل بأسرته إلى العاصمة كابول ويسكن بمنطقة بروزه تيمني في منزل للإجار، إنه قلق جداً من المستقبل. لكنه بدا مطمئناً نسبياً بخصوص مستقبل عمله في التعليم، وذكر شفيع أنه "متيقن من أن طالبان ستدعوه إلى العمل، وأن عمله مضمون كونه يعمل في مجال التعليم"، بخلاف رجب الذي كان يعمل في وزارة الدفاع والتي ربما ستخضع لفحص دقيق من قبل حركة طالبان، لكن المشكلة الأساسية بالنسبة لشفيع هو تأخير دفع الرواتب".

ويقول شفيع لـ"العربي الجديد" إنه يقترض من بعض أقاربه الذين هم في حالة مالية جيدة ويسكنون بالقرب منه، ولكن إذا تأخرت الرواتب أكثر من ذلك فسيبقى في حالة من الضيق والقلق المعيشي. ويلقي شفيع اللوم على حكومة أشرف غني لأنها كانت قادرة على البقاء في الحكم إلى حين تتمكن طالبان من تسيير وإدارة شؤون الحكم وتدفع الرواتب للموظفين. ويقول في هذا الصدد: "طالبان في الأساس حركة عسكرية وليست سياسية، كما تواجه نقصاً كبيراً في الكوادر العلمية، على حد قوله، وبالتالي هي بحاجة إلى بعض الوقت كي ترتب الأمور، ولكن المشكلة هي أن المواطن الأفغاني هو الذي يدفع الثمن".

ويحكي أحد سكان منطقة كمبني ويدعى كريم الله، لـ"العربي الجديد"، أن أحد جيرانه، وهو مدرس في مدرسة حكومية في المنطقة، (لا يرغب في ذكر اسمه بسبب الأعراف السائدة)، قد جاء إلى منزله قبل يومين وطلب منه بعض المساعدة المالية؛ لأنه لا يوجد في منزله أي شيء لقوت أولاده. وفي اليوم التالي، أخرج جاره بعضاً من أثاث منزله إلى الشارع وباعه لتوفير القوت لعائلته".
وشهدت العاصمة كابول، صباح أول من أمس السبت، تظاهرة كبيرة في منطقة "شهر نو" وسط كابول، شارك فيها عدد من العمال والموظفين في الحكومة وأساتذة المدارس. وطالب المواطنون في التظاهرة حركة طالبان بفتح البنوك وتحويل الرواتب وحل المشاكل الاقتصادية. ورفع المتظاهرون هتافات تندد بسياسة طالبان الحالية إزاء التعامل مع الموظفين والإداريين، لا سيما أن معظمهم محرومون من الرواتب لأشهر، في حين أنها أصلاً رواتب ضعيفة مقارنة بمستوى المعيشة في العاصمة كابول.
ويقول علي رضا، أحد المتظاهرين، لـ"العربي الجديد"، إن طالبان من الناحية المالية تقود البلاد نحو كارثة إنسانية، وإن الموظفين في الحكومة في وضع معيشي مترد جداً. وأكد رضا أن طالبان ليست لديها أي خطة لمعالجة أزمة رواتب الموظفين والمسؤولين، وهي الشريحة التي ظلمت طيلة العقود الماضية، كما أن الحكومة لم تدفع لهم أي رواتب خلال الأشهر الأخيرة.
وفي ذات الشأن، يقول أحمد حامد الذي شارك في التظاهرة، وهو موظف في وزارة الداخلية، إنه تضرر من إغلاق المصارف حيث لا يجد سيولة نقدية لتسيير حياته، ولدى حامد مدخرات مالية في حسابه البنكي قبل سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة طالبان على كابول، ولكن لم يتمكن من سحب أمواله من الحساب، وهو يعاني حالياً من نقص في السيولة. وقال حامد إنه يعتمد في معيشته على الاقتراض من أقاربه، والآن هو بصدد الانتقال من كابول إلى مسقط رأسه في إقليم بلخ.
ويقول حامد لـ"العربي الجديد" إن الأحداث كلها تسير بشكل دراماتيكي ومفاجئ وبسرعة في كابول، لذا لم أسحب أموالي من حسابي بالبنك قبل إغلاق أبوابه. وأضاف: "لما دخلت طالبان بدون حرب إلى كابول فرحت جداً وقلت إن الأمور سوف تتحسن قريباً، ولكن مع الأسف، طالبان لم تحرك ساكناً ولم تتمكن من التعامل مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي وربما تحدث أزمة كبيرة تدفع المواطنين للفرار من البلاد".

وكانت طالبان قد ذكرت الأسبوع الماضي، في رسالة تطمينية، أن جميع العاملين والموظفين في الحكومة سيحصلون على رواتبهم، وعليهم أن يحضروا إلى مكاتبهم من دون أي تردد. كما أشارالمتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد إلى أن قضية الرواتب ستحل. غير أن المواطن الأفغاني ينتظر الخطوات العملية بدلاً من التصريحات والإعلانات. ويقول أحمد حامد إن طالبان لم تتخذ أي خطوة عملية لحل أزمة الرواتب التي تفاقم الأزمة المالية والمعيشية للمواطنين في البلاد.
ويرى خبراء أن أزمة المعيشة في أفغانستان ستتضاعف أكثر ما لم تتمكن الحركة من الحصول على إجماع وطني يمكنها من تشكيل الحكومة وبناء علاقات مع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا. وكانت الإدارة الأميركية قد جمدت أرصدة أفغانستان بالعملات الصعبة والذهب، والتي تقدر بنحو 9 مليارات دولار، عقب دخول طالبان كابول، كما جمدت الدول والمؤسسات الدولية معظم المساعدات والتمويلات التي كانت مقرة للبلاد خلال العام الجاري، ومنها صندوق النقد والبنك الدوليان.

المساهمون