مفكرة المترجم: مع محسن فرجاني

30 مارس 2018
محسن فرجاني
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى العربية اليوم. هنا يتحدّث المترجم المصري محسن فرجاني عن تجربته، خصوصاً كونه مترجماً من الصينية، وهي عملة نادرة في لغات الترجمة إلى العربية، إذ يطمح إلى تفاعل أكبر معها.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأت كفكرة حين قرأت كتباً مترجمة عن الصين وبلدان الشرق الأقصى، عندما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، ثم بدأت الترجمة نشاطاً فعلياً وأنا في النصف الثاني من السنة الثالثة طالباً في قسم اللغة الصينية بـ"كلية الألسن" في مصر، وكان الفضل هذه المرة لزميل صيني زائر في كلية الآداب (جامعة عين شمس) اسمه جيشيوي، كان يترجم نصوصاً في التراث القديم، استهوتني التطبيقات الترجمية، فبدأت أولى محاولات الترجمة لقصة قصيرة من الأدب الصيني الحديث، وكانت ضمن المحتوى الدراسي، وراجعتها مع الزميل الصيني (الذي أعتبره أستاذي الأول في الترجمة)، كان ذلك في 1979.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ترجمة منشورة كانت لمجموعة قصصية للكاتبة الصينية المعاصرة "تسان شيوي" Can Xue وصدرت في يناير/ كانون الثاني 2018، عن سلسلة "آفاق عالمية" بالهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، أما الآن، وضمن خطة فردية لترجمة أهم الأعمال الأدبية المعاصرة، فأعكف على ترجمة رواية "سقوط الغبار" للكاتب الصيني "آلاي" A-Lai والرواية في تقدير كثير من النقاد في الصين تُعد إحدى أهم عشر روايات صدرت أثناء الأعوام الخمسين الماضية.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
ولو أنه يصعب تقدير أبرز العقبات بشكل مطلق للمترجمين العرب، إجمالاً، لكنها في ظني تكاد تتركز في تعقد مسالك التواصل مع دور النشر (لتوصيل النص الهدف) واضطراب خطوط الاتصال مع مصادر الملكية الفكرية (لتمرير النص المصدر) حيث تكمن وضعية الانحصار بين شقي الجملة المعترضة - على حد تعبير الشيخ الجبرتي - زِد على هذا ضآلة مكافآت الترجمة بل وانعدامها في أحيان كثيرة، حينما تتعلق جهود الترجمة بالمقالات والنصوص القصيرة للنشر في الجرائد والمجلات والحوليات العلمية، بشكلٍ عام، مع عدم توافر الخطط التفصيلية الواضحة إزاء خطط الترجمة، مما يعزز التقدير الفردي في مشروعات الترجمة، حتى لو صدرت مؤسسياً.


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
لا أعرف إن كان هذا الحكم قد صدر بناء على دراسة موسّعة أم هو مجرّد الافتراض والظن والاجتهاد في التقدير، فمبلغ علمي أن المترجمين لا يمانعون في أن تصدر جهودهم ضمن إطار يضمن لهم أقصى درجات الجودة بما يهيئ لها من سبل الضبط والمراجعة والتدقيق المعرفي والمرجعي واللغوي، وعن ترجماتي فأنا أرحّب بمن يحررها، رغم ندرة الباحثين أو المتضلعين في الأدب والثقافة والعلوم الصينية، عموماً، ممن يمكن أن يمارسوا دوراً سديداً في تحرير نصوص مترجمة عن الصينية. بالمناسبة فقد ذكرت في مقدمة ترجمتي الأولى لنوفيللا من تأليف مويان (الروائي الصيني صاحب نوبل للآداب 2012) ما قام به الصديق المرحوم محمد إبراهيم مبروك من دور في مراجعة النص، أعتبره موازياً لدور المحرّر، وإن بدرجة أسمى.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
