"حرية الفكر في العالم العربي".. أم التفكير في الحرية؟

07 أكتوبر 2017
(من الندوة)
+ الخط -

تستدعي عبارة "حرية الفكر" في البلاد العربية الكثير من الشجون، فالعوائق جمّة أينما نولّي وجوهنا؛ سواء تعلّق الأمر بالتفكير في السياسة أو في التاريخ أو في الشأن الديني أو في التربية، وحتى في الأدب والفن كثيراً ما نصطدم بأكثر من عامل معطِّل.

"حرية الفِكر في العالَم العربي: رهانات وتحدّيات" كان عنوان ندوة نظّمها الإثنين الماضي "كرسي معهد العالم العربي" في باريس، وشارك فيها كل من: المفكر السوري محمّد شحرور، والباحثين محمد المزوغي من تونس، وخلدون النبواني من سورية، وحورية عبد الواحد من المغرب.

كانت جلسة تقديم الورقات مغلقة، بعدها قدّم كل متدخّل للجمهور بسطة عمّا طرحه في نقاش أقيم في جلسة مفتوحة في قاعة الأوديتوريوم، وهي جلسة أدارتها الباحثة لطيفة بوطهار.

في كلمتها، ورغم أن الندوة مبرمجة باللغة العربية إلا أن حورية عبد الواحد (آخر إصداراتها "العنف والإسلام"(!) وهو كتاب بالفرنسية تحاور فيها الشاعر أدونيس) أصرّت على الحديث بالفرنسية، وتناولت بالخصوص من زاويتها كباحثة في التحليل النفسي مسألة "مقاوماتنا حين نتحدّث عن حرية التفكير، ففي كل مرة ينبغي تجاوز عوائق سلطويّة وأخرى نفسية" لتصل إلى دعوة بـ"إعادة قراءة المدوّنة الإسلامية كنصّ مثل بقية النصوص واستدعاء أدوات العلوم الإنسانية لها".

غير بعيد عن أطروحة عبد الواحد، تحدّث الباحث التونسي في الفلسفة، محمد المزوغي، حول "إشكالية التنوير والحاجة إلى التنوير عربياً". يعود صاحب كتاب "ما بعد الاستشراق" إلى فجر التنوير مع كانط الذي وضع "أعلى نقطة للتنوير في الدين، واعتبر أنه يتمثّل في خروج الإنسان من حالة القصور، وأن القصور في الأمور الدينية هو الأكثر ضرراً". يرى المزوغي أن الشعوب العربية تعيش هذا القصور من جانب ديني مع تغوّل رجال الدين على كل الفضاءات.

يستشهد الباحث التونسي بالمفكر الإيطالي بييرجيورجيو أوديفريدي (1950) الذي يرى أن "إنجاز كتب في نقد الدين يجب أن يكون عمل الفلاسفة"، ومن هنا يقرأ المزوغي المشهد العربي والذي يرى أن لا أحد فيه يكتب نقداً للدين، حتى من يصنّفون كعلمانيين مثل محمد أركون، ويوسف الصدّيق، ومحمد الطالبي فإن كتاباتهم لا تتضمّن هذا التوجّه، وما يجري تقديمه هو نوع من العقلانية الخفيفة تخشى الدخول في المناطق الوعرة.

هذا الوضع، بالنسبة للمزوغي، يبدو مثل ظاهرة عالمية، ففي إيطاليا أصبح جياني فاتيمو (1936) فيلسوفاً متديّناً في السنوات الأخيرة بعد أن كان يسارياً، وفي ألمانيا أصبح يورغن هابرماس (1929) أقرب إلى داعية ديني. يختم المزوغي كلمته بالقول "لا يوجد عقلانية مقسّمة. لا تكون العقلانية إلا شاملة".

كان الترتيب الأصلي في تداول الكلمة يقتضي أن يتحدّث خلدون النبواني قبل المزوغي، غير أنه طلب من منسّقة الجلسة تبادل المواقع، وقد أشار المزوغي لاحقاً أنه فهم بأن هذا الطلب كان من أجل الرد على أطروحته، وهو ما تحسّسه حين قال النبواني أنه "كما يوجد متديّنون جهاديون ثمة علمانية جهادية".

يرى النبواني أننا "لسنا في العصور الوسطى ولكن ثمة تمظهرات لما هو أكثر كآبة، داعش نموذجاً، وأن الدعوة إلى الخروج من التشاؤم لا تهدف إلى الوقوع في التفاؤل". ما يلحّ عليه الباحث والمترجم السوري هو أن "الرهان في العالم العربي ليس حرية التفكير، وإنما التفكير في الحرية، والتي تتحدّد من خلال مجموعة عوائق" ومن بينها "تفكيك ميتافيزيقا الواحد (الرأي الواحد والحاكم الواحد...) التي ينبغي تفكيكها، وبدون ذلك نظل ننتج حروب هويات كما هو حالنا اليوم".

حين استلم الكلمة، بدا محمد شحرور خارج السياق السجالي الذي أخذه بقية المشاركين، وللوصول إلى إشكالية الندوة، بدأ بحديث أشبه بأوتوبيوغرافيا فكرية، إذ ذكر أنه في الأصل مهندس مدني جعلته هزيمة 1967 ينتبه إلى مشاكل المجتمعات العربية، ومن أبرز خصائصها أنها مجتمعات دينية، وهو ما اقتضى بالنسبة له أن يخصّص سنوات لدراسة التراث.

يقول "خمس سنوات كي أستطيع أن ألقي به من على أكتافي، ولآخذ القرآن بنفسي لا من التراث، وقد وجدت أن الشريعة ليست مطابقة للقرآن". يضرب مثلاً حين يقول إذا "كان القرآن يعرّف نفسه بالرحمة والعالمية والخاتمية، أين أثر كل ذلك في الإسلام الذي وصلنا؟".

يرى شحرور أن النبي محمد أنهى عصر القرى؛ عصر المجتمعات المغلقة وعصر المجتمعات الأحادية، حين انتقل من مكة (أم القرى) إلى يثرب التي سمّاها المدينة، والتاريخ هو صراع بين الأحادية والتعددية. يشير صاحب كتاب "السنة الرسولية والسنة النبوية" أن الأحادية -باعتبارها نفياً للحريات وللتعدّد- عذابها في الدنيا (هلاك الحضارات والدول، أو ظهور الإرهاب..) وهو عذاب جماعي غير عذاب الآخرة الذي هو عذاب فردي.

يعتبر شحرور أننا ندفع ثمن عدم الإجابة عن سؤال حرية الفكر، والثمن هو "عذاب شديد" (بحسب التعبير القرآني) ومنه واقعنا. ملاحظة شحرور يمكن تطبيقها على الندوة أيضاً: هل جرت الإجابة عن سؤال حرية الفكر؟ هل كان ممكناً للحضور الخروج بأفكار واضحة؟ يصعب قول ذلك، فحتى مداخلات الجمهور هيمن عليها السؤال الديني، من بينها أسئلة حول المواريث والمساواة بين الجنسين.

وفي ختام الندوة، حاولت منسّقة الحوار أن تعيد طرح السؤال بشكل مباشر على المشاركين، ولكن كل من استلم الكلمة كان يعود إلى استئناف حديثه السابق أو الدخول في سجالات مختلفة. قد يصحّ القول أنه لفهم إشكالية "حرية الفكر في العالم العربي" يفضّل الانتباه إلى ما لم تقله الندوة أكثر مما قيل فيها.

المساهمون