أزمة البصل في سورية... الأسباب والحلّ

04 ابريل 2023
مادة البصل ظلت حديث الشارع السوري لأسابيع بعد الارتفاع الكبير في أسعارها (فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الأزمة العالمية التي طاولت العديد من المواد الغذائية على المستوى العالمي، جراء الحرب في أوكرانيا وتعطل سلاسل التوريد وجائحة كورونا، فإنّ هذا لا يبرر فقدان البصل في بلد زراعي مثل سورية.

باتت مهمة المواطن السوري إحصاء عدد الأزمات التي يمر بها خلال العام، فما إن يفرغ من أزمة حتى تطل أخرى، وحاله انتظار المادة التالية التي ستُفقد أو يرتفع سعرها في الأسواق، فتتعلق حياته بين غلاء الأسعار من جهة والغموض من فقدان مواد غذائية في الأسواق من جهة أخرى.

ظلت مادة البصل على مدار أسابيع حديث الشارع السوري بعد الارتفاع الكبير الذي طاول أسعارها، ليصل سعر الكيلوغرام إلى ما يربو على 16 ألف ليرة في الأسواق الحرة، أو ما يعادل دولارين تقريباً، في حين يُباع، في صالات "المؤسسة السورية للتجارة" بـ6 آلاف ليرة، ليفوق بهذا سعر كيلوغرام الموز والتفاح.

وقد وجد السوريون مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقاطع فيديو متداولة حول الطوابير وإلحاق المادة بالبطاقة الذكية وتخصيص كيلوغرام واحد أسبوعياً لكل عائلة، قبل زيادتها إلى كيلوغرامين، وذهب البعض لوضع كيلوغرام البصل برفقة نشرة سعر الذهب وصرف الليرة أمام العملات الأجنبية، فأي حال هذا الذي وصل إليه السوريون؟!

سياسة الطوابير

حقاً! نجحت حكومة النظام خلال الفترة الماضية في إيجاد طوابير للعديد من المواد الأساسية في الأسواق، من الخبز والبطاطا والطماطم إلى الغاز والمحروقات إلى الزيوت وغيرها، وربما يتوجب على العالم أن ينهل من تجربة "البطاقة الذكية" وكيف ساهمت في زيادة معاناة العائلات وتقليل الأمن الغذائي للسكان! وكيف يمكن أن تصرف ساعات طويلة أمام "المؤسسة السورية للتجارة" وأنت واقف في طابور للحصول على كيلوغرام بصل!

"ليس من إذلال بالأمر" بحسب وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام عمرو سالم، الذي برر توزيع البصل عبر "البطاقة الذكية" بتحقيق "العدالة في التوزيع وضبط الهدر والفساد" وأنّها "الوسيلة الوحيدة للتأكد من أنّ المواطن فقط الذي حصل على البصل بهذا السعر".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وطمأنت الوزارة المواطنين بأن سعر كيلوغرام البصل في سورية أرخص من الإمارات! مع فارق أنّ الشعب الإماراتي يعتبر من أسعد 12 شعباً في العالم، في حين يعيش نحو 90% من الشعب السوري ما دون خط الفقر.

لكلّ أزمة أسباب، ومردّ فقدان مادة البصل من الأسواق سماح حكومة النظام، منتصف العام الماضي، بتصدير البصل والزيت والثوم إلى الأسواق الخارجية بذريعة وجود فائض في الإنتاج تفوق حاجة السوق، لتتراجع لاحقاً عن هذا القرار بعد اكتشافها أنّ الإنتاج كان أقل من التوقعات هذا العام.

وبحسب رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة حماة، فإن وزارة الزراعة في حكومة النظام لم تقدم أي دعم لمزارعي البصل من أسمدة وأدوية ومحروقات، وتكبد المزارعون خسارات كبيرة في العام الماضي، ما جعلهم يُحجمون عن الزراعة، حيث جرت زراعة 268 هكتاراً بصلاً من أصل المخطط البالغ 328 هكتاراً، أي بنسبة إنجاز قاربت 80% من المخطط زراعته، وعليه، فإن الموسم الحالي لن يكفي احتياج السوق من البصل ولن يُهدّئ من لهيب الأسعار.

ولم يعد التخبط في سياسات النظام الاقتصادية، الساعية لجذب القطع الأجنبي دون اعتبار للمواطنين، سبباً جديداً، إذ بات ديدن النظام على مدار السنوات الماضية، فالراصد لقرارات النظام الاقتصادية سيجد الانزياح الواضح عن خدمة المواطن لصالح خدمة الآلة العسكرية.

بعيداً عن تعدد الأسباب، فالنتيجة واحدة وهي معاناة المواطن، فقد بلغ متوسط تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من 5 أفراد في سورية أكثر من 4 ملايين ليرة بحسب جريدة قاسيون المحلية، في الوقت الذي بالكاد يتجاوز الحد الأدنى للرواتب 92 ألف ليرة (14 دولارا) أي أن 4 كيلو بصل في الشهر سيحصد ربع راتب الموظف.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية في شهر رمضان الحالي بنسبة 150% مقارنة برمضان في العام الماضي 2022، حيث بيع كيلوغرام البصل في الأسواق بين 13 و15 ألف ليرة، بينما كان يبلغ 1500 ليرة في رمضان السابق، ويباع كيلو البطاطا بـ2500 ليرة والخيار بـ6 آلاف ليرة والبازلاء بين 15 و18 ألف ليرة والكوسا 5 آلاف ليرة، هو ما جعل بعض الأسر تشتري بعض المواد الغذائية بالحبة، بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي.

الأزمة ليست في السوق

لم يكن مسار تحليل الأزمة في سورية في أي وقت من الأوقات في حقل السوق، العرض والطلب، وطريقة تسويق المنتجات في الأسواق وبيعها من خلال "البطاقة الذكية"، فأصل المشكلة والأزمة يكمن في حقل الإنتاج وطريقة إدارته وتوجيهه من قبل الحكومة والقطاع الخاص، هنا سنجد مكمن الأزمة التي تعاني منها سورية على مدار السنوات الماضية.

تبدل وجه سورية الزراعي بعد سنوات من الحرب، وتحولت من بلد مصدّر للقمح والزيتون والقطن والخضار والفواكه إلى مستورد تعاني أسواقه من الفاقة وارتفاع الأسعار، مع خروج مساحات زراعية واسعة عن خط الإنتاج وغلاء المشتقات النفطية والأسمدة والبذار، وهجرة المزارعين أراضيهم جراء الخسائر والمخاطر المحدقة.

تراجع إنتاج سورية من الحمضيات لموسم 2022 - 2023 بنسبة 16.3% عن الموسم السابق، وهبط إنتاج سورية من القمح من 5 ملايين طن إلى أقل من مليون طن سنوياً، وتراجعت زراعة الخضار والفواكه في موسم 2021 بنسبة 60 - 70% عن الأعوام السابقة. وقدرت حكومة النظام الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي والحيواني في الفترة بين 2011 - 2016 جراء الصراع بنحو 16 مليار دولار، وأن 70% من المساحات المزروعة تعاني من نقص في المياه.

كما أنّ ارتفاع أسعار المواد في السوق مرده ارتفاع أسعار مستلزمات وتكاليف الإنتاج من مازوت وأسمدة ويد عاملة وأجور وغيرها. وباتت الزراعة مهنة خاسرة في سورية، فبحسب صحيفة الوطن المحلية، فإن أصغر بستان مزروع بمساحة 50 دونماً بالخضار والفواكه يحتاج في اليوم الواحد نحو 1000 ليتر مازوتاً من أجل السقاية، أي أن المزارع يدفع نحو 3 ملايين ليرة يومياً، وهي تكلفة تفوق قدرة المزارع المالية.

وغنيٌ عن القول إن تراجع الإنتاج بدأ مع تشظي الجغرافية السورية وتوقف العجلة الاقتصادية في البلاد منذ قرار النظام السوري وأد الثورة التي انطلقت في مارس/آذار 2011، فدفعَ الجيش إلى الشوارع وضرب بالمصالح والسيادة الوطنية عرض الحائط واستعان بقوات أجنبية، وقصف البلدات والمدن وقتل مئات آلاف المواطنين.

لا تبدو الحلول التي يقدمها النظام لأزمة فقدان المواد من السوق مُجدية، فيما "عدالة التوزيع" في ظل نقص الإنتاج مضيعة للجهد والوقت والمال، وتحتاج الحكومة إلى التذاكي أكثر على الشعب من اعتماد توزيع بعض المواد على البطاقة الذكية، والبحث عن بلد آخر غير الإمارات لمقارنة سورية به، ومن المرجح استمرار نقص المواد في السوق وفقدان إحداها بين الفينة والأخرى، ما دامت عجلة الإنتاج متعطلة.

وإصلاح عجلة الإنتاج بحاجة لاستعادة الاتصال الجغرافي وعودة مضخات النفط والمصانع للإنتاج والتوظيف، وعودة اللون الأخضر إلى الأراضي ودعم المزارعين بالمواد اللازمة، واستعادة الليرة السورية قوتها الشرائية.

هذه الحلول لا تتحقق إلا في ظل حل يُنهي النزاع في سورية، ويقرر الشعب السوري مصيره بعيداً عن نظام الأسد وقبضته الأمنية، وتجرى انتخابات نزيهة، ويصاغ دستور جديد يمهد لحياة سياسية جديدة، ويعود اللاجئون والنازحون، لتعود سورية.