في مثل هذه الأيام قبل ثمانية وسبعين عاماً، ارتكبت فرنسا واحدةً من أفظع جرائم الإبادة في تاريخها الاستعماري بالجزائر. بدأ ذلك بخروج الجزائريّين للمطالبة باستقلال بلادهم، في مظاهرات سلمية عمّت مُدناً عديدة، بالتزامن مع الإعلان الرسمي عن انتصار "الحلفاء" على ألمانيا في الثامن من أيار/ مايو 1945، قبل أن يسقط أوّل شهيد في المظاهرات، هو بوزيد سعّال (1919 - 1945)، الذي قتلته الشرطة الفرنسية في مدينة سطيف.
ردّت السلطات الاستعمارية على المظاهرات باللجوء إلى القمع، حيث طبّقت القانون العرفي، وحشدت قوّاتها البرّية والجوّية والبحرية لتدمير قرىً ومناطق بأكملها، وكانت النتيجةُ، خلال بضعة أيّام، حصيلة ثقيلة من الضحايا؛ إذ يتراوح عدد قتلى المجازر، حسب التقديرات، بين 45 ألفاً و70 ألفاً، سقط معظمهم في سطيف والمسيلة وقالمة وخرّاطة وسوق أهراس.
"مجازر 8 ماي 1945 في الجزائر: تقارير، شهادات وأعلام" عنوان كتاب جماعي صدر حديثاً عن "منشورات جميعة النبراس" في سطيف، وفيه تعود مجموعةٌ من الباحثين والأكاديميّين إلى تلك الأحداث، استناداً إلى عدد من التقارير والشهادات الشخصية والصور الوثائقية. والمشاركون في الكتاب؛ هُم: سفيان لوصيف وبشير فايد ومحمد بن ساعو ومحمد كراغل وكمال خليل من "جامعة سطيف"، وخميسة مدور من "جامعة قالمة".
من بين المواد التي يستند إليها الكتاب تقريرٌ للمحافظ المركزي لشرطة مدينة سطيف يستعرض فيه سير الأحداث من وجهة نظر فرنسية، وتقريران سويسريان عن المجازر، إضافةً إلى أرشيفات فرنسية عن دور الميليشيات الأوروبية في المجازر بمدينة قالمة، وتداعيات المجازر على المجتمع في سطيف.
ويستعرض الكتاب شهادات لمُواطِنين من مناطق سطيف، وأولاد عدوان، وعمّوشة، وواد البارد؛ هُم: خضرة فايد بنت لعبيدي، وصالح هلال، وإسماعيل شلوش، ومحمد وشن؛ وهي شهاداتٌ تذكّرنا بأنّ "المجازر كانت من الوحشية، بحيث حفرت عميقاً في ذاكرة ووجدان كلّ من عاشها"، وفق تعبير بشير فايد.
تضمّن الكتابُ أيضاً شهادة للمناضل الراحل الشريف محمد الهادي (1923 - 2022)، تحدّث فيها عن مشاركته في مسيرة الثامن من أيار/ مايو 1945، واعتقاله من طرف الشرطة القضائية الفرنسية وتعرّضه للتعذيب، واعتقال الكاتب كاتب ياسين والصحافي عبد الحميد بن الزين؛ أحد مسؤولي "حزب الشعب".