في حزيران/ يونيو من عام 1999، ضرب زلزال مدينة بويبلا المكسيكية ألحق أضراراً بالغة بأقواس وأقبية العديد من كنائسها التي بُنيت في ثلاثينيات القرن السادس عشر الذي شهد تمازج ثلاث مؤثّرات أساسية في تشييدها: العربية الأندلسية، والمكسيكية التقليدية، والإسبانية القوطية.
مؤخّراً، أنشأت "جامعة بويبلا المستقلة" مركزاً لدراسات الهسبانو ترأسه المعمارية ذات الأصول السورية دولوريس ديب ألفاريز (الفارس)، في محاولة لاستقطاب باحثين متخصّصين لتوثيق التفاعل الذي أنتج أنماطاً ثقافية جديدة شكّل العرب حضوراً أساسياً فيها مع قدوم عدد من المهندسين الأندلسيّين مع الاستعمار الإسباني، أعقبتها موجات هجرة من سورية ولبنان إلى أميركا اللاتينية منذ نهايات القرن الثامن عشر.
حتى الثامن عشر من تمّوز/ يوليو المقبل، يتواصل في "معهد ثربانتيس" بعمّان معرض "تعابير عن فن العمارة العربية في المكسيك" الذي افتُتح منتصف الشهر الجاري، ويضمّ ثلاثين عملاً فوتوغرافياً للفنانة المكسيكية روثيو لاوريانو.
تضيء الفنانة على مبانٍ تنتمي إلى ما يُسمّى "العمارة المدجّنة"، وهو مصطلح تعود أصوله إلى المسلمين الذين بقوا في إسبانيا عقب سقوط غرناطة، حيث أُجبر أحفادهم على التحوّل القسري إلى المسيحية، لكنه أصبح يعبّر عن حساسية ثقافية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، ويشير إلى الجماليات والتقنيات الفنية التي قدّمها "المدجّنون" للعالم.
من بين أبرز المعالم التي تعرض الفنانةُ صورها دير سان غابرييل في بويبلا، والذي بُني عام 1540 خلال الحقبة الاستعمارية، وتميّز بالابتكار في استخدام الطوب والأشكال الهندسية والمعادن المستخدمة في الزخرفة والقرميد متعدّد الألوان والمنحوتات الخشبية والزخارف الجصية والسيراميك والأقواس متعدّدة الأشكال.
أمّا كنيسة غوادالوبي، فاشتُقّ اسمها من العربية؛ حيث جرى تحوير "وادي الذئب" من منطقة مشابهة في إسبانيا تُدعى إكستريمادورا، ولفظها باللاتينية للإشارة إلى المكان الذي يُعتقد بظهور مريم العذراء فيه، وقد استعار مصمّموها ملامح عربية، حيث تنقسم قبة الكنيسة إلى فصوص مثل مقاطع برتقالية حقيقية، وقد صُمّمت على غرار مسجد قرطبة وجامع عقبة بن نافع في القيروان.
جرت محاكاة مسجد قصر الحمراء وبرج الخيرالدة في إشبيلية في عشرات المباني المنتشرة في المكسيك، ومنها مدينة تلاكسكالا التي أُنشئت في عام 1525، حيث يوجد فوق كنيستها قوس يُعرف باسم "الفيز" المشتقّ من "الحيز" الذي استخدمه المهندسون العرب للتعبير عن حدود الفضاء الذي يتعاملون معه.
تتمثّل التقنيات الثلاث الأكثر شيوعاً في الفن المدجّن في الخزف والخشب المرصّع والجص، إلى جانب الرسوم على الزجاج التي اشتهر بها العرب الأندلسيون في القرن الثالث عشر، مع امتزاج عناصر محلية، مثل الواجهات الحجرية للأبنية، وعناصر استعمارية تمثّل السلطة التي استعانت بالأيقونات المسيحية لتضمّنها في المباني الجديدة.
يتضمّن المعرض أيضاً صوراً لأقواس كارمن في سان كريستوفل في المكسيك، والفراغات المعمارية والزخارف الجصية والسقف الخشبي والنجمة الثمانية التي تعرفها العمارة في الفن الإسلامي.