أزمة الراتب بين الموظف الجديد والموظف القديم

05 سبتمبر 2023
+ الخط -

رغم الإعلان عن بيانات تظهر بعض التباطؤ، لم تهدأ سوق العمل في الاقتصادات الكبرى منذ استعادة نشاطها في أعقاب فتح الاقتصاد بعد جائحة كوفيد، إلا أن الكثير من الإشارات تؤكد أن حرباً اشتعلت بين الشركات لجذب العناصر الماهرة، كان أهم أسلحتها الراتب الذي تعرضه تلك الشركات، الأمر الذي سبب استياءً كبيراً لبعض قدامى العاملين.

واعتبر جيسون غرير، خبير أسواق العمل، أن الوضع الحالي الذي تقدم فيه الشركات المزيد من الحوافز لجذب موظفين جدد، بسبب سوق العمل الضيقة، بعد ترك العديد من الموظفين وظائفهم أثناء الوباء، يسبب صعوبات كبيرة للشركات، ويزيد من معاناتها.

وجيسون غرير هو مؤسس شركة "غرير كونسلتنغ"  لإدارة العمالة وعلاقات الموظفين ومقرها سانت لويس. وتقدم الشركةُ خدماتها للمؤسساتِ بأحجامها المختلفة، بدءًا من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وشركات "فورتشن 500" مثل مصنع الملابس والأحذية الرياضية "نايك"، وحتى أصحاب الأعمال الرئيسيين الآخرين في الولايات المتحدة، مثل الجيش، ما أكسبه لقب "الموظف الهامس".

ويقول غرير إن الشركات لا تعرف أن ضغط الأجور، الذي يجري تعريفه على أنه عدم مواكبة أجور الموظفين منذ فترة طويلة لمتطلبات السوق، رغم حصول الموظفين الجدد على رواتب جيدة، يولد استياءً، قد يتسبب في تدمير الشركات في هدوء.

ويضرب غرير المثل بالموظف الذي عمل في شركة لمدة 10 سنوات، بذل فيها الدم والعرق والدموع، ثم تحدد الشركة حداً أقصى لأجره، كونه يعمل بالشركة منذ فترة طويلة، وبعدها تقوم الشركة بتعيين شخص جديد للقيام بوظيفته نفسها، ولكن بأجر أعلى بشكل ملحوظ، وتطلب في الوقت نفسه من الموظف القديم أن يقوم بتدريب الموظف المبتدئ.

وقال غرير لـ"فوكس بيزنس" إنهم يطلبون من الموظفين ألا يتحدثوا عن الرواتب، لكن دون جدوى، حيث تتسرب أرقام رواتب الموظفين الجدد إلى الموظفين القدامى، ما يسبب المشكلات المكتومة.

وتابع الخبير "إن ما يحدث من وجهة نظر علاقات الموظفين هو قتل صامت، لأن الموظفين القدامى يقولون: يمكنك أن تدفع لهم المزيد من المال، ولكننا نطالب بزيادة رواتبنا على مدار السنوات الأربعة الماضية ولم تمنحنا علاوة، بدعوى أن الشركة لا تستطيع تحملها. فهل الشركة لا تستطيع تحملها، أم أنك تعتقد أننا لا نستحق هذه العلاوات؟".

ويقول غرير إنه وفق هذا الوضع يصبح مكان العمل ساماً، لأنه في كثير من الأحيان سيصب العمال القدامى إحباطاتهم على الموظفين الجدد الذين يحصلون على رواتب أفضل، على الرغم من أن ذلك ليس خطأهم، لأن الموظفين القدامى يشعرون بأنهم لا يستطيعون توجيه غضبهم نحو الشركة، بسبب خطر الطرد.

ويؤكد أنه في كثير من الأحيان يؤدي ذلك إلى مغادرة الموظفين الجدد، مضيفاً "بذلك، يكون لديك موظفون لا يتم قبولهم أو احتواؤهم بالطريقة السليمة، فيصبحون ضحايا ضغط الأجور، وليس لديهم أي فكرة عن السبب".

ويرى غرير، وهو وكيل سابق للمجلس الوطني لعلاقات العمل، أن ضغط الأجور يعد أحد أهم العوامل المسببة لزيادة حركة الانضمام إلى النقابات، مؤكداً أن ذلك الأمر يدمر ثقة الموظفين في الشركة التي يعملون بها.

وإزاء هذا الوضع، يفقد بعض العاملين، لأسباب مفهومة، الثقة في شركاتهم، ومع فقدان القدرة على تصحيح الأوضاع من جانبهم، يذهب هؤلاء إلى طرف ثالث، كالنقابة أو اتحاد الصناعة، للتفاوض بشأن حقوقهم مع أصحاب الشركات.

ويرى غرير أن ما يحدث أمر قاس من نواح عدة، بما فيها الناحية المالية، مشيراً إلى أن الكلفة العالية لاستبدال الموظفين الجدد، مثل إجراء المقابلة، وفحص الخبرات، والتأهيل والتوجيه. ويضيف "الضربة الأكبر للشركات هي أنها تفقد موظفيها الذين عملوا بها لفترة طويلة، والذين يمثلون بالفعل شريان الحياة لإداراتهم، ولكن لم يجر الاعتراف بذلك في أي وقت".

وقال غرير: "في كثير من الأحيان، لا تعرف الشركات قيمة بعض العاملين لديها منذ فترة طويلة، إذ يلجأ إليهم العمال الآخرون، لا إلى المشرفين أو المديرين، بسبب ثقتهم في قدراتهم".

وخلال السنوات الأخيرة، تسبب رحيل الموظفين ذوي الخبرات، بحثا عن فرص أفضل، في فقدان كل المعرفة المؤسسية، وكل الكفاءات والخبرات القيمة، ما شكل انتكاسة كبيرة للعديد من الشركات.

ويؤكد غرير أن ما يحدث في النهاية هو بقاء مجموعة من الموظفين الجدد الذين يكسبون أموالاً أكثر من الموظفين القدامى الذين غادروا، وكان الأحرى بأصحاب العمل أن يدفعوا تلك الأموال للموظفين القدامى من ذوي الخبرات، حتى لا تفقد الشركات كل معرفتها المؤسسية.

المساهمون