يتحدّث مع بعض الغامض

20 سبتمبر 2022
شاكر حسن آل سعيد/ العراق
+ الخط -

أخدودٌ يتلوّى، 
أنصافُ حِجار ناتئة قد تَلزم في الزمن الموحل،
ذاك الزمن الغائر في الطرق المعقوفة
والمعوجّة.

وصداعٌ يدخل في بعض بيوت، لا يخرج منها.
يعتاد عليها، يتمكّن، يستجلس شهوته فيها،
أزمنة مثقلة، لكن!

سلّة قشّ،  
بعض زجاجات: أدوية، بعض قصاصات المشهد.
شربة فخّار،
أسواق خضار حاضرة،
أسراب بنات،
أبواب بيوت حائرة، تتحدّث وتوارب في المعنى الشارد،
أزمنة ساهمة.
بعض خدوش في جسد الشارع،
وامرأة تعقد خرقتها، وتقول بأنّ بلادي مفعمة جدّاً،
حالمة،
جمهرة تقبض خبراً،
وحديثٌ يتجعّد،
صحف ذابلة،
وكلام مندلق باب البقّالة، يتواتر ثم يجفّ سريعاً،
ولدٌ يتعامل مع نصف رغيف، أو شبه رغيف،
يتوغّل كلٌّ في الآخر، يقضمه،
يتغالب ثم يغيب الاثنان بعيداً خلف حدود الأعين...،

رجل يتحسّب، 
يقلب يده، يتحوقل،
يفرك بالقدم اليمنى بعض لفافته،
ينظر نحو يمين ويسار،
ثم يواصل جملتَه أو بعض الأحرف منها
يتوقّف... يصغي...،
يتوجّس ردّاً.

رجل مؤتلق، يتوالج مع ذاكرة،
ياه،
لو أنّي،
خاصرة الشارع ذاهلة،
تستيقظ لتفسّر شيئاً،
رجل يخرج من سيرته أو بعض غبار،
يفرك جفنيه، يفرقع
بعض أصابعه،
ويطقطق رقبته، يبدو
يحتاج ليغلق تلك السطوة
أو تلك الشهوة في الإغراق،
يسند قامته بصباح يتثاءب معه،
ويكاد يقول كلاماً
أو شبه كلام،
يتوقّف، يتفقّد شيئاً،
ويعود إلى الداخل،
يشعر أن قراءته تسبقه،
يستسلم للراهن،
ويلوذ لغيب ما،

والوقت المتوثّب 
في قاع الصفحة أو في الهامش يكفي لشحوب آخر.

أعرفه فُقدت يده، يتبسّم
والآخر رُكبته ذهبت،
يفرش قلباً في عرض الشارع،
يتبسّم أيضاً.

ولدٌ يتسلّق حافلة. يتحدّث، وكأنّ السائق يسمعه.
يتماوج في أكثر من جهة، يكسر جملته،
يربطها بثقوب أُخرى.
يتناغم رأس السائق مع جلسته.

يجلس رجل يتفاقم في السطر المُعتِم،
يتوالج مع عالمه،
بهدوء مضطرم. يحبس أسئلة.
يتحدّث مع بعض الغامض،
يقرص فكرته،
ويردّ عليها،
ويقارن هذا مع هذا،
يقرأ ما يقرأ،
يستقرئ،
يَعْلم: 
في الحرف الصامت زَلزلة،
كان يغوص بعيداً،
ويرتّق أحياناً،
فالصمت طريق شاهقة.

شاهقة جدّاً
...
ويصفّق جُلّاس القاعة. للجُمل المحفورة.
والجمل المحشورة،
والزمن الواقف خلف التلّة.

تستيقظ رائحة كنّا نقرأ شعراً عنها،
ننساق إليها،
إذ كانت تقرأ شيئاً آخر.

شَقٌّ، نافذة أيضاً
يتسرّب بعض هواء، وقصيدة شعر،
في الجهة الأُخرى ولدٌ،
يصنع عالمه،
ويعود ليظهر في غبشٍ ما.

شظفٌ، 
إن كان الأبيض غير الأبيض.
شظفٌ أن تدخل في الباهت،
شظفٌ أن تُغرق في كلّ حروف العلّة.

يسحب رجلٌ قامته من زمن،
كي يدخل في الزمن الآخر.

كانت تتراعش بين أصابعه وتميل قليلاً،
لم يدخل في غيب السيجارة، لكن،
يتحدّث بأناة وخشوع، والبُحّة تحملنا حيث يشاءْ،
نصغي،
يستأنس بالإصغاء الحاذق، فيميل قليلاً،
كان يحدّق أو يروي،
يصفن،
تدخل مفردة، يتذكّر، يقبض يده عاشرة،
تسند قامته كانت بعض الأحرف ويُسلطن أيضاً،
...
كان شفيفاً ثرّاً،

كنّا نتأنّى كي نسمع أنفسنا،
أو نسمع ما كان تراكم،
نشرب قهوتنا باردة،
ما زلنا في الوقت الباهظ.

قالت أمٌّ للولد الذاهب تحت حقيبته:
"كان الله بعونك".
وتشاهد ما كان رهيباً.
كانت كفّاها راجفة،
وهواء مكتظّ يتوجّس،
"كان الله بعونك".
يتدحرج في طُرق ضيّقة، بعض كلام،
نتعرّج،
ونعيد الأحرف أو بعض خطانا للكلمات.


* شاعر من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون