لا يمكننا أن نتذكر عام 2017 في ألمانيا من دون أن نشير إلى رواية نتاشا فودين؛ "جاءت من ماريوبول"، والتي فازت بجائزة الرواية في معرض الكتاب في لايبزيغ. تتحدّث الرواية عن الرحلة التي خاضتها الكاتبة للبحث عن أمها التي تبدأ قصتها في عام 1943، حين تم ترحيلها مع زوجها من ماريوبول، للعمل القسري في ألمانيا.
لا تعتبر فودين هذه الرواية سيرة ذاتية، بل بالأحرى قصّة أمها وسيرتها، وبعد ست عقود على انتحار أمها، ستعثر على معلومات مثيرة عن أجدادها في ماريوبول. "أي أسرة كانت هذه؟ جدي من أمي ثوري بلشفي، عاش طويلاً في المنفى، أخوها، متحزّب بأوسمة كثيرة، وأختها وهي متمرّدتان، الواحدة نُفيت إلى معسكر سوفييتي للعمل، والأخرى عاملة قسرية لدى العدو الألماني".
تستعيد الروائية شجرة العائلة، ومعها ذلك الإحساس بالانتماء الذي افتقدته طيلة حياتها، هي التي كانت تعتقد أنه لا تاريخ ولا أصل لها، ولكنه تاريخ عبّدته جماجم التوتاليتاريات.
"الكثيرون كانوا يأكلون الكلاب والقطط، وبعد أن تم الانتهاء من الكلاب والقطط، جاء الدور على البشر. سمعنا عن النساء اللواتي كنا يغرين الأطفال بالطعام ليدخلوا إلى بيوتهن، يقتلوهن، ويصنعن طعاماً منهم".
ستشكّك الكاتبة في معنى كل هذا العمل، وتعبّر عن ذلك في روايتها، وتتساءل عن فائدة كل هذا البحث، كل هذه المغامرة، ما هذا التذكر وكل هذا العناء، لها وللقارئ أيضاً. ماذا يهمها ويهمه من الإفلاس السوفييتي وما بعد السوفييتي، عن هذا الاستغراق المستمر في الكابوس الجمعي كما تسميه، عن روسيا التي تفترس أبناءها. في هذه اللحظة من الرواية، تكون الكاتبة قد اكتشفت أن ابن عمتها تانيا، كريل، قد قتل أمه. إنها ترى ابنة عمتها أمامها، وهي تحمل رضيعها، وتتذكر طفولتها نفسها، طفولتها أو أصلها الذي لا تستطيع منه مهرباً. لكنها رغم هذا الشك الجامح، ستواصل رحلة بحثها، كما لو أنها تدرك أن طريقها الوحيدة للتحرر من ذلك الأصل، تمر عبر معرفته.
وعند نهاية الكتاب، سندرك لماذا افترضت الكاتبة أن ابن عمها قد قتل أمه عبر خنقها بيديه، لأنها كانت تحس كطفلة أيضاً بيدي أمها تلتفان على عنقها. لكنها لن تتمكن من جمع شتات هوية أمها، كما لم تمتلك يوما إمكانية أن تحضنها وتعزيها. وفي الجزء الثالث من الرواية، تحكي فودين قصة رحلة أبويها من ماريوبول إلى العمل القسري في لايبزيغ، وسيظهر لنا لماذا ظل أبواها منغلقين ومحطمين نفسياً. تتواصل علاقات العنف داخل الأسرة نفسها، فالتاريخ يترك آثاره، حتى لو أمعنا في نسيانه وقبره بداخلنا.
سنتذكر عام 2017 في ألمانيا أيضاً من الأدبيات الكثيرة والمختلفة التي صدرت حول الشعبوية والحقد على الأجانب، ومنها كتاب "الشعبوية للمبتدئين" لـ فالتر أوتش ونينا هوراتسيك. يؤكد المؤلفان أن استراتيجية الشعبويين تقوم على إنتاج صورة مصطنعة عن مجتمع مقسّم بين "نحن" و"هم". وفي سخرية واستدلال لا يخلو من متعة، يعمد الكاتبان إلى سحب البساط من تحت الشعبويين وتفكيك شفرات خطابهم.
ولا يقل كتاب "شبح الشعبوية" لـ برند شتيغمان أهمية عن سابقه، خصوصاً أنه ينطلق من سؤال أساسي قلما نلتقيه في الكتب الكثيرة حول هذه الظاهرة: هل تمثل الشعبوية وحدها خطراً على الديمقراطية أم إنها مجرد عرض لعطب داخل الديمقراطية نفسها؟
وكما احتفت ألمانيا، عبر أنشطة متعددة، بمناسبة مرور خمسة قرون على حركة الإصلاح الديني التي تزعمها مارتن لوثر، فإنها ودّعت 2017 وهي تحتفي بمئوية كاتبها هاينريش بول الذي رحل عام 1985، وكان من الألمان القلائل الذين حصلوا على نوبل للآداب، وساهم في بناء بديل يساري أكثر إنسانية، واشتهر برواياته الاجتماعية التي اهتمت بالمهمشين داخل المجتمع، وبثورته على طريقة السرد الكلاسيكية.
أما "جائزة السلام" التي تمنحها "الرابطة الألمانية لتجارة الكتب" في "معرض فرانكفورت للكتاب"، فقد عادت هذه السنة إلى الكاتبة والناشطة الكندية مارغريت أتوود، صاحبة الرواية التي حققت أكبر مبيعات السنة؛ "قصة الخادمة". وهي جائزة قلل من مصداقيتها منحها لكتّاب عنصريين في السنوات الأخيرة.