محمد مفتكر: القاعات هي مشروعنا الأكبر

09 يونيو 2015
+ الخط -

حين يتعلق الأمر بالجوانب الفنية لأفلام المخرج المغربي محمد مفتكر (1965)، أو بعلاقة هذه الأفلام ببعضها وترابطها داخل مسار المخرج ككل، فإن لعوالمه السينمائية سماتها المميّزة التي بدأت في التكوّن سنة 2003 مع فيلمه الأول "ظلّ الموت".

حافظ مفتكر على خصائصه الفنية وأضاف إليها، إذ يبدو مطلب الجودة حاضراً في كل أفلامه القصيرة؛ "رقصة الجنين (2005)، "آخر الشهر" (2007)، "نشيد الجنازة" (2008)، "محطة الملائكة" (2011)، ثم فيلماه الطويلان، وآخرهما "جوق العميين" (2015) الذي يُعرض حالياً في قاعات السينما المغربية.

أما فيلمه الطويل الأول، "البُراق" (2011)، فقد فاز بعدة جوائز منها الجائزة الكبرى لـ "المهرجان الوطني للفيلم" في طنجة والجائزة الكبرى لـ "مهرجان السينما الأفريقية" في خريبكة المغرب، ثم الجائزة الكبرى لـ "مهرجان السينما والتلفزيون الأفريقي" في بوركينا فاسو.

في لقائه مع "العربي الجديد"، يشرح محمد مفتكر علاقته بالسينما قائلاً: "أؤمن أن امتهان السينما هو تجربة حياة، فالسينما شيء وجودي أعيشه بصدق وبعمق وبانفعال وبفرح أيضاً. كل هذه العوامل تتداخل لتفسّر علاقتي بالسينما، لدرجة أنني لا أفصل بين حياتي وبين السينما، فهناك تداخل بينهما، حيث تغذّي تجربة السينما تجربة الحياة وتجربة الحياة تغذّي تجربة السينما. من جهة ثانية، أتعامل مع التعبير السينمائي بجدية بالغة، فعندما أشتغل على فيلم يكون الأمر بالنسبة لي بمثابة طرح مجموعة من الأسئلة والإجابة عنها جمالياً، إلى درجة أحس معها كسينمائي أنني إنسان جديد بعد كل تجربة إخراج".

أفلام مفتكر، القصيرة والطويلة، تكشف لنا أسلوباً يقوم على مجموعة من العناصر الجمالية المنسقة بإتقان (الكتابة، الإعداد للتصوير ثم التصوير فالمونتاج...)، وكأن الأمر يتعلق بسقف جودة ثابت يراهن على بلوغه. عن هذه الملاحظة يوضح: "في الحقيقة، لا يتعلق الأمر بسقف الجودة، ولكن بالجدية في صناعة الفيلم، فكل عنصر من عناصره يجب أن يأخذ وقته الكافي، فمثلما تأخذ الولادة الطبيعية وقتها المعروف، يجب أن ننظر إلى الفيلم بالمثل، والعمل إن سار على هذه الشاكلة سيكون نموذجياً، بغض النظر عن طرحه الذي قد نتفق معه أو نختلف".

السينما بالنسبة لصاحب "البراق"، ليست مجرّد سرد لقصص، وإنما هي كيفية التعبير عن هذه القصص، مضيفاً: "لا تكمن قيمة الفن التشكيلي في موضوعه، فمثلاً ليس من يرسم وردة أفضل ممّن يرسم ذبابة. الموضوع في التشكيل يعادل القصة في السينما، لا أهمية أساسية لهما، المهم هو التناول الفني لهذا الموضوع أو ذاك وهو ما يعطي للفيلم قيمته الفنية، إضافة إلى طريقة توظيف اللغة السينمائية وجعلها قادرة على التعبير عن الموضوع، فالأفضلية في الأفلام ليست بالضرورة للموضوع، إذ إن التناول والمعالجة والرؤية واستغلال اللغة السينمائية في أقصى درجاتها هي الأمور التي تجعل الفيلم جيداً أو سيئاً".

يمكننا أن نقول عن رؤية مفتكر للإخراج بأنها رؤية هادئة، أي أنها لا تراهن على تحقيق الكم ولفت الانتباه، لذلك فقد قضى سنوات طويلة مخرجاً مساعداً، قبل أن يمر إلى الإخراج من بوابة الأفلام القصيرة، وهو ينظر إلى الفيلم القصير بنفس الجدية التي ينظر بها إلى الطويل، فـ "ليس الفيلم القصير مجرد تمرين للمرور إلى الطويل، بل هو مشروع فني له خصائصه".

ويقول عن تجربته مع الأفلام القصيرة: "تعاملت مع هذا النوع السينمائي بجدية كبيرة، بالإضافة إلى أنني أصوّر أفلامي بواسطة تقنية (pellicule) التي تفرض تركيزاً ودقة ينتج عنهما بالضرورة نسبة معقولة من الجودة".

يلاحظ مفتكر أن "أغلب الأفلام القصيرة التي نشاهدها الآن في المغرب تبدو وكأنها مصوّرة بالهواتف النقالة، وجودة تصويرها لا تُطمئن، وهناك استسهال في عملية صناعة هذا النوع من الأفلام".

ويضيف: "لا ينبغي على المخرج أن يسابق نفسه من أجل تصوير فيلم قصير ثم المرور إلى الفيلم الطويل، من أجل أن يحظى بصفة مخرج"، مؤكداً: "إن قيمة المخرج لا تقاس بعدد الأفلام، بل بمشروعه الفني والمجتمعي، فالإخراج هو فن بالدرجة الأولى، وليس مجرد جلوس على كرسي لإدراة موقع التصوير".

حين انتقل مفتكر إلى الفيلم الروائي الطويل، حمل معه وسائله التعبيرية نفسها وأنجز فيلمين طويلين "البُراق" و"جوق العميين". في هذا الفيلم الأخير يعود المخرج إلى جزء من حياته من خلال حضور الأب وغيابه في حياة الطفل ميمو، حيث يبني حكاية حول فرقة موسيقية تتظاهر بالعمى من أجل أن تحيي أفراح النساء.

يقول محمد مفتكر عن فيلمه الجديد: "بالنسبة لي فقد تردد صدى "جوق العميين" في كل أعمالي السابقة، منذ فيلم "ظل الموت" مروراً بالبراق وصولاً إلى هذا الأخير، هناك ما يشبه حلقة حكي متصلة ينتهي جزء منها في الفيلم ويفتح أفقاً آخر للفيلم الذي يليه، إن الأمر أشبه بثيمة سينمائية أعود إليها في كل مرة".

عموماً، إن رحلة الإخراج لدى مفتكر هي ذاكرة مفتوحة على ذكرى الأب الراحل، الذي يحتفظ له المخرج المغربي بصور مفعمة بالحب، فأجمل لحظات حياته هي التي قضاها مع والده خصوصاً عندما كان يصطحبه إلى قاعة السينما، وأحزنها كانت لحظة فراقه، وبين هاتين اللحظتين يتشكل مدار الحكي في أفلامه كلها. فصورة الأب حضرت في كل أفلامه لتبدو أكثر وضوحاً في فيلم "جوق العميين" الذي يحكي بصفة مباشرة عن طفولة المخرج.

يشتكي السينمائيون في المغرب ومعهم النقاد والجمهور من غياب قاعات السينما، وهي الحلقة التي يعتبرها بعضهم الأهم لإنجاز مشروع سينمائي وطني. وفي ظل الوضع الحالي فإن أغلب سكّان المغرب لا يستطيعون مشاهدة الأفلام السينمائية في القاعات، وهو أمر جديد عليهم حيث كانت متوفرة في الماضي.

في هذا السياق، يرى مفتكر أن "القاعات السينمائية هي المشروع الأكبر الذي يجب أن نتحد جميعاً من أجل تحقيقه"، ويضيف "لنتخيّل أن يكون لنا مائة قاعة فقط، وقتها سنتحول إلى مرحلة المُخرج المُنتج، وقد يصبح تقليص حجم الدعم أمراً وارداً في ظل وجود قاعات كثيرة".

من جهة أخرى، يرى صاحب "نشيد الجنازة" أن "الإنتاج السينمائي المغربي يسير في الاتجاه الصحيح، إذ إن هناك تنوعاً في الإنتاج، والجمهور بإمكانه الاختيار بين ثيمات سينمائية متنوعة"، ليظل العائق الرئيس بحسبه متمثلاً في عدم وجود تسويق لهذا المنتوج، لذلك فـ "القاعات هي المشروع الذي يجب أن نفكر فيه جميعاً، حتى نوفر أماكن عرض للأفلام التي ننتجها".

دلالات
المساهمون