تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "الحصول على دكتوراه من فرنسا يحدّ من فرص الحصول على منصب أكاديمي"، يقول الباحث السوري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
قضايا متعدّدة. مثلاً، كنت مشغولاً بتحضير ملفّ يتعلّق بتمضية عام دراسي كباحث زائر في "جامعة السوربون" و"مركز الدراسات المتقدّمة" في باريس، وقمت بإعداد مشروع بحث عن التغيّرات الحاصلة في البيئة الطبيعية والعمرانية لمدينة دمشق خلال القرن العشرين، وذلك بالتعاون مع قسمَيْ تاريخ الفن والآثار وكذلك قسم الجغرافيا والتخطيط الحضري. كما أنني مقدمٌ على مشروع عمل مهمّ سأفصح عنه قريباً.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
كتاب جماعي بالإنكليزية نُشر في فيينا عن العصر الأيوبي والفنّ والعمارة خلاله. كذلك نشرتُ دراسات عن الوضع الراهن لأكثر من موقع ومنطقة أثرية تضرّرت، في سورية، أثناء الحرب.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
لا، أبداً. لم أستطع أن أنشر ما عملت عليه إلّا بشكل جزئيّ، وذلك بسبب انشغالي بالعمل الإداري لفترة، والتدريس لفترة أخرى، ووجود مشاريع متعدّدة تفرض نفسها أحياناً، مثل توثيق أضرار الحرب في سورية على الآثار. نشرت العديد من الأبحاث والمقالات الأكاديمية، وأرجو أن تُتاح لي الفرصة، في القريب العاجل، لنشر كتابين جاهزين، أحدهما كان أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه، عن عمارة المدارس في دمشق في العهدين السلجوقي والأيوبي، والثاني عن حيٍّ في دمشق يمثّل نموذجاً للأحياء السكنية العربية من حيث التخطيط العمراني والعمارة والمجتمع.
أتمنى لقاء علماء مسلمين، مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد، لأرى كيف كان مفهومهم للإسلام وللحياة وللعالم
■ لو قُيّضَ لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
سأختار ما فعلته: أن أدرس التاريخ. ولكن سأتردّد وأفكّر مَليّاً قبل أن أحضّر الدكتوراه في فرنسا، كما حصل معي عندما أردتُ إعداد الماجستير والدكتوراه واحترت ما بين فرنسا والولايات المتّحدة الأميركية. لا شكّ في أن الحياة في فرنسا أجمل، وأني أمضيت فيها أجمل سنوات حياتي (والواقع أني أمضيت عشر سنوات تقريباً من عمري في فرنسا، وعشر سنوات في الولايات المتّحدة)، لكنّ الحصول على دكتوراه من فرنسا يحدّ من فرص الحصول على منصب أكاديمي في العديد من البلدان، بل وحتى الحصول على منصب أكاديمي في فرنسا أمرٌ صعب جدّاً.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
عالم أكثر عدلاً، وإيجاد حلول عادلة للمشاكل التي نعيشها. وأتمنّى أن يحدث تغيُّر إيجابي في سورية، وكذلك في روسيا وغيرها من البلدان.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
كثُر. مثلاً، أتمنى أن ألتقي علماء مسلمين ساهموا في تطوّر العلوم، مثل ابن سينا والفارابي وابن رشد، لأرى كيف كان مفهومهم للإسلام وللحياة وللعالم بشكل عام. من الغرب، وفي مجال اختصاصي، كنت أتمنّى لو التقيت بالمستشرق الفرنسي العبقري جان سوفاجيه، الذي ألّف الكثير عن سورية رغم أنّه توفيّ مبكّراً، عن 49 عاماً (1901 ــ 1950).
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
صديقان وأستاذان لي أفتقدهما كثيراً بعد رحيلهما، ويخطران على بالي دائماً، وأعود لكتاباتهما دائماً.
الأوّل: المؤرّخ الفرنسي أندريه ريمون، والذي أدين له بالكثير. ساعدني ريمون خلال دراستي في فرنسا، وظلّ يساعدني وأتعلّم منه حتى آخر حياته عام 2011. وكتاباته عن المدن العربية في العصر العثماني تُعَدّ مرجعاً لا غنى عنه. وأظلّ أذكر دائماً مواقفه وآراءه الموضوعية والحكيمة.
والثاني: مؤرّخ الفنّ الإسلامي الراحل في 2012، أولغ غرابار: والذي أعطاني الكثير من وقته وعلمه ودعمه عندما كنت في الولايات المتّحدة، وفتح لي آفاقاً كثيرة هناك. أفتقد لحكمته وعلمه والأوقات التي أمضيتها معه في باريس وبرنستون ودمشق. وما زال يخطر ببالي دائماً، كما يخطر في بالي ما كان يقوله في التاريخ والفن الإسلاميين، والسياسة والعالم الأكاديمي.
أحضّر لمشروع عن التغيرات العمرانية في دمشقِ القرن الماضي
■ ماذا تقرأ الآن؟
لتحضير مشروع بحثي في "السوربون" للعام القادم عن التغيّرات البيئية والعمرانية في دمشق القرن العشرين، رجعتُ إلى ما كُتب عن هذا الموضوع، ومن ذلك كتابات الباحثة الفرنسية آن ماري بيانكي عن غوطة دمشق وما حلّ بها، وكتاب "غوطة دمشق" لمحمد كرد علي، و"الريف السوري" لأحمد وصفي زكريا.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
هناك أصوات جميلة في أيّامنا، لكنّها لا تأخذ فرصتها بسبب قلّة الألحان والملحّنين. أسمع للقدماء، مثل فيروز وقديمها، وأسمع للجدد، مثل عبير نعمة في كثير من أغنياتها، وخاصّة عندما تغنّي ألحاناً قديمة. وتعجبني أصوات فرح يوسف وسارة فرح وآمال ماهر وغيرهنّ. لكنهنّ يعانين من مشكلة في إيجاد ألحان جيّدة جديدة. وكنت أسمع اغنية "حوّل يا غنّام" بأكثر من صوت، ويعجبني مقامها اللحني. أقترح عليكم سماعها.
بطاقة
باحث وأكاديمي سوري في تاريخ العمارة والتراث الثقافي العمراني والأثريّ، من مواليد دمشق عام 1962. حاصل على درجة الدكتوراه في الفن الإسلامي والآثار الإسلامية من "جامعة إكس - مرسيليا الأولى" (1991). عمل لسبع سنوات أستاذاً باحثاً زميلاً في "جامعة هارفارد"، وهو حالياً باحثٌ زميل في "معهد الدراسات المتقدّمة" في باريس و"جامعة بون" بألمانيا. شغل العديد من المناصب الإدارية في بلده، منها مدير عام الآثار والمتاحف. له العديد من الدراسات المنشورة في دوريات أو كتب جماعية، بالعربية والفرنسية والإنكليزية، ومنها: "مؤرّخو العمارة والأوابد بدمشق حتى نهاية العهد العثماني" (بالعربية، 1985)، و"سويقة صاروجا: إسطنبول صغيرة" (بالفرنسية، 1995)، و"عمليات التنمية العمرانية في مدينة إسلامية: ضواحي شمال غرب دمشق (القرنان 12 و19)" (بالإنكليزية، 1998). كما شارك في تحرير وتأليف عدد من الكتب الجماعية، مثل "مساكن وقِلاع ومنشآت: عمليات التحوّل من العصر القديم المتأخّر إلى الإسلام المبكّر في بلاد الشام" (بالإنكليزية، 2009)، و"العصر الأيوبي: الفن والعمارة في سورية العصر الوسيط" (بالإنكليزية، 2015).