"الجزيرة للأفلام التسجيلية": على مرمى حجر من الواقع

26 نوفمبر 2015
(لقطة من "نون وزيتون" لـ امتياز دياب / فلسطين)
+ الخط -

غالباً، لا يحضر الفيلم الوثائقي في عالمنا العربي، إلا من خلال بعض التظاهرات والمهرجانات القليلة المتخصّصة، أو على شاشات القنوات التلفزيونية التي تكرّس له بعضاً من وقتها؛ إذ يعرف غياباً شبه كلي عن دور العرض. وحتى التظاهرات سواء كانت معروفة أو مغمورة، تظلّ، في معظم الأحيان، تسعى إلى التحفيز على هذه الصناعة السينمائية التي تواجه كثيراً من العقبات في عالمنا العربي.

يُمكننا النظر إلى "مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية"، الذي تنطلق مساء اليوم فعاليات دورته الحادية عشرة في الدوحة بمشاركة 148 فيلماً، بوصفه واحداً من هذه التظاهرات التي تشكّل، منذ انطلاقها في 2005، نافذةً لكثير من صنّاع الفيلم الوثائقي في العالم العربي وخارجه لكي يُطلّوا من خلالها.

ورغم قلّة المشاركات العربية لهذا العام، مقابل حضور أكبر لإسبانيا (17 فيلماً) والصين (16 فيلماً) وغيرهما من البلدان الأجنبية، إلّا أن القائمين عليه يتطلّعون إلى المزيد من الحضور العربي في الأعوام المقبلة، في إشارةٍ منهم إلى شعار الدورة الحالية؛ "آفاق".

في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يوضّح مدير المهرجان، عبّاس أرناؤوط، أسباب قلّة المشاركات العربية: "تحول الظروف الراهنة التي تعيشها منطقتنا، دون قدرة المخرجين والمنتجين على تقديم هذا النوع من الأفلام، رغم أن كثيراً ممّا يحدث في حاجةٍ إلى توثيق، لكن هذا سيكلفهم مخاطر أمنية كثيرة".

يضيف: "ربّما شهدنا أفلاماً أُنتجت في سورية والعراق، لكنها قليلة، وبعضها صُوّر سرّاً، أو بكاميرا هاتف، غير أنه لا يمكن الحديث عن توفّر ظروف أمنية وبيئية متكاملة تُتيح للمخرجين أن يعملوا على إنتاج أفلام وثائقية الآن. ربّما علينا أن ننتظر أكثر، لنرى ماذا ستأتي به السنوات المقبلة".

لكن، رغم قلّة الحضور العربي، إلّا أن قضايا عربية تحضر في بعض الأفلام الأجنبية المشاركة، خصوصاً القضية الفلسطينية التي رصدتها أعمال إسبانية، مثل: "وُلِد في غزة" للمخرج هيرنان زِن، و"على مرمى حجر من السجن" لـ راكيل كاستلز.

بينما يتناول الأول محنة الأطفال في غزّة، مسلّطاً الضوء على الحرب الأخيرة عليها في تموز/ يوليو 2014، يذهب الثاني إلى رصد حالات الاعتقال العشوائية التي يقوم بها الاحتلال ضد الفلسطينيين: "يكفي أن تخرج في جولةٍ من بيتك مع أصدقائك، لتنتهي مُعتقلاً في مركز تحقيق"، كما يقول ملخّص العمل.

من الأعمال الأخرى التي تتناول مواضيع فلسطينية، ثمة فيلم إيطالي بعنوان "المطبخ الفلسطيني" لـ أليساندرا تشينكويماني وسيلفيا كيارانتيني، وآخر أميركي بعنوان "مدينة الأشباح – قصة الخليل"، للمخرجة إيلي برنشتاين.

يفسّر أرناؤوط حضور فلسطين من خلال أعمال غير عربية: "استطاع المهرجان، من خلال انفتاحه على كثير من البلدان الأجنبية، أن يلفت نظر بعض المخرجين إلى القضايا العربية عموماً، والمسألة الفلسطينية خصوصاً، فراحوا يوثّقون عبر أعمالهم لقصص إنسانية ومواضيع أخرى كثيرة تجري هناك". يضيف: "في إحدى الدورات السابقة، حضر مخرجٌ صيني وشاهد فيلماً حول القضية الفلسطينية، وانتبه إلى أنّه لم يكن يعرف حجمها الحقيقي.. لاحقاً، أعدّ عملاً وثائقياً حولها".

من جهةٍ أخرى، تشارك في التظاهرة أعمالٌ لمخرجين فلسطينيين، مثل "المطلوبات الـ18" لـ عامر الشوملي والكندي بول كون، و"حبيبي بيستناني عند البحر" لـ ميس دروزة، و"نون وزيتون" لـ امتياز دياب. يتناول الأخير قصّة شاب يُدعى مراد، يجوب القرى الفلسطينية عبر سيارته، ويجمع أهاليها في الساحات ويعرض لهم أفلاماً. يلعب مراد دور مانح فرح في أوقات وظروفٍ عصيبة يمر بها الفلسطينيون.

واحدة من المشاكل التي تواجه صنّاع الفيلم الوثائقي في عالمنا العربي هي الحصول على المعلومات التي تؤثّث العمل؛ فكيف بفلسطين التي تُعاني احتلالاً وحصاراً مستمرّين؟ في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول دياب حول هذه النقطة:

"المعلومة لا تتعلّق فقط بما نحتاجه من وزير ما أو مسؤول قد يُخفيها عنّا. المعلومة، أيضاً، هي ما قد يُخفيه العمل الوثائقي، أو أي عمل صحافي، الذي من المفترض أنه يمثّل سلطةً رابعة كما يُقال؛ لكن ظروفاً أخرى تتحكّم في ما يُتيحه وما يخفيه الوثائقي من معلومات، واحدة منها الجوائز والمسابقات والمهرجانات التي قد تتبنّى موقفاً سياسياً معيّناً، يمنع المخرج من أن يقول كل شيء، إلى جانب شركات الإنتاج التي تفرض، هي الأخرى، شروطها في كثير من الأحيان".

تضيف: "على ذكر شركات الإنتاج، كثير منها لا يُنتج بناءً على أهمية الفيلم ومستواه، وإنّما بناءً على العلاقات العامة، وهذا أيضاً خيانة للمعلومة". هكذا، بالنسبة إلى دياب، لا يمكننا الحديث عن سوق عربي للفيلم الوثائقي، "ثمة تجارب وإشراقات، لكن لا يوجد تراكم يمكّننا من القول إنّ هناك فيلماً وثائقياً عربياً".

هذا أيضاً ما يشير إليه المخرج السوري الفوز طنجور، الذي سبق أن شارك في المهرجان من خلال فيلمه "بارودة خشب"، وحاز عنه جائزة "الحريات العامة وحقوق الإنسان" عام 2013، ويحل ضيفاً على هذه الدورة.

يقول: "لا يمكن أن نقول إنّ هناك هويّة متكاملةً للفيلم الوثائقي في العالم العربي؛ لأن الأمر يتعلّق بالدعم، وتبنّي هذه الأفلام بما يؤسّس لها صناعةً حقيقيةً لا تقتصر على رغبات بعض المخرجين والمنتجين فقط". من هنا، يفسّر طنجور لـ"العربي الجديد"، قلّة المشاركات العربية في المهرجان، مشيراً إلى أنّه في بعض أعماله اعتمد على جهد ذاتي بحت، لا يتجاوز أكثر من كاميرا وبرنامج مونتاج وفني صوت.

ما مدى تأثير هذه الأدوات الإنتاجية المتواضعة على جودة الفيلم الوثائقي؟ وهل تؤثّر على قرار لجنة التحكيم في "مهرجان الجزيرة" حين تختار الأفلام المشاركة والفائزة؟ أسئلةٌ طرحناها على عضو لجنة التحكيم، هالة زريقات، التي ركّزت على أمر أساسي في صناعة الفيلم الوثائقي، هو الفكرة: "يهمّنا ما الذي يعمل عليه المخرج، وليس الذي يعمل من خلاله.

 ننظر إلى الرسالة التي يريد إيصالها، بغضّ النظر إن كانت سياسية أم إنسانية، اتّفقنا أم اختلفنا معها، يظلّ المهم هو كيفية معالجته لفكرته، وكيف كرّس ما هو تقني من أجل ما هو موضوعي".

توضّح: "بطبيعة الحال، لا يُمكن إغفال المشهدية والصورة والصوت وما إلى ذلك من تفاصيل فنية، لكن، أيضاً، العمود الفقري لأي عمل وثائقي هو فكرته، وقدرة المخرج على فرضها وتمريرها ضمن بناءٍ قصصي غير تقليدي، قد لا يلتزم الحياد وينحاز إلى فكرة ما، وهذا طبيعي، لكن المهم أن يكون موضوعيّاً".


اقرأ أيضاً: مفدي زكريا: الحياة الشخصية لنشيد الجزائر

المساهمون