"المنطقة العازِلة" تُهدِّد الأمن الغذائي لقطاع غزة

12 سبتمبر 2022
القطاع يخسر نحو 30% من الأراضي الخصبة (عبد الحكيم أبو رياش/ العربي الجديد)
+ الخط -

يواصِل الاحتلال الإسرائيلي إقامة "المنطقة العازِلة" على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة الفلسطيني المحاصر، والتي تقضم نحو 30% من الأراضي الزراعية الخصبة، إلى جانب مواصلة تجريف الأراضي ورش المبيدات الكيماوية، والتي تلحق خسائر كبيرة بالمزارعين.
وتستخدم قوات الاحتلال للحِفاظ على المنطقة الأمنية العازلة بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1948، مُختلف أشكال الاعتداءات على المزارعين الفلسطينيين، بدءاً بالتوغل والتجريف، وانتهاءً بإطلاق النار، ورش المبيدات، وإغراق أراضي المواطنين بفعل فتح السدود خلال فصل الشتاء.
وتمتد المنطقة العازلة والتي يدّعي الاحتلال بأنها لفتح مجال الرؤية، وحمايته من أي هجوم، بمساحة تقدر من 100 إلى 300 متر على طول الحدود الشرقية والشمالية، وتختلف المساحة أو تتغير وفقاً للمنطقة، أو الأهواء الإسرائيلية التي تُحدد إمكانية وصول المزارعين إلى أراضيهم.
وتحرص الآليات التابعة للاحتلال الإسرائيلي على تجريف الأراضي الزراعية، الواقعة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، بين الفينة والأخرى، لضمان عدم نمو الأشجار، وتتعمد الآليات والجرافات العسكرية، التي تتوغل وسط إطلاق نار، إتلاف مئات الدونمات الزراعية، المزروعة بمحاصيل متنوعة.

وتتركز الاعتداءات الإسرائيلية والتي تفاقمت في الفترة الأخيرة، على أراضي المواطنين، في منطقة خان يونس، والمناطق الشرقية لجنوبي قطاع غزة، والتي تعتبر السلة الغذائية لأهالي القِطاع المُحاصر إسرائيلياً منذ نحو 16 عاماً، تأثرت خلالها الأوضاع الاقتصادية ومختلف النواحي الحياتية.
ولم تسلم أرض المزارع الفلسطيني خليل أبو رجيلة، في منطقة خزاعة، شرق مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، من الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للمناطق الزراعية، والتي أثّرت بشكل مُباشر على دخله، ودخل أسرته.
ويوضح المزارع أبو رجيلة، والذي زرع أرضه برفقة عائلته بمحاصيل الكوسا والطماطم ومختلف أصناف الخضار، أن توغل الجرافات المحمية من الآليات العسكرية الإسرائيلية، بات الهاجس الأكبر للمزارعين، والذي يلحق بهم الخسائر الكبيرة بشكل متواصل.
ويشير أبو رجيلة لـ "العربي الجديد" إلى أن إطلاق النار المتواصل على المزارعين، يؤثر على دخلهم، وعلى أسرهم، حيث يتطلب إعادة إصلاح الضرر جهداً وعبئاً مادياً مُضاعفاً، إلى جانب أنه يؤثر على المُنتج المحلي، خاصة أن المناطق الحدودية تعتبر المصدر الأساسي للخضار والفواكه في القطاع المُحاصر.
ولم تتوقف الأضرار على التوغل الإسرائيلي المُباشر، أو إطلاق النار فقط، وإنما تسببت بأضرار جسيمة، ولكن بشكل غير مُباشر، وذلك لعدم تمكن العديد من المواطنين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، خلال فترات الحروب، أو التصعيد الإسرائيلي، أو أي توغل للآليات الإسرائيلية العسكرية.
وعن ذلك تقول المزارعة الفلسطينية أسيل النجار، والتي افتتحت برفقة عدد من زميلاتها مشروع زراعي، في منطقة خزاعة، إن فريقها تعرض لخسائر جسيمة بفعل عدم تمكّنه من الوصول إلى الأراضي الزراعية، القريبة من المنطقة الحدودية، وذلك بسبب إطلاق النار المُباشر على كُل مُتحرك.
وتوضح النجار لـ "العربي الجديد" أنه منذ توقف العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، والذي بدأ في الخامس من آب/أغسطس 2022، لم يتمكن المزارعون من الوصول بشكل طبيعي إلى أراضيهم الزراعية، فيما تفاقمت الأوضاع خلال الأيام الأخيرة، والتي بدأت الآليات الإسرائيلية فيها بالتوغل في المناطق الشرقية، وإطلاق النار على المزارعين.
ويحتاج محصول البندورة (الطماطم)، الذي قاموا بزراعته، إلى رعاية يومية ودائمة، وفق حديث النجار، التي قالت إن المحاصيل الزراعية بشكل عام تفسد في حال غياب الاهتمام، علاوة على تأثر الكمية والجودة، فهم لا يتمكنون من الوصول إلى أرضهم، أو الاحتماء بأي ساتر، خلال أوقات التوتر أو توغل الآليات العسكرية وإطلاق النار.

تتركز الاعتداءات الإسرائيلية والتي تفاقمت في الفترة الأخيرة، على أراضي المواطنين، في منطقة خان يونس، والمناطق الشرقية لجنوبي قطاع غزة، والتي تعتبر السلة الغذائية لأهالي القِطاع


ويمتد الشريط العازل على طول حدود قطاع غزة الشمالية والشرقية، وقد سيطر الاحتلال من خلاله على مساحة أرض كبيرة بالنسبة لمساحة قطاع غزة الصغيرة (365 كيلو متراً مربعاً المساحة الإجمالية للقطاع)، وكانت تلك الأراضي تُصنّف ضمن الأراضي ذات الخصوبة العالية والمناسبة للزراعة، فيما يواصل مهاجمة المزارعين وإطلاق النار، للتأكيد على فرض تلك المنطقة العازلة، في مخالفة لقوانين حقوق الإنسان.
وتقول منسقة الإعلام في الإغاثة الزراعية نهى الشريف إن القطاع الزراعي يعتبر من أساسيات الاقتصاد الفلسطيني، وبات يعاني من تدهور ملحوظ، وحالة مُعقدة بسبب الأزمات المتتالية، من العدوان، والاجتياحات، والتوغلات المتواصلة، وأزمة كورونا، وتأثيرات الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2006.
وتشير الشريف في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن المنطقة الحدودية، والتي تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، تمثل نحو ثُلث مساحة الأراضي الزراعية الخصبة على مستوى قطاع غزة، ويمنع الاحتلال الإسرائيلي فيها زراعة أشجار بطول أكثر من متر واحد، والاكتفاء فقط بزراعة الخضراوات الورقية، مثل الجرجير، والبقدونس، والنعناع، وباقي الخضر الورقية، غير المجدية اقتصادياً، والتي لا تعود بالنفع أو الدخل على المزارعين، إلى جانب تأثر قطاع النحل بشكل مُباشر بفعل تدمير الخلايا، وغير مُباشر، عبر رش المُبيدات، وتجريف الزهور.
ويؤثر التجريف الإسرائيلي المتكرر للأراضي الزراعية، واستنزاف الأشجار ذات الدخل الاقتصادي المرتفع بشكل مُباشر على العملية الإنتاجية، ويساهم في زيادة نسب الفقر لدى أسر المزارعين، وزيادة الهشاشة، وعدم القدرة على توفير الحدّ الأدنى من المستلزمات الأساسية، علاوة على هجرة المزارعين أراضيهم، وتراكم الديون، والقروض.
ويُحافِظ الاحتلال على مدار العام على إبقاء المنطقة الأمنية العازلة، بدعوى كشف الرؤية، وقد حَوّل الحدود الشرقية والشمالية إلى حِزام أمني، يقوم في المواسم الزراعية برشه بالمواد الكيميائية الحارقة، إلّا أن تلك المواد تؤثر في مختلف المحاصيل الزراعية، ما بات يُهدد ما تبقى من الأمن الغذائي لقطاع غزة، والذي يعاني أصلاً من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 60%.

المساهمون