الثقافة الأميركية: سنة ترامبية أخرى

03 يناير 2019
(من معرض آنا بوغيجويان)
+ الخط -


للعام الثاني على التوالي، بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم في الولايات المتّحدة، تطغى المواضيع السياسية وانتقادات تصرّفاته، ليس فقط على نشرات الأخبار، بل في مختلف التجمّعات الثقافية والفنية التي تشهدها البلاد. فالرجل أصبح دون منازع كابوساً لملايين الأميركيّين، وعلى وجه التحديد لأغلبية لا بأس بها من أهل الثقافة والفن والإعلام الذين لا يتوقّفون عن انتقاده في كل تظاهرة، هامشية كانت أم مركزية.

تصدّرت، كذلك للعام الثاني على التوالي، أخبار فضائح التحرّش الجنسي والاغتصابات عناوين وسائل الإعلام الأميركية. تلك الفضائح التي فجرتها عام 2017 قضية المخرج والمنتج السينمائي، هارفي واينستين، بعد أن اتهمته مجموعة من النساء الشهيرات في هوليوود باغتصابهن والتحرّش بهن. وفي 2018، وُجّهت اتهامات رسمية ضده بالاغتصاب، ولا تزال محاكمته جارية.

وكانت قضية واينستين قد أدّت إلى انطلاق حركة #MeToo (أنا أيضاً) المناهضة للتحرّش، وأسقطت الحملة عدداً كبيراً من رجال الإعلام الأميركي وفي دوائر الثقافة في 2018، ومن بين هؤلاء الممثل كيفين سبيسي، الذي أُبعد من مسلسل "هاوس أوف كارد" وهو في ذروة نجاحه، بسبب اتهامات له بالتحرش بقاصر قبل سنوات. وشكّل حفل "أوسكار" هذا العام مناسبة كي تعبّر العديد من الممثلات عن الضرر الذي لحق بهن أو إعلان التضامن مع الحركة ومن ضمنهنّ الممثّلة سلمى حايك.

في عالم الكتب، وبعيداً عن انشغالات الإعلام الأميركي المهووس بكل ما صدر من مذكّرات وكتب (عدد منها حول ترامب أيضاً)، فقد صدرت في الولايات المتّحدة أعمال كثيرة من روايات ومجموعات شعرية ودراسات اعتنت بقضايا المنطقة العربية بعضها لمؤلفين من أصول عربية، من ذلك كتاب "إخوة السلاح: مذكّرات الحرب السورية" عن منشورات "وان وارلد"، وهو عمل مشترك من تأليف الصحافي والكاتب السوري مروان هشام، والصحافية والرسامة الأميركية مولي كراب آبل، والثورة السورية وتحوُّلها إلى "حرب أهلية" وإقليمية بالوكالة عن طريق سرده لمصائر ثلاثة أصدقاء شاركوا في الاحتجاجات، ولكن طرقهم تشعّبت بعد ذلك، لتعكس ما آلت إليه الثورة.

أمّا الباحثة والأكاديمية غولبرغ باشي، والتي تعيش في نيويورك، فلم تتوقّع عندما ألّفت وأصدرت كتاب الأطفال "P is for Palestine" أن عملها سيلقى كمّاً هائلاً من التهديدات والشتائم. ولا يفعل كتاب باشي أكثر من تقديم الثقافة الفلسطينية بشكل طبيعي وشيّق للأطفال.

لكن مجرّد ذكر اسم فلسطين ومحاولة تنظيم قراءات في مانهاتن كان سبباً لمهاجمة صاحبته غير الفلسطينية (تنحدر من أصول إيرانية)، وشتمها هي والفلسطينيّين عموماً وإنكار وجودهم! ورغم من العداء الشديد إلّا أن الكتاب لقي رواجاً وإقبالاً ودعماً من أبناء الجاليات الفلسطينية والعرب في الولايات المتّحدة ونفدت أكثر من طبعة له.

صدر أيضاً أكثر من عنوان يتناول تاريخ الهجرات العربية إلى الولايات المتحدة. واحد منها لـ ليندا ك. جاكوب وتتناول فيه حياة العرب الذين هاجروا إلى نيويورك بين الأعوام 1880 و1900.

كما أصدرت الباحثة العراقية زهراء علي كتاباً حول النساء والجندر في العراق عن منشورات "جامعة روتغرز" تحت عنوان "النساء والجندر في العراق: بين بناء الدولة القومية والتفتيت". وآلت جائزة "الكتّاب العرب الأميركان" لعام 2018 إلى الباحثة باميلا بينوك عن عملها "صعود اليسار العربي-الأميركي: نشطاء، حلفاء، والقتال ضد الإمبريالية والعنصرية 1960-1980"، وقد صدر عن منشورات "جامعة نورث كارولاينا".

يتناول الكتاب تاريخ الحركات العربية اليسارية الرائدة في الولايات المتّحدة في ستينيات القرن الماضي وهي واحدة من أكثر الحركات الاجتماعية التي تم تجاهلها. وتُلقي الكاتبة الضوء على تحالفاتها مع أقليات أخرى ودورها في النهضة والتغيير الاجتماعي في الولايات المتحدة.

ولعل من أبرز الأحداث الثقافية الخاصة بالعالم العربي داخل الولايات المتحدة افتتاح أول متحف فلسطيني في البلاد، وذلك في ولاية كونتيكيت، والذي أسّسه الفلسطيني فيصل صالح. ولا يشتمل المتحف على لوحات وتحف فنية لفنانين فلسطينيين فقط، بل يعرض صورا توثق للإرث التاريخي والتراثي للشعب الفلسطيني بما فيها الأعمال اليدوية، كما يقدّم عروضاً موسيقية وقراءات كجزء من برنامجه الثقافي.

كما أقيمت عشرات المعارض في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة تتناول أعمالاً لفنانين من أصول عربية. في نيويورك نذكر، على سبيل المثال، معارض للفنان العراقي أحمد السوداني، واللبنانية أوغيت كالان، والعراقي الكردي هيوا ك. والمصرية الأرمنية آنا بوغيجويان.

وقد حضرت الموسيقى بأنماطها المختلفة كحفلات موسيقى كلاسيكية عربية أحيتها فرق عدة من بينها "أوركسترا نيويورك للموسيقى العربية". وإضافة إلى العروض الموسيقية يعمل مؤسّسا الأوركسترا، الموسيقي اللبناني بسام سابا والأميركية آبريل سنترون، على توسيع رقعة المعرفة والتوعية بالموسيقى العربية عن طريق تأسيس معهد لتعليمها في نيويورك.

في السينما، شكّل فيلمان مفاجأة في شبّاك التذاكر الأميركي، يجمع بينهما أن كوادر الممثّلين والمواضيع تتمحور حول حياة "الأقليات"، دون أن يعكس النجاح بالضرورة جودتهما، على الأقل في ما يخص فيلم "Crazy Rich Asians" (آسيويون فاحشو الغنى) والذي بدا أقرب منه إلى أفلام هوليود النمطية التي تسطح الشخصيات. وما ميّز الفيلم هو أن طاقم التمثيل بأكمله كان من الآسيويين.

أما فيلم "بلاك بانثر" (الفهد الأسود) فكان مفاجأة أكبر، حيث فاق جميع التوقّعات، خاصة أن مخرجه ريان كولغر وأغلب طاقم التمثيل هم من الأميركيين من أصول أفريقية. ويصنف العمل ضمن أفلام الحركة والخيال والـ"سوبر هيرو". واستوحى المخرج قصته من شخصية بطل من كتب الـ "كوميكس" حملت نفس الاسم أواسط سبعينيات القرن الماضي.

ولأن أدوار البطولة أو البطولة الأسطورية غالباً ما توكل للرجال البيض، فإن حصول فيلم من هذا القبيل على كل هذا النجاح في السوق يبقى مفاجئاً، حتى لو كان إخراجه وحبكته مثيرة ومحكمة في سياق جنسه السينمائي.

المساهمون