الترجمة عن الصينية لها ظرفها الخاص، ومن النادر أن تكون لدى الناشر، الحكومي أو الخاص، خطة خاصة بالترجمة عن الصينية إلا في حالات نادرة تتحمّس فيها جهة النشر لمادة محددة، من ذلك ما كانت تقترحه جريدة "أخبار الأدب" من مواد للترجمة في الأدب الصيني الحديث والمعاصر وفي الموضوعات التراثية، في ما عدا ذلك فمعظم العناوين المترجمة تنحصر فيما أقترحه على الناشر العربي، ومنذ خمس سنوات صرت أتعاقد مع ناشرين صينيين للترجمة (إلى العربية) لكن في ظل خطة محددة سلفاً.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
لنتفق، ابتداء، أن اختيار العناوين للترجمة - في ظل السؤال السابق مباشرة - مسألة تتم عبر تفاوض مع ناشر له سياسته المالية أو الفكرية أو المجتمعية بالتأكيد، وكلها عناصر مشتبكة باعتبارات سياسية، لا مفر، وسواء كانت الاعتبارات معلنة أو مضمرة أو مفهومة ضمناً، وهو ما يؤثر في اختيار المادة المترجمة، ولا بد من الاعتراف بأن اختياري لمادة مترجمة في الأدب الصيني الحديث والمعاصر، وإن بدت موضوعية في مدخلها، فهي منحازة في العمق، لأن الأدب الصيني المعاصر، بصراحة ووضوح، يتأثر حتى في تعريف المراحل الأدبية والأجيال بخصائص المجتمع الصيني في جمهورية الصين الشعبية، في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يكفي أن تسمية الجيل الأدبي الحديث الذي أترجم له أنا وزملائي في المنطقة العربية باسم "الفترة الجديدة" هي تسمية سياسية أصلاً، حتى مراحل تقسيم العصور الأدبية من حديثة أو قريبة أو معاصرة تتبع توصيفات سياسية بالأساس، ومواقفي منسجمة مع هذه المواقف؛ فأنا منحاز تماماً لقضية الشعب الصيني (الجمهورية الشعبية) الذي تنطلق آمال تطوره وازدهاره من وضعية تاريخية لها خصائصها السياسية/ الاجتماعية بشكل عام.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
في حدود الأعمال الأدبية التي ترجمتها عن الصينية، لم تكن علاقتي مع الكاتب إلا عبر إنتاجه الإبداعي النصي الذي أترجمه، وعلى الأسطر فقط، الغريب واللافت للنظر أن من التقيت بهم وعرفتهم عن قرب لم أترجم لها، مثل: جو داشين، وشيوكون، وفنغ جيتساي (اللهم إلا النزر اليسير من أعماله!) وآلاي، لكن هذا الأخير أتمنى أن أصدر له بنهاية العام ترجمة لإحدى روائعه.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أستطيع تصوّر العلاقة بين الكاتب والمترجم، في أعماقي، كالعلاقة بين الظل والقناع، كما تصفها مدرسة علم النفس التحليلي عند كارل غوستاف يونغ، بمعنى أنها العلاقة بين ذلك الجانب الخفي الذي أريد له أن يتوارى بعيداً عن الأنظار، فيتحول إلى قلق داخلي في اللاشعور، وبين ما أريد له الظهور بوجه طيب أمام القارئ؛ فيصبح واجهة مقبولة وإن توارت خلفها صراعات دفينة تستهلك رصيداً من طاقة الروح، أعترف أن شيطان الكتابة له غوايته الآسرة، لكني أراوغه بقناع النصوص المكافئة وقلم المترجم.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
لا أرى لها دوراً حقيقياً في تشجيع حركة الترجمة، رغم أني كنت عضواً في ثلاث لجان منها، إحداها كانت لجنة فحص لجائزة الدولة التشجيعية في "المجلس الأعلى للثقافة" في مصر منذ ثلاث سنوات. وربما اقتصر دورها على تكريم الأداء الفردي للمترجمين الذين يتقدمون للحصول عليها، في حين أن القيمة الأصيلة للنصوص المترجمة لا تتبدى إلا بتقادمها.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
كانت "إدارة الثقافة" في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، قد وضعت "خطة قومية للترجمة" (تونس 1996) وقدمت فيها تصوراً لعمل مؤسسي يقوم بوضع خطط تفصيلية لترجمة الكتب وترجمة العلوم وتعريب تدريسها، بالإضافة إلى خطة مفصّلة لإنشاء شبكة عربية حول الترجمة مع توثيق الكتب المترجمة، ومع ذلك يبقى الفارق بين العمل المؤسسي والفردي مجرّد تمييز بالكم دون الكيف؛ حيث تقوم الاستراتيجية الثقافية العربية في الترجمة على مفهوم وظيفي نهضوي يتمركز حول مشروع نقل تجربة الحداثة الأوروأميركية إلى المنطقة العربية، وربما كان الدور المؤسسي أكثر فاعلية في تجربة النقل الحضاري، إذا أخذنا في الاعتبار ما تقوم به المؤسسات التعليمية، مثلاً، من دور مهم في تفعيل الترجمة غير المنظورة، عبر تدريس اللغات الأجنبية، حيث يتم التداخل المباشر، مع الآخر المتطوّر حضارياً.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
القاعدة الأساسية التي ألتزم بها كمنهج حاكم في الإنتاج الترجمي لا تبعد كثيراً عما اعتدته كأكاديمي يعرف للتخصّص العميق قيمته، من هنا فقد وضعت لنفسي خطة طويلة المدى في ترجمة التراث الصيني، متوناً وشروحاً، واعتبرت هذا الباب تخصّصاً يستحق التعمّق في مادته والإفاضة في نقل نصوصه، حتى إني عندما ترجمت رواية قصيرة لـ مويان تحت إلحاح التعريف به على خلفية أحوال الأدب الصيني الحديث والمعاصر، اضطررت إلى تقديم الاعتذار إلى القارئ.. اعتذار عن الانخراط في ترجمة نص يبتعد عما اتخذته لنفسي خطة ومنهاجاً في ترجمة الكلاسيكيات الصينية. أما عن عادات الترجمة، فليست لي أنماط سلوكية محددة أو طقوس ذهنية مصاحبة لحالة الإقدام على ترجمة النصوص.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
ندمت حقاً على ترجمة عدة مقاطع شعرية لأحد الشعراء الكلاسيكيين الصينيين ضمن مشروع ترجمة عقدته جامعة عين شمس مع أحد المعاهد العلمية في الصين، ضمن خطة لترجمة مشتركة يقوم بها الأكاديميون من الجانبين الصيني والعربي. مبعث الندم أني فوجئت بالمسؤولين عن المشروع يشترطون مراجعة النصوص المترجمة، مما اعتبرته اقتحاماً لأصول وتعدياً على مبادئ وخروجاً عن لياقة في ترجمة النصوص الإبداعية، التي تتجاوز في العادة قواعد الأمانة التامة في الامتثال للبناءات التركيبية والصوتية والمعجمية لنصوص المصدر.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى لحركة الترجمة إلى العربية أن تحاول، بجدّ، تأسيس منظور جديد لنشاطها، منظور يقوم على "استراتيجية تواصلية" متفاعلة مع المناطق الثقافية الكبرى من حولها، بدون الانغلاق على "استراتيجية النقل الترجمي" عن منطقة حضارية بعينها، فقد تبدّل حال العالم كثيراً عما كان عليه عقب الحملة الفرنسية على المشرق العربي، وأن تفتح باباً في خططها التفصيلية كي تستوعب مدخلاً آخر يتجاوز الثنائية المقيتة (الأدبية/ والعلمية) ويعتمد ترجمة "المصادر الحضارية والفكرية والثقافية الكبرى" في ثقافات العالم، وأن تنسى أو تتناسى لبعض الوقت فكرة الترجمة العكسية، حيث ستقودها حتماً إلى الوقوع في فخ المركزية الأوروبية، خصوصاً في الحالة العربية الثقافية المتردية في الوقت الحالي. هذا هو حلمي أو أملي الشخصي.


بطاقة
محسن فرجاني، من مواليد الإسماعيلية عام 1959. أستاذ اللغة الصينية في "جامعة عين شمس". من أبرز إصداراته في الترجمة: "الكتب الأربعة المقدّسة" والتي تقدّم النصوص الأساسية في الكونفوشيوسية، و"ليتسو" عن الفلسفة الطاوية ومؤسّسها، وترجم مختارات لقصص قصيرة من الأدب الصيني المعاصر تحت عنوان "الوحش المحبوس"، كما ترجم أعمالاً لـ مويان مثل "الثور"، و"الحلم والأوباش"، و"الصبيّ سارق الفجل".

المساهمون