لطيفة باقا: غرفة لا تخص فرجينيا وولف وحدها

22 نوفمبر 2015
(لطيفة باقا)
+ الخط -

في سنوات التسعينيات في المغرب، كان الشعر سلطان الساحة الأدبية، كان قِبلة الكتّاب والطريق الذي يمكن أن تعلن به عن نفسك كاتباً. كان الشعر يشكل إغراءً حقيقياً جذب إليه معظم التجارب الحالمة، لكن الكاتبة لطيفة باقا انصرفت نحو القصة القصيرة وانهمكت بها.

في لقائها بـ"العربي الجديد"، تتذكّر صاحبة "ما الذي نفعله" دوافع كتابة القصة. تقول: "أول نص نشرته كان سنة 1987 وكان قصة قصيرة، لم يكن ذلك اختياراً بل مجرد صدفة".

تعيد طرح السؤال على نفسها "لماذا القصة القصيرة؟"، لتضيف بعد برهة "أعتقد أن الموضوع له علاقة بعشقي للتفاصيل وتأثري الكبير بأمي التي كانت تحسن الحكي. القصة أو الرواية كانت تفي بالغرض في حالتي الخاصة، تحقّق لي إشباعاً في حاجتي إلى الثرثرة ومهارة التقاط التفاصيل المنفلتة، شيء ما يشبه اللعب".

تضيف "التورط في القصة لم يكن واعياً. في البداية كنت أرسم ثم بدأت أحلم بالسينما"، مكملة "أفكر اليوم أنه حدث معي ما كان يحدث مع الشباب المغاربة الذين نبغوا في ألعاب القوى لا لشيء سوى لأن ألعاب القوى لم تكن تتطلّب سوى قدمين، في حين رياضات أخرى كانت تتطلب إمكانيات وتجهيزات لا أمل لهم بها. القصة لم تكن مكلفة مثل السينما.

توضّح: "القصة كانت قدميّ الحافيتين اللتين ركضت بهما بعيداً عن القدر الذي وجدته ينتظرني باعتباري فتاة مغربية وُلدت ولم تجد ملعقة ذهب في فمها".

تنخرط باقا في النقاشات التي يعرفها المغرب، في وقت أصبح فيه دور المثقف ملحّاً، ربما أكثر من الماضي، وهذا الأمر كان محركاً لنصوص إبداعية، فضلاً عن كونه واجباً. تقول "كنت دائماً معنية بما يحدث حولي. لم يسبق أن كان لي انتماء سياسي، لكني كنت وما زلت أؤمن بمسؤولية المثقف نحو مجتمعه، أؤمن بمفهوم المثقف العضوي".

تضيف: "الواقع يعجّ بالمتناقضات وهذه المتناقضات كانت دائماً تستفزني؛ الكتابة عندي رد فعل نحو العالم. نصوص كثيرة كُتبت في مساري الإبداعي لتساهم في تصريف الغضب الذي أشعر به تجاه القبح والظلم والزيف. الكتابة تتحرك أفقياً وعمودياً، هي صوت الذاكرة القادم من الطفولة البعيدة وهي صوت الحاضر والآني".

حملت مجموعتها الأخيرة عنوان "في غرفة فرجينيا وولف"، وفيها هذا الاستحضار لاسم وولف الإشكالي والموحي، وقد امتدّ الحضور بعد العنوان إلى عبارات لهذه الكاتبة داخل المتن.

التناص لم يكن وارداً كفكرة تؤطر لحظات الكتابة، بل كان مجرد صدفة. تصف باقا هذا التعالق قائلة "أعتبر مقالة وولف المعنونة بـ"غرفة تخصّ المرء وحده"، أحد البيانات الأساسية التي تناولت قضية المرأة المبدعة. فكرة الغرفة الخاصة كانت أصيلة ومغرية".

حول انتقاء العنوان، توضح "جاء مشروع المجموعة القصصية الثالثة، فأنا مقلّة جداً كما يعرف الجميع، وكانت النصوص أمامي جاهزة، لكني لم أكن أتوفر على عنوان يجمع هذه النصوص ويجعل منها كتاباً منسجماً، عنوان يستطيع أن يكون العتبة الأساسية التي يدخل عبرها القارئ إلى بيت الحكاية ثم إلى الغرف".

بين النصوص كانت قصة "قيلولة متقاعدين"، وفيها نقرأ "سأكون في هذه اللحظة قد حققت بالتأكيد ولو متأخرة، مطلباً صغيراً انشغلت عنه من فرط ذوباني في حياة أبنائي وزوجي والآخرين، ذلك المطلب الذي يلتقي ربّما بمطلب فيرجينيا وولف الشهير في امتلاك غرفة خاصّة". ومن هنا كانت غرفة وولف هي الخيط الرابط بين قصص المجموعة.

بعد التهافت على كتابة الشعر، بدأت موجة الهجرة إلى الرواية والسرد عموماً مع بداية الألفية الثالثة، شعراء وكتّاب قصة يتطلعون الآن لكتابة الرواية، يدفعهم ربما إغداق الجوائز العربية على الرواية، وإقبال القراء عليها. قليلون من صمدوا وظلّوا يكتبون القصة القصيرة، هذا الجنس الأدبي الذي دخل طور الغربة الآن.

لكن صاحبة "منذ تلك الحياة" تبيّن: "ليس كل من كتب القصة نجح في كتابتها، وليس كل من كتب الرواية نجح فيها أيضاً. المكتبات المغربية ودور النشر تغصّ بالنصوص الرديئة، هناك الكثير من الكتّاب بالقوة وقليل من الكتّاب بالفعل".

من جهة أخرى، تتابع باقا "هناك الجوائز، أي الإغراء المادي الذي سيضاف إلى الإغراء المعنوي بمنح صفة الروائي، جوائز القصة تقريباً منعدمة. الكتّاب المغاربة في غالبيتهم قادمون من الطبقات الدنيا أو المتوسطة، ولم تمنحهم الكتابة، حتى الموهوبين منهم، الامتياز المعنوي الذي يستحقونه، وطبعاً لم يكن هناك أي امتياز مادي، إن لم نقل إن الكتابة خسارة مادية بالنسبة إلى البعض (كلفة الطباعة والتوزيع وأيضاً الأسفار تتم في الغالب على حساب الكاتب). عندما سيظهر في الأفق إغراء ما من شأنه أن يجعل وجودهم أقل بؤساً، فلا غرابة في تهافتهم".

تستدرك "وهذا مشروع، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب النص الجيد. غير أن الجوائز العربية تعاني في غالبيتها من نقص المصداقية، ومن جهة أخرى، التراكم بحد ذاته مهم من أجل فرز النصوص الجيدة".


اقرأ أيضاً: زهور كرام: طبقات القول النسائي

المساهمون