على الرغم من مرور خمس سنوات كاملة على واقعة تحطم طائرة "إيرباص-321" الروسية في سيناء وما ترتب عنها من تعليق رحلات الطيران الروسية إلى مصر، لا يزال الغموض سيد الموقف في ما يتعلق بآفاق عودة رحلات الطيران العارض (تشارتر) إلى منتجعي الغردقة وشرم الشيخ اللذين يعدان الوجهتين الرئيسيتين للسياح الروس على سواحل البحر الأحمر.
وفي الوقت الذي تصدر فيه عن الجانبين الروسي والمصري تصريحات متكررة عن قرب عودة الرحلات دون ذكر موعد محدد، لا تزال القاهرة هي المدينة المصرية الوحيدة التي استؤنِفَت الرحلات المباشرة إليها من موسكو في عام 2018. كذلك كانت العاصمة المصرية من أول الوجهات الخارجية التي رفعت روسيا الحظر عنها بعد انحسار الموجة الأولى من جائحة كورونا في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وفي هذا الإطار، يرجع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بالماسوف، تأخر روسيا في حسم مسألة إعادة حركة السياحة إلى مصر، إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى استمرار تمدد جائحة كورونا.
ويقول بالماسوف في حديث لـ"العربي الجديد": "يبدو أن الأجهزة الخاصة الروسية ليست مطمئنة تماماً للوضع الأمني في مصر، وأنه تمّ القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" بشكل كامل. وإلى جانب اعتبارات أمنية، لا تريد روسيا أن تخسر منتجعاتها المطلة على البحر الأسود حصتها من حركة السياحة الداخلية، في حال توجُّه هؤلاء إلى مصر".
وفي الوقت الذي تبدي فيه موسكو تعنتاً في مسألة استئناف الرحلات إلى مصر منذ خمس سنوات كاملة، اختلفت طريقة تعاملها مع الرحلات إلى المنتجعات التركية، التي استؤنِفَت فور اعتذار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن واقعة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" على الحدود السورية التركية من قبل سلاح الجوي التركي في نهاية عام 2015. كذلك سارعت روسيا إلى استئناف حركة الطيران العارض إلى مختلف المنتجعات التركية بعد انحسار وباء كورونا، رغم أنه يعيش موجته الثانية الآن.
ويعلق بالماسوف على تباين المقاربتين الروسيتين تجاه تركيا ومصر، مضيفاً: "صحيح أن تركيا شهدت حوادث فردية مثل إسقاط القاذفة الروسية واغتيال السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، ولكن بلا حوادث كبرى مثل تحطم طائرة مدنية أدت إلى مقتل عدد كبير من الركاب مثلما حدث في مصر. كذلك إن العامل السياسي يؤدي دوراً أكبر في الحالة التركية في، ظل التنسيق الوطيد معها في المناطق الحيوية مثل سورية والقوقاز، فتسعى موسكو إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع أنقرة وألا تغضبها من دون سبب".
وفي ما يتعلق بتأثير جائحة كورونا بمسألة استئناف الرحلات السياحية إلى المنتجعات المصرية، يشكك الخبير الروسي في دقة الإحصاءات التي تفيد بأن عدد الإصابات في مصر لا يزيد على 200 حالة جديدة يومياً، قائلاً: "قد تكون هناك شكوك في دقة تشخيص الحالات في الأحياء الفقيرة، ولا نعرف ما هو الوضع الحقيقي في القاهرة والإسكندرية".
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، قد أعرب في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن قناعته بأنه سيُبَتّ في مسألة استئناف الرحلات السياحية إلى مصر في القريب العاجل، مؤكداً إنجاز الجهات المعنية في البلدين جزءاً مهماً من العمل المشترك للارتقاء بمستوى الأمان في مطاري شرم الشيخ والغردقة.
وبذلك يوشك ترقب استئناف الرحلات السياحية من روسيا إلى المنتجعات المصرية أن يدخل عامه السادس، إذ أعلنت السلطات الروسية في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 تعليق الرحلات الجوية إلى جميع المدن المصرية، بما فيها القاهرة على خلفية حادثة طائرة "إيرباص-321". وعلى الرغم من استئناف حركة الطيران بين البلدين جزئياً في إبريل/ نيسان 2018، إلا أنها لا تزال تقتصر على الرحلات بين موسكو والقاهرة على متن شركتي "أيروفلوت" و"مصر للطيران".
يُذكر أنّ طائرة "إيرباص-321" التابعة لشركة "كوغاليم آفيا" (اسمها التجاري "متروجيت")، تحطمت في سيناء بعد 23 دقيقة من إقلاعها من شرم الشيخ إلى مدينة سانت بطرسبورغ الروسية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ما أدى إلى مقتل 224 شخصاً، في ما يعتبر أسوأ حادثة في تاريخ الطيران الروسي والسوفييتي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، أعلن رئيس جهاز الأمن الفدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، اكتشاف آثار لمادة متفجرة في حطام الطائرة المنكوبة، مؤكداً رواية تعرضها لعمل إرهابي لم تعترف السلطات المصرية بحدوثه حتى اليوم